خاتمة الكتاب
وكذلك لا يكفي أن تعرف القضايا المحلية على ظاهرها، بل لا بد أن تدرك ما وراءها. فمثلاً حين تجد نيكسون نجح في انتخابات الرئاسة الأمريكية للمرة الأولى وللمرة الثانية، يجب أن لا تنساق مع تيار الدعاية بأن الشعب الأمريكي مع نيكسون، بل يجب أن تستعرض الأمور السابقة لترشيح نفسه، فقد سبق أن سقط أمام كيندي حين رشح لرئاسة الجمهورية، ولم ينجح حين رشح نفسه لحاكمية إحدى الولايات الأمريكية وسقط سقوطاً ذريعاً، ثم حلف أن لا يرشح نفسه بعد ذلك مطلقاً، واشتغل محامياً عند الشركات الكبرى. وهذه الشركات هي التي رشحته وهي التي عملت على إنجاحه في المرة الأولى والثانية. فإن أمريكا لا يستطيع الشعب فيها أن ينصب الرئيس الذي يريد، بل أصحاب الأموال الضخمة والرأسماليون هم الذين ينصبون الرئيس وكيلاً عنهم من أجل تشغيل أموالهم.
ومثلاً حين يرى حزب العمال في إنجلترا يهاجم حزب المحافظين الحاكم لقبوله شروطاً مجحفة لدخوله السوق الأوروبية المشتركة، فإنه لا يصح أن يظن أن هذا صراع سياسي محلي على الحكم بين حزبين، ولا هو غيرة على مصلحة الإنجليز، وإنما هو إيجاد خط رجعة لإنجلترا فيما لو لم تستطع تحقيق أهدافها من السوق الأوروبية المشتركة.
ومثلاً حين يرى أن رومانيا تحاول أن تتصرف تصرفاً استقلالياً، وأنها تعمل للانعتاق من سيطرة روسيا، ومن التعامل مع أمريكا، فإنه لا يصح أن تظن أن هذا هو الواقع، بل يجب أن تعلم أن هذا تحريك من روسيا لرومانيا، بموافقة أمريكا، من أجل أن تلعب دوراً رئيسياً في العلاقات بين الصين وروسيا، وبين الصين وأمريكا.
وكذلك فإنه لا بد أن تميز القضايا الفرعية من القضايا الأصلية، وأن تفرق بين القضايا الاقتصادية البحتة والقضايا النقدية البحتة وبين القضايا الاقتصادية السياسية، والقضايا النقدية السياسية، سواء من حيث الدافع أو من حيث الهدف أو من حيث نفس الأعمال الاقتصادية والأعمال المادية.
وجملة القول لا بد أن تثقف الأمة تثقيفاً سياسياً، وأن تزود بالمعرفة الصحيحة بالأسس والتفاصيل، فإنها هي التي تقوم بالأعمال السياسية، سواء في عمليات التحرير أو في حمل الدعوة الإسلامية.
|