مع القرآن الكريم يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [سورة النساء: 59].
روى الإمام أحمد قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريّة عليهم في شيء قال: فقال لهم: أليسَ قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً. ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عَزَمْتُ عليكم لَتدخُلُنَّها. قال: فقال لهم شابٌ منهم: إنما فَرَرتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعْجلوا حتى تَلقْوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنْ أمَركمْ أن تَدخلوها فادخلوها. قال: فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم: «لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعةُ في المعروف» وأخرجاه في الصحيحين. وقد وردت في هذا المعنى أحاديث صحيحة كثيرة.
{ أَطِيعُوا اللَّهَ } أي ألزموا كتاب الله - القرآن.
{ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } في حال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم طاعته هي طاعة أوامره. وفي حال عدم وجوده (الآن مثلاً) تكون طاعته بالتزام سنته صلى الله عليه وسلم. وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله.
{ وَأُوْلِي الْأَمْرِ } هم الأمراء، أي الحكام الذين بيدهم السلطة. وقد قال بعض المفسرين بأنهم العلماء بدليل قوله تعالى: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ }، وهذا الاستدلال ضعيف لأنه الذي ينهى عن المنكر ليس من الضروري أن يكون من أولي الأمر، إذ أن كل مسلم مطلوب منه أن ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده» وهذا معه صلاحية ليس الأمر والنهي فقط بل عنده صلاحية التغيير باليد. وهذا يشمل كل مسلم ولا يعقل أن يكون أولوا الأمر هم كل المسلمين. وكلمة { منكم } تفيد التبعيض.
{ منكم } أي أن أولي الأمر (الحكام) هم منا، أي من المسلمين. فإذا كان أولوا الأمر غير مسلمين فإنّ طاعتهم غير واجبة على المسلم بموجب هذا النص. أما إن كان أولو الأمر من المسلمين فإنّ طاعتهم واجبة إذا أمروا بأمر مشروع «إنما الطاعة في المعروف»، أما، إذا أمروا بمعصية فتحرم طاعتهم لأن طاعة الله مقدمة على طاعتهم «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». وإذا صار الحاكم المسلم يحكم علناً بأنظمة الكفر تصبحُ طاعته مثل طاعة الحاكم الكافر، أي غير واجبة حتى ولو أمروا بالمعروف. لأن الحاكم المسلم الذي يحكم بالكفر البواح مطلوب من المسلمين أن يخرجوا عليه ولو بالسلاح، وليس مطلوباً منهم أن يطيعوه. ولكن تجوز طاعتهم (ولا تجب) ما دام المسلمون لم يخرجوا عليهم، وما داموا يأمرون بأمر مشروع.
{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } أي إن تنازعتم أيها العامة مع الحكام، أو تنازعتم فيما بينكم في أي شيء، { فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } أي إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الرد قد يتم دون حاجة إلى محكمة وقضاء بمجرد الوعظ والتذكير. وقد لا يكفي فيه الوعظ والتذكير فيصبح وجود القضاء ضرورياً.
وقد شرع الله القضاء. والقضاء يرفع المنازعات بين الناس (الحقوق الشخصية) وهذا هو القضاء العادي. ويرفع الاعتداء عن الملكية العامة (الحق العام) ويمنع الاعتداء على حق الله (أي ارتكاب المعاصي التي حرمها الله). وهذا هو قضاء الحسبة. ويمنع اعتداء الحكام (أولي الأمر) على الحقوق الشخصية أو حقوق الله. وهذا هو قضاء المظالم. وهذه الآية هي الأصل في إقامة محكمة المظالم.
{ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } وهذا يشير إلى أن الذي لا يرد المنازعات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يتصف بصفات المؤمنين.
{ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } أي هذا الردّ إلى الكتاب والسنة والاحتكام إليهما هو خير في الدنيا وأحسن مآلاً وعاقبة في الآخرة .