الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الإستعانة بالكفار إثم كبير وخيانة لله ولرسوله- ج1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن في ديننا الإسلامي بعقيدته وأحكامه الشرعية التي طرقت كل جانب من جوانب الحياة، وإن في سيرة رسولنا الكريم وصحابته الكرام، والخلفاء الأفذاذ، وإن في عظمة تاريخ أمتنا ونصاعته، إن في كل هؤلاء لغناء عن استعانتنا بالكفار، فالمستعين عادة يكون غير قادر عن مجابهة الأخطار، إما لقلة إمكاناته، أو لعجزه عن حشد هذه الإمكانات، أو لضعفه مقارنة بقوى أعدائه، أو لرغبته في تسخير غيره توفيرا لإمكاناته. والأمة الإسلامية ليست عاجزة، وليست ضعيفة، وليست قليلة الإمكانات وليست حديثة النعمة، فالأمة الإسلامية قوية في فكرها، قوية برجالاتها، وفيرة إمكاناتها. ولهذا فالمتتبع للتاريخ الإسلامي، يدهش أيما دهشة لفعال بعض المتنفذين منها، في سعيهم للإستعانة بغيرهم، ولعل هذا يرشدنا إلى فظاعة الدعوة التي رفعها بعض المتنفذين من حكامنا ومثقفينا، بفصل الدين عن الحياة. فديننا يمنعنا من الإستعانة بغيرنا، وديننا يمنعنا من تقليد غيرنا، وإنه لمما يدمي القلب أن تسمع  بعض المثقفين يصرح علنا، بأنه مستعد لمحالفة الشيطان أو الإستعانة بالشيطان، لتحقيق هدفه، وهم بمقولتهم هذه يجعلون بريطانيا وتشرتشل قدوتهم، فالذي قال هذه العبارة ونستون تشرتشل، وقولته هذه تنسجم مع عقيدته الرأسمالية، التي تفصل الدين عن الحياة، والتي تجعل المنفعة هي مقياس أعمالهم اقتداء بمفكرهم العتيق ميكافيلي الذي يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة، فأين هذه المقولة وأين هذا السلوك الذي يسوغ الاستعانة بالكفار أو بالشيطان من قوله صلى الله عليه وسلم : «لا نستضيء بنار المشركين» والاستضاءة بالنار كناية عن الإستعانة، وأين مقولتهم الفظيعة، من رفضه عليه الصلاة والسلام الإستعانة بكتيبة يهود بني قينقاع في غزوة أحد رغم حاجة المسلمين الماسة للعون، لقلة عددهم وضعف قوتهم مقارنة بعدد وقوى قريش، وبالرغم من كون اليهود كفارا يستعين بهم على كفار أو مشركين، ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستعانة بالكفار على الكفار، تجعلنا من باب أولى ألا نستعين بالكفار على المسلمين فلنعد إلى أحكام ديننا التي تنظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بنفسه وعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان. فالإسلام ليس طقوسا تؤدى، أو عادات وتقاليد بالية، وإنما أحكام الإسلام أنزلت لتسير أمور الحياة للإنسان كإنسان ولهذا سأبين في هذه المحاضرة معنى الاستعانة، وأنواع الإستعانة، والحكم الشرعي للإستعانة كما سأذكر عددا من الأمثلة على إستعانة المسلمين بالكفار ليرى كل ذي عقل فظاعة هذا العمل والكوارث والمصائب والمآسي التي جرتها على أمتنا، كما سأبين المواقف الناصعة لبعض المتنفذين المخلصين من أمتنا ورفضهم الإستعانة بالكفار رغم شدة حاجتهم لذلك، وسأبين أيضا بعض العوامل التي تبرر لهم الاستعانة بالكفار كما يزعمون، كذلك لا بد من بيان واجب إمام المسلمين في إزالة المظالم وآلية إزالة المظالم ليكون هناك إنسجام في الدولة الإسلامية والتي تجعل دوافع الإستعانة بالكفار تكاد تكون معدومة فإليكم:

الإستعانة لغة: هي طلب العون بشتى ألوانه وصوره وقد تكون استعانة فرد بدولة أخرى أو استعانة كتلة بدولة أخرى أو استعانة دولة بدولة أخرى.

 والحكم الشرعي في هذه المسأل واضح كل الوضوح فيحرم على المسلم كفرد الاستعانة بدولة كافرة، وكذلك يحرم على الكتلة في الإسلام أن تستعين بدولة كافرة ويحرم على الدولة الإسلامية الاستعانة بدولة كافرة.

 فاستعانة المسلم الفرد بدولة كافرة حرم لأن دليل: (لا نستضيء بنار المشركين) دليل عام يشمل الفرد والكتلة والدولة، بالإضافة إلى أن الكفار عند دخولهم الدولة الإسلامية يحتاجون لأمان من الإمام، ويحرم على الإمام إعطاء هذا الأمان لأن الشرع حرم أن يلجأ الفرد والكتلة لطلب العون من دولة كافرة، وهذا ينطبق على الدولة الإسلامية فيحرم عليها طلب العون من دولة كافرة للدليل السابق ولرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستعانة بالكتيبة الكافرة الحسناء أو الخشناء رغم شدة حاجة المسلمين لذلك. إذن لم يستعن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشركين ككيان على المشركين فمن باب أولى ألا يستعين المسلمون بالكفار على المسلمين.

 أما الاستعانة بالكفار كأفراد فقد تركها الشرع للإمام كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع قزمان الذي أذن له بالقتال تحت لواء المسلمين ومنع مقاتلاً مشركاً آخر من القتال مع المسلمين طالباً منه أن يسلم ثم يقاتل مع المسلمين، هؤلاء كانوا مشركين أفراد لا لواء لهم يقاتلون تحت لواء المسلمين. كذلك يجوز للإمام الاستعانة بالأفراد الكفار كأجراء، كذلك إذا جاهد فرد كافر مع المسلمين لا يعطى من الغنائم كما يعطى المسلم وإنما يهبه الإمام أثناء توزيع الغنائم شيئاً دون أن يكون له شرطٌ في القتال مع المسلمين من أجل الغنيمة.

 والتفاصيل بشأن الاستعانة بالكفار توجد في أمهات كتب الفقه عند المسلمين فليرجع إليها من يريد التفاصيل.

أيها السادة: إنه لما يؤسف له أن عددا وافرا ممن أغواهم الشيطان من متنفذي هذه الأمة على طول تاريخ المسلمين قاموا بهذا الفعل الشنيع يوم أن ضعفت الأفهام وقل الوعي وكثر النفاق.

 وكان من حسن حظ أمتنا أن حدثت هذه الإستعانة بعد قرون وقرون من ترسخ قوى الإسلام في الأرض، ولهذا لم تكن المصائب والمآسي والكوارث التي جرتها الإستعانات على الأمة لم تكن تشكل حظراً حقيقياً على محو الإسلام من الأرض رغم محوه من بعض الأقطار كالأندلس مثلاً.

إن من أوائل من استعان بالكفار على المسلمين ابن العلقمي الذي استعان بهولاكو التتري على دولة الخلافة العباسية وقد ترتب على استعانة هذا الخائن بالتتار كوارث وكوارث شابت لها الولدان، ومن هذه الكوارث قضاء التتار على الخلافة العباسية، واحتلال مناطق واسعة من العالم الإسلامي، وإزهاق لأرواح الملايين من المسلمين، وإهلاك للحرث والنسل، وضياع إنتاج فكري هائل كانت تضمه خزائن مكتبات المسلمين في بغداد وغيرها من أمهات المدن الإسلامية.

 فماذا جنى هذا الخائن من فعلته؟ لم يجن إلا غضب الله ورسوله ولعنات المسلمين إلى يوم الدين، بل إن هولاكو سرعان ما قضى عليه شأن كل خائن يخون الله ورسوله وجماعة المسلمين.

 كذلك فإن سير ملوك الطوائف في الأندلس في استعانتهم بفرنجة الأندلس على بعضهم تزكم الأنوف وتدعوا إلى التقزز والأسى، وقد جرت استعانتهم بالفرنجة كوارث ومصائب على المسلمين لم يعرف التاريخ لها مثيلا إلا فعال هولاكو في بغداد، فلقد أدت استعانة ملوك الطوائف الخونة بالكفار إلى زوال حكم الإسلام في الأندلس، واقتلاع الإسلام من جذوره في الأندلس، وإهلاك الحرث والنسل، وإزهاق أرواح الملايين من المسلمين، وإلى فتنة المسلمين عن دينهم، وتنصر الكثيرين منهم، وإلى تعذيب وانتهاك للأعراض وتحريق للمسلمين في بيوت النار، فماذا جنى أولئك الخونة من فعالهم؟ إنهم لم يجنوا إلا غضب الله ورسوله ولعنات المسلمين إلى يوم الدين.

 كذلك كان للسعديين أمراء المغرب فيما بعد تاريخ مخز في الاستعانة بفرنجة الأندلس وأوربا على المسلمين في المغرب، لقد فعل هؤلاء الخونة منكرا عظيماً، وماذا جنوا مقابل ذلك؟ لقد كانوا يقومون باستعانتهم بالكفار طمعاً في حكم ذليل زائل، ولله در الشاعر آنذاك القائل:

أشباه مملكة في غير موضعها              كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

ولله در والدة أبي عبد الله الصغير حاكم غرناطة الذي كثيرا ما استعان بالفرنجة على عمه، لله درها عندما قرعت ابنها عندما بكى على تسليم غرناطة للفرنجة قائلة:

ابك مثل النساء ملكا مضاعاً           لم تحافظ عليه مثل الرجال

هذا في الأندلس وفي بلاد المغرب، أما بلاد المشرق فبالإضافة لخيانة ابن العلقمي الآنفة الذكر فقد كانت خيانات واستعانة بالكفار على المسلمين كثيرة.

 فقد كانت استعانة بعض الاسر الخائنة في الهند بالإنجليز على إخوانهم المسلمين سببا في نزول كوارث ومآسي للمسلمين في الهند، وقد ترتب عليها ضياع حكم الإسلام في الهند في منتصف القرن التاسع عشر ،وإهلاك للحرث والنسل.

 ولا تزال أسرة فطام حاكم ولاية حيدر آباد وأسرة الأمير عبد الله في كشمير لا تزال هذه الأسر رمزاً للخيانة والنذالة، ولا تزال يتردد الأشعار التي تلعن هؤلاء الخونة في الهند كلها.

 كذلك كان الصفوينون والقاجاريون وأسرة رضا بهلوي في إيران أمثلة سوء على استعانة هؤلاء الخونة بالإنجليز ضد الدولة العثمانية، فقد ترتب على استعانة هؤلاء الخونة بأوروبا على دولة الخلافة توقف الجهاد لفتح أوروبا، بالإضافة إلى إضعاف الدولة العثمانية، وقد أجبرت رفقاً لهم الدولة العثمانية على التحول شرقاً للقضاء على هذه الأخطار، إذ كيف تستطيع دولة الخلافة أن تجاهد في أوروبا وهي تطعن في ظهرها من هؤلاء الخونة.

 كما أن هؤلاء الخونة لم ينالوا إلا خضوعهم أذلة للإنجليز وتمكين الإنجليز من السيطرة على إيران ومناطق خليج البصرة.

 أما أسرة البوسعيدي في عمان فكانت مثالاً للحقارة والنذالة باستعانتها بالإنجليز، وقد ترتب على فعالهم الخبيثة ضياع الدولة العمانية القوية التي كان يمتد سلطانها من شرق جزيرة العرب والمحيط الهني إلى سواحل أفريقيا الشرقية.

 كذلك فقد كان إعطاؤهم موطئ قدم للإنجليز في الخليج عاملا هاما في سيطرة الإنجليز على مياه الخيلج وسواحله وترتب على ذلك تهديد الدولة العثمانية في العراق وجزيرة العرب.

 أما أسرة آل سعود وآل الصباح وآل ثاني وآل خليفة فكانوا جميعاً رمزاً للخيانة والنذالة وكانوا سبة عار على الأمة باستعانتهم بالإنجليز ضد دولتهم، وكانوا مثالاً للعمالة والنذالة في خدمة الإنجليز قاتلهم الله أنى يؤفكون.

أما محمد على باشا وأسرته في مصر ومن أتى بعدهم، فقد كانت استعانتهم بفرنسا تارة ثم ببريطانيا تارة أخرى عملاً فظيعا ترتب عليه إرهاق للدولة العثمانية ثم سقوط هذه الدولة.

 كما ترتب عليه أيضاً خضوع مصر والشام لحكم الكفر وإقامة كيان يهود فيما بعد، بالإضافة إلى تقسيم المسلمين إلى دويلات هزيلة لا تملك من مقومات السيادة شيئاً.

 وكم كان منظر أسرة المرغني في السودان مزرياً وحقيراً عندما رضيت أن تكون إحدى طلائع الجيش الإنجليزي لإحتلال السودان الذي أهلك الحرث والنسل وأذل المسلمين ذلاً عظيماً وقضى على سلطان الإسلام في السودان وبخاصة على سلطان دارفور الإسلامي بقيادة علي بن دينار.

أما الخائن الشريف حسين وأولاده وأسرته فكانوا أعظم خونة وأحقر خونة على طول تاريخ الإسلام كله، فقد اقترفت أيديهم بطلب المعونة من الإنجليز وتوليهم خدمة الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى أعظم المنكرات، التي سببت القضاء على دولة الخلافة وخضوع بلاد المسلمين للإنجليز والفرنسيين، وإقامة كيان يهود وتقسيم بلاد الملسمين وإبعاد الحكم بالإسلام عن الحكم وعن معترك الحياة.

 ولا تزال هذه الأسر سادرة في عينها ولا تزال تقدم العون لأمريكا مرة ولبريطانيا مرة وليهود مرة ثالثة. ولا تزال هذه الأسرة تقوم بخياناتها جهارا نهارا دون حياء أو خجل، ويكفيهم خيانة ونذالة قول الملك الخائن حسين لقد كان الصلح مع كيان يهود حلم آبائه وأجداده، فليهنئوا بهذا الحلم وليهنئوا  بهذا المنكر.

 فأية فظاعة أعظم من هذه الفظاعة؟ وأية خسة ونذالة أعظم من هذه الخسة والنذالة؟

 ولا ننسى في هذا المجال أيضاً خيانة قادة ثورة 23 يوليو الذين كانوا أول نظام حكم يقيم الصلح مع يهود وأول نظام حكم يتخلى عن ديار الإسلام في فلسطين وسيناء ليهود ولا يزال هؤلاء الخونة سادرون في غيهم ولا يزالون يحاولون جر سائر المسلمون وبخاصة أهل فلسطين للصلح مع يهود ولتمكين أمريكيا في العراق وغيرها.

كذلك فإن خونة منظمة التحرير لا يقلون خيانة عن غيرهم باستعانتهم بأمريكا وأوروبا والرباعية والأمم المتحدة، ولا يزالون سادرون في غيهم في تمكين يهود من فلسطين كلها ولا يزالون سادرين في غيهم بالتنازل عن القدس وضياع حقوق المسلمين في فلسطين.

 كذلك فإن خيانة من أتوا على الدبابات الأمريكية التي احتلت أفغانستان في العراق، لا تزال خياناتهم باستعانتهم بأمريكا وبغيرها من دول الكفر تزكم الأنوف.

 ولا يزال قرضاي أفغانستان وأسرة الحكيم في العراق وأسرة الصدر في العراق، ولا يزال أحمد الجلبي وإياد علاوي وطارق الهاشمي وعدنان الباجهجي، لا تزال هذه الشخصيات سادرة في غيها في خدمة أمريكيا وغيرها من دول الكفر.

 كذلك لا تزال هذه الأنظمة المحيطة بالعراق وأفغانستان كحكام باكستان وحكام بلاد الإسلام في أواسط آسيا وحكام إيران من الملالي ودويلات الضرار في الجزيرة العربية، لا تزال كل هذه الدويلات ولا تزال كل هذه الشخصيات سادرة في غيها.

 كذلك فإن أسرة آل سعو ذهبت شوطاً بعيداً في استعانتها بأمريكا وغيرها من دول الكفر ولا تزال أدراج مكاتب ملوك آل سعود مفتوحة لإخراج المشاريع تلو المشاريع التي غرضها تمكين الأمريكان والإنجليز ويهود من إحكام سيطرتهم على بلاد المسلمين بل وقد ذهب آل سعود شوطاً بعيداً في محاولاتهم الخائنة لمحو الإسلام من قلوب وعقول المسلمين في الجزيرة العربية وغيرها من بلاد المسلمين، وذلك من خلال العبث بمناهج التعليم وإفساد عقيدة المسلمين.

ولا ننسى خيانات بعض متنفذي الأكراد والأتراك والعرب، فإية خيانة أفظع من خيانة مصطفى كمال أتاتورك؟ وأية خيانة أعظم من خيانة جمعية الإتحاد والترقي والجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد وجمعية تركيا الفتاة؟ وأية خيانة أعظم من خيانة مصطفى البزاني الكردي والأمير الكردي الذي حالف الشيوعيين لإنشاء دويلة مها باد الكردية في إيران والعراق ومناطق شرق تركيا بعد الحرب العالمية الثانية؟

أيها السادة لقد أسهبت في ذكر هؤلاء العملاء وأسرهم ليكونوا عبرة لنا جميعاً ولتعرف الأمة ماذا نال هؤلاء بتعاونهم مع الكفار لم ينالوا كما قلنا إلا غضب الله ورسوله ولعنات المسلمين إلى يوم الدين ومن نال منهم حكما فقد كان صوريا زائفا لم يسمنه ولم يغنه من جوع وإنما حققوا قول الشاعر الأندلسي الذي سبق ذكره.

أبو بكر

 يتبع في حلقة ثانية إن شاء الله

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع