الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

علم ينتفع به- عناصر قوة الدولة ج2

بسم الله الرحمن الرحيم

كنا قد تحدثنا في الحلقة السابقة حول موضوع: ((عناصر قوة الدولة)). وفصلنا الحديث عن العناصر الثلاثة الأولى وهي:
1. وجهة النظر عن الحياة.
2. العامل الاقتصادي والتكنولوجي.
3. العامل الديمغرافي.
واليوم سنكمل باقي الحديث عن العناصر الثلاث الأخيرة ألا وهي:
4. القوة العسكرية.
5. العامل الجغرافي.
6. الدبلوماسية.

4. القوة العسكرية: القوة العسكرية هي القدرة القتالية للدولة, وهي تشمل جميع الموارد البشرية والمادية التي تستطيع الدولة حشدها للمعركة, ومقوماتها العامل الديمغرافي والعامل الاقتصادي والتكنولوجي.
ومجرَّد وجود القوة العسكرية يعني احتمال استعمالها, ولذلك فهي تلوح دائماً وراء جميع تصرفات الدولة الخارجية, وتتصدر الأعمال عند انهيار الدبلوماسية. والقوة العسكرية لا تنفصل عن إرادة استعمالها, فقوة الإرادة في استعمالها من قوتها, أي قوة لها, وضعف الإرادة ضعف لها. والقوة العسكرية هي إحدى أدوات السياسة, بها تفرض الدولة إرادتها على الخصم في صراع الإرادات في الميدان, إذ الحرب استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى. وبها تلوِّح الدولة لإجبار الخصم على تقديم التنازلات المُرضية, وبها تردع الخصم عن القيام بعمل مُعادٍ. لذلك فإن القوة العسكرية هي عنوان قوة الدولة وأبرز عناصرها, تعطيها الدولة جلَّ عنايتها, فتقدم المدفع على الرغيف, فبالمدفع تصان الكرامة وتصان الحقوق.
والقوة العسكرية ليست غاية في حدِّ ذاتها, وإنما هي وسيلة من أجل غاية, فهي وسيلة لتحقيق المصالح والدفاع عنها. وحتى لا تبقى العلاقات الدولية علاقات حرب دائمة, تقوم كل دولة عادة برسم الخطوط بين ما تحتمله, وما هي مستعدة للدفاع عنه بالقوة, فتنذر الخصم بعدم الاقتراب من نقطة اللاعودة. وقد أدت التكنولوجيا إلى قفزة نوعية في الأسلحة مما جعل التحضير للحرب لا يأخذ وقتاً مكشوفاً, فالهجوم المباغت, وحرب الإجهاض, والحرب الوقائية تبقى ماثلة, مما يستدعي أن تبقى القوات العسكرية لأية دولة في يقظة تامة. وفي العادة لا تُبقي الدول جميع قواتها تحت السلاح, وإنما تكتفي بقوة كافية لردع الخصم. ولكنها تحتفظ في الوقت نفسه بأنجح السيل وأسرعها للتعبئة العامة.
ويشكل الاستعمال الفعلي للقوة العسكرية في العادة الملجأ الأخير للدولة, فتلجأ الدولة لاستعمال قوتها العسكرية بعد أن تفشل أدواتها الأخرى كالدبلوماسية, والضغوط الاقتصادية, والمناورات, والتهديد باستعمال القوة.
وقد مثلت الأسلحة النووية ووسائل حملها من صواريخ وطائرات بعيدة المدى فتحاً جديداً في القوة العسكرية. والأسلحة النووية أسلحة هجومية أوجدت تغييراً في التفكير العسكري, كما أوجدت مأزقاً عسكرياً لعدم التوصل إلى أسلحة مضادة لها, أي عدم القدرة على الدفاع الفعال أمام استعمالها. والحل الوحيد المتوفر للدول يكمن في الردع, فتحاول كل دولة الحصول على سلاح نووي, إن لم يكن من أجل الهجوم, فمن أجل الردع. وكما يشكل استعمال القوة العسكرية الملجأ الأخير, فإن استعمال الأسلحة النووية يبقى الملجأ الأخير في حال استعمال القوة العسكرية, وهذا من شأنه أن يُبقي للأسلحة التقليدية هامشاً واسعاً, بل يُبقي استعمال القوة التقليدية هو الخيار الوحيد إذا تساوت قوة الخصمين النووية, أو إذا تحقق لكل منهما القدرة على إصابة الآخر بالدمار الشامل, أو بأذى لا يمكن احتماله.
وسيبقى سباق التسلح في العالم, وتطوير الأسلحة, واكتشاف أسلحة جديدة, يندفع على جميع المستويات. وما يقال عن تفكير في نزع شامل للأسلحة النووية لا يزيد عن دغدغة لعواطف الرأي العام العالمي, ولإبقائه حكراً على بعض الدول الكبرى, فالسلام العالمي بين الدول الكبرى يقوم على الرادع النووي.
5. العامل الجغرافي: ويشمل اتساع البلد وموقعه الجغرافي, والطبيعة الجغرافية لأرضه ومناخه, فصعوبة العيش في الجزيرة العربية أثرت قديماً في بناء الإنسان من حيث قوة التحمل والقدرة على القتال, كما قللت رمالها وصحاريها من إمكانية غزوها. واتساع روسيا وكثرة الدول المجاورة لها مكن روسيا من التوسع في جهات متعددة, فكانت تتوسع في أوروبا, فإن أعياها ذلك توسعت في الشرق وفي الجنوب. وقد ساهمت ثلوج روسيا في هزيمة كل من نابليون وهتلر. وكان لبحر المانش (القنال الإنجليزي) الذي يفصل بريطانيا عن أوروبا الأثر الأكبر في حماية بريطانيا من غزوات الدول الأوروبية. كما أن الدول موقع أمريكا الحصين المحاط بالمحيطات أكسبها قوة, وحماها من غزو الدول الكبرى في أوروبا وفي آسيا بعد استقلالها عن الدول الأوروبية. أما موقع بولندة بين جارين قويين: ألمانيا وروسيا, فقد أدى لاقتسامها أربع مرات من قبل جيرانها, فسبب الموقع تسلط أمم على أمم, وشعوب على شعوب. ومن هنا فقد احتلت سياسة المناطق العازلة مكاناً واضحاً في العلاقات الدولية. وقد ضعف هذا العامل أمام الأسلحة المتطورة, فأصبحت الحدود الآمنة من أفكار الماضي, كما ضعفت سياسة الدول والمناطق العازلة في السياسة الدولية.
6. الدبلوماسية: تتكون المؤسسة الدبلوماسية في الدولة من قسمين:
1. الدائرة الحكومية التي تعهد إليها الدولة بتنفيذ السياسة الخارجية, مثل وزارة الخارجية.
2. البعثات الدبلوماسية في الخارج المتمثلة بالسفارات وما يقوم مقامها, أي الرسل بين الدول بجميع أنواعهم.
وعمل الدبلوماسيين هو تنفيذ السياسة الخارجية, وإدارة العلاقات السياسية وليس صنعها. كما أن من عملها تقديم المعلومات والمشورة لصانعي السياسة الخارجية لتساعدهم في رسم السياسة الصحيحة. وحتى يتسنى لهم ذلك فلا بدَّ لهم من أن يخترقوا البلد الذي يعيشون فيه, وأن يوجدوا لأنفسهم صلات قوية بصانعي القرار, وراسمي السياسة في ذلك البلد, وبأركانه المؤثرين فيه حتى يكونوا على دراية بكل ما يجري فيه, فيعرفون مصالحه الحيوية, وتوجهاته السياسية وصلاته. لذلك يختار الدبلوماسيون من نوعية معينة, ويخضعون لثقافة خاصة. وعمل الدبلوماسية الرئيسي هو المفاوضات, والمفاوضات تعني المساومات, والمساومات تعني التسويات, والتسويات نعني تقديم تنازلات للآخرين والحصول على تنازلات من الآخرين, فهي عملية ربح وخسارة, والدبلوماسي الناجح هو الذي لا يدفع أكثر مما يريد, ولا يحصل على أقل مما يريد.
والمساومة السياسية كالمساومة التجارية, فيعرض البائع السلعة بأكثر مما يريد بيعها به حقيقة, ويدفع فيها المشترى أقل مما يريد دفعه فيها فعلاً, وأمهرهما من يستطيع تغطية موقفه أكثر. وعلى المفاوض أن يتصف بالصبر والمصابرة وطول النفس, إذ قد تمتد المفاوضات شهوراً, وقد تمتد سنين لأن كلا الطرفين يريد أكثر مما يكون الطرف الآخر مستعداً للتنازل عنه.
ونكون المساومات في المصالح الثانوية, ولا تكون في المصالح الحيوية, لأن المصالح الحيوية ليست موضع مساومة, وإنما تحارب الدولة من أجلها. لذلك ليس على المفاوض أن بعرف فقط موقع المسألة المتفاوض عليها من مصالح بلده, وإنما أيضاً موقعها من مصالح المفاوض الآخر. وقد يكون في نية المفاوض الآخر العدوان, وأنه لا يريد تسوية عند نقطة في الوسط يلتقيان عندها, وإنما يريد فرض ما يريد, فإذا قدمتَ له تنازلات طالب بمزيد منها, فهو رسول حرب يريد خلق الظروف لتـلك الحرب أو استسلاماً كاملاً للخصم دون حرب, أي أن المفاوضات تكون معادلة للحرب, كما فعل هتلر في مفاوضات النمسا قبل ضمها, وفي مفاوضاته مع تشيكوسلوفاكيا.
وكثيراً ما تكون الدبلوماسية دبلوماسية القوة, أي أن الدولة تدعم الدبلوماسيين المفاوضين بالقوة العسكرية, فتستنفر قوتها العسكرية وتنشرها وتلوَّح باستعمالها في حال فشل المفاوضات وإذا لم يتنازل الخصم عن أمور معينة, كما لوحَّت أمريكا باستعمال قوتها النووية إذا لم يجر الإسراع في المفاوضات حول كورية, وإذا لم تؤدِّ المفاوضات إلى نتائج مرضية.
والحكمة في الدبلوماسية تشكل أحد مصادر قوة الدولة لأنها أداة للحصول على المغانم ودرء المفاسد والخسائر, بها تستطيع الدولة تجميع الأصدقاء, وتفريق الخصوم, وإيجاد الظروف المواتية لتحقيق الأهداف, فهي تعادل القوة العسكرية, وقد تعوِّض الدولة عن ضعف قوتها العسكرية كما فعلت دبلوماسية مترنيخ لإمبراطورية النمسا في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وقد عانت الدبلوماسية التقليدية مؤخراً من الضعف بسبب تقليص الدول لدورها, واعتمادها عوضاً عنهم على المبعوثين الخاصين وبلقاءات القمة, ويكاد ينحصر دورها في الوقت الراهن في الشؤون القنصلية ونقل الرسائل وجمع المعلومات والتجسس والدسائس وإثارة الفتن, وإثارة الفتن تقتضي اتصالات السفارات بمراكز التوتر وفصائل الرفض في الدول التي تعمل فيها.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع