الثلاثاء، 24 محرّم 1446هـ| 2024/07/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

   حتمية فشل حكام هذا الزمان في طمس نور الإسلام، وثني العاملين عن إقامة الخلافة وتنصيب إمام . الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ثالثا : لقد كانت الخطة التي وضعها الكفار المستعمرون للقضاء التام على الإسلام السياسي قبل هدم دولة الخلافة وبعدها، تقتضي الإنجاز على مرحلتين. مرحلة أولية يتم إنجازها في ظل دولة الخلافة، ومرحلة ثانية ينتهوا من إنجازها بعد زوال الخلافة. فأما المرحلة الأولى فكانت تقتضي العمل على إفساد الحياة السياسية في الدولة والمجتمع، والاستنقاص من نظام الخلافة، وتشويه صورة الخلفاء ليبغضهم المسلمون. فقاموا في هذه المرحلة بإنشاء ما يسمى بمشروع الإصلاح وإنشاء الدستور العثماني، الذي سربوا من خلاله أحكام الكفر، واشترطوا على الدولة العمل بها إلى جانب العمل بالشريعة الإسلامية. ثم تعرضوا لنظام الخلافة بالطعن والنقد، وهاجموا الخلفاء العثمانيين. وأخذوا يهيجون المبهورين بحضارتهم وأنظمة عيشهم ليثوروا على الدولة العثمانية ويقضوا عليها بأيديهم. وبعد أن تم لهم ذلك وزالت دولة الخلافة انتقلوا إلى إنجاز المرحلة الثانية من الخطة التي وضعوها.

 

وكانت هذه المرحلة تقتضي الاستمرار في العمل داخل العالم الإسلامي للقضاء نهائيا على الإسلام السياسي. أي القضاء التام على الأفكار التي تنشأ بها الدولة ويتكون بها المجتمع. كنظام الحكم، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي، ونظام التعليم، ونظام العقوبات. فانتدبوا لهذه المهمة القذرة حفنة من الخونة والعملاء الذين جاءوا بهم إلى الحكم، ليكونوا الوكلاء عنهم في تسيير شؤون الأمة الإسلامية. فقامت هذه الحفنة الشريرة والخبيثة بعد استلامها للحكم، بجملة من الأعمال الشيطانية لطمس معالم الإسلام وتغييب الشريعة الإسلامية عن حياة المسلمين. فغيروا نظام الحكم وأنظمة المجتمع. وغيروا نمط عيش المسلمين وروضوهم على نمط العيش الغربي. وروجوا للأفكار والفلسفات الغربية. وألغوا مناهج التعليم القديم ووضعوا بدلها مناهج علمانية معاصرة. وشوشوا العقول بالإعلام الهابط والرخيص، وملئوا  البلاد بالمحرمات، وطوقوا المسلمين بالمنكرات والخبائث، إلى غير ذلك من مثل هذه الأعمال القذرة. وهكذا عاشت الأجيال التي جاءت من بعد هدم الخلافة في هذه الأجواء الملوثة بالفكر العلماني تطبيقا وترويجا. من غير أن تعرف عن دينها إلا النزر القليل الذي يتحدث به شيوخ الأنظمة وعلماء السلاطين، الذين يروجون للإسلام الذي يتناسب مع أهواء الحكام. ذاك الإسلام الكهنوتي الذي يحرم على المسلمين مزج الدين بالسياسة، ويربيهم على خمسٍ واحد من الإسلام لا يتجاوز العبادات والأخلاق. أي أطروهم داخل إطار المظهر الفردي للإسلام.

 

ولكن بالرغم من هذا المكر الذي مكروه بالمسلمين، والغش والخداع الذي مارسوه عليهم. فإن فكرة الإسلام الصافية والنقية أبت إلا الظهور وكسر الحواجز التي أحيطت بها. فعادت العقيدة الإسلامية إلى التلألؤ من جديد وبدأ نورها يبدد الظلمة وينير العقول. وعادت الأفكار الإسلامية إلى حيويتها ونشاطها، واقتحمت حلبة الصراع لتصارع أفكار الكفر، وتحطم أضلاع العلمانية واللائكية. وهكذا عاد الفكر السياسي الإسلامي يجوب العالم الإسلامي، إلى أن ظهرت فكرة الخلافة من جديد من بعد أن كسرت قفل التابوت التي وضعت فيه، وطلعت تمشي في شوارع العالم الإسلامي والغربي برشاقة وخيلاء في حلتها الجديدة لتطيح بالأنظمة المهترئة في بلادنا.

 

فمن الذي أحيا الإسلام السياسي في الأمة من بعد ما كان خاملا في جوف الكتب. ومن الذي رفع كتاب الله ونداء الإيمان من بعد ما كان الكتاب لا يفتح إلا على الموتى، وصوت الإيمان خافت. أهي مدارس ومعاهد الأنظمة ودور ثقافتهم وإعلامهم وشيوخ بلاطهم؟ كلا وألف كلا. فلا فضل لهم في هذا الخير العظيم، ولا مزية لهم علينا. بل الفضل والمنة والشكر لله وحده. فهو الذي يمكر بالماكرين، وهو الذي تكفل بحفظ دينه من التلف والضياع والإهمال والتحريف والتبديل. وهو الذي يبعث في الأمة من يجدد لها دينها كلما خبت جذوة الإيمان. وذاك مصداقا للحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :‏{ ‏إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ‏} [رواه أبو داوود].

 

رابعا : كلنا نعلم أن للزمن أثره ومفعوله في البشر. وأنه كلما تباعدت أطرافه وتوسعت رقعته إلا واختفى القديم عن الأذهان وحضر فيها الواقع الجديد. فالحزن مثلا يخف بعد برهة من الزمن، والشوق كذلك يقل بعد طول الأمد، والحسرة تطفأ بمرور الأيام، والآلام تنسى بمرور الوقت، والأحداث والمصائب يطويها الدهر. وهذه هي سنة الحياة. فلولا الصبر والنسيان لماتت البشرية كمدا وحسرة واعتصارا. ولهذا عول الكفار المستعمرون ومعهم الخبثاء المجرمون على هذا العامل الزمني. وظنوا أن الزمن كفيل بأن يمحي من ذاكرة الأمة طابع العيش القديم، وينسي المسلمين ماضيهم التليد ويرغمهم على قبول هذا الحاضر البليد.

 

ولقد كنا نسمع من حكام البلاد ونحن في سنوات التعليم الابتدائي كلمات لا نفقه معناها ولا أبعادها، تردد من حين لأخر في خطبهم وأحاديثهم ووسائل إعلامهم. ولكن بعد النضج والوعي فهم بعضنا ما تعنيه هذه الكلمات. إذ كانوا يطلقون علينا نعتا خاصا بنا، فيقولون عنا بأننا نشكل " جيل الاستقلال ". أي جيل ما بعد سقوط حكم " الباياتْ " وقيام النظام الجمهوري، وبناء الدولة العصرية. لأن " الباي" فيما سبق الجمهورية كان يمثل بقايا الحقبة القديمة من الحكم العثماني في شمال إفريقيا. وبالتخلص من " البايات" والقضاء على حكمهم يكونوا قد قطعوا الحبل الذي يشد الجيل الجديد بالماضي العريق. ولهذا كانوا يطلقون علينا هذه التسمية وهذا الوصف، لأننا كنا المرشحين الأوائل لخدمة الفكر الليبرالي، وتثبيت أسس الحضارة الغربية في بلداننا. ولذلك اهتموا بتشكيل عقلياتنا وتكوين شخصياتنا. فصبغونا بصبغة جديدة ليس فيها أي لون من ألوان الماضي العتيق.

 

وبالفعل فإنه، وبعد هذا المسخ الرهيب، كيف يمكننا أن نتصور شكل الحياة التي كانت عليها الأمة من قبل سقوط الخلافة. وكيف لنا أن نتحسر على هذا الماضي الذي لم نعشه ولم نحيَ في كنفه. وكيف بالشوق والحنين أن يأخذنا إليه ونحن لا نعرف عنه شيئا، وكيف لنا أن نستحضر في أذهاننا صورا لأشكال غائبة عنا لم نجد لها أثرا في واقعنا المحسوس. وبالتالي كيف سنكترث لضياع أي شيء ما لم يكن أصلا بين أيدينا، ولسنا نحن الذين فرطنا فيه ؟.

 

فلقد جئنا إلى هذه الحياة بعد عقود من هدم الخلافة. وكل ما التقطناه من الكتب المدرسية، أو سمعناه من الروايات التي نقلت إلينا عن ماضي الأمة، هي تلك الصور الكاريكاتورية، التي كنا نتأفف لسماعها، ونتحرج عند ذكرها. ولكن بالرغم من هذا الطمس والتشويه والتزوير، فإن الزمن هذه المرة قد خيب ظنهم وسفه أحلامهم، وأن سنة الحياة لم تجر بما كانوا يتوهمون. فمسافة الزمن وتباعد طرفيه، وترادف الأجيال واختلافها عن بعضها، وغياب الأشكال القديمة وحضور الأشكال الجديدة، كل ذلك لم يؤثر في الأمة ولم ينسها ماضيها المجيد. إذ كلما تعاقبت الأعوام واتسعت رقعة الزمن، إلا وازداد المسلمون تمسكا بدينهم. وكلما طال الوقت وانقضت الأيام والأعوام إلا وازدادوا حرقة وحسرة عن غياب الإسلام في الدولة والمجتمع والحياة، وحاسبوا أنفسهم عن هذا التقصير والتراخي في خدمة هذا الدين والعمل الجاد لاستئناف الحياة الإسلامية، للحكم بكتاب الله وسنة رسوله. ولذا تراهم يدفعون بعضهم البعض لتكثيف الأعمال ومضاعفة الجهود وتقديم المزيد من التضحيات في سبيل تحقيق المبتغى. وهكذا بفضل الله وجهد العاملين الواعين من أبناء هذه الأجيال الجديدة، بعثت الحياة من جديد في الفكرة التي ظن الكثيرون أنها قبرت ونسيت بمرور الزمن، وعادت قطعة من التراث القديم مكانها داخل المتاحف الأثرية. فهاهي فكرة الخلافة اليوم تجوب القارات الخمس، حتى عادت الهاجس الذي يرعب حكام البلاد الغربية قبل حكام البلاد الإسلامية.

كتبه : خالد إبراهيم العمراوي.

في يوم الجمعة بتاريخ : 29 محرم 1431 هـ

الموافق : 15 جانفي 2010 م

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع