بداية الكتاب
الشخصية في كل إنسان تتألف من عقليته ونفسيته، ولا دخل لشكله ولا جسمه ولا هندامه ولا غير ذلك، فكلها قشور، ومن السطحية أن يظن أحد أنها عامل من عوامل الشخصية أو تؤثر في الشخصية.
والعقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقل الأشياء أي إصدار الحكم عليها وفق قاعدة معينة يؤمن بها الإنسان ويطمئن إليها. فإذا كان عقله للأشياء بإصدار الأحكام عليها بناء على العقيدة الإسلامية كانت عقليته إسلامية، وإن لم تكن كذلك كانت عقليته شيئاً آخر.
والنفسية هي الكيفية التي يجري عليها إشباع الغرائز والحاجات العضوية أي القيام بعملية الإشباع وفق قاعدة يؤمن بها الإنسان ويطمئن إليها، فإذا كان إشباع غرائزه وحاجاته العضوية يتم بناء على العقيدة الإسلامية كانت نفسيته إسلامية، وإن لم يكن الإشباع كذلك كانت نفسيته شيئاً آخر.
وإذا كانت القاعدة للعقلية والنفسية واحدة عند إنسان ما، كانت شخصيته متميزة منضبطة. فإذا كانت العقيدة الإسلامية هي الأساس لعقليته ونفسيته كانت شخصيته إسلامية، وإن لم تكن كذلك كانت شخصيته شيئاً آخر.
وعليه فلا يكفي أن تكون العقلية إسلامية، يُصدر صاحبها الأحكام على الأشياء والأفعال إصداراً صحيحاً حسب أحكام الشرع، فيستنبط الأحكام ويعرف الحلال والحرام، ويكون ناضجاً في وعيه وفكره، يقول قولاً قوياً بليغاً، ويحلِّل الأحداث تحليلاً سليماً، لا يكفي ذلك إلا أن تكون نفسيته نفسية إسلامية كذلك فيشبع غرائزه وحاجاته العضوية إشباعاً على أساس الإسلام، يصلي ويصوم ويزكي ويحج، ويأتي الحلال ويجتنب الحرام، ويكون حيث يحب الله له أن يكون، ويتقرب إليه سبحانه بما افترضه عليه ويحرص على فعل النوافل فيزداد قرباً من الله سبحانه. ويتخذ من المواقف تجاه الأحداث، المواقف الصادقة المخلصة، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحب في الله ويبغض في الله، ويخالق الناس بخلق حسن.
وكذلك لا يكفي أن تكون نفسيته إسلامية وعقليته ليست كذلك، فعبادة الله على جهل قد ينحرف بها صاحبها عن الخط المستقيم، فقد يصوم في يوم حرام، ويصلي حيث تكره الصلاة، ويحوقل أمام مرتكب منكر يراه، بدل أن ينكر عليه وينهاه. وقد يتعامل بالربا ويتصدق بهذا الربا تقرباً إلى الله بزعمه في الوقت الذي يكون بذلك قد غاص في مستنقع إثمه. أي أنه قد يسيء وهو يظن أنه يحسن صنعاً، فيكون إشباعه لغرائزه وحاجاته العضوية على غير ما أمر الله به سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الأمر لا يستقيم إلا إذا كانت عقلية المرء إسلامية، عالماً بما يلزمه من أحكام، مستزيداً من علوم الشرع ما وسعه ذلك، وفي الوقت نفسه تكون نفسيته إسلامية فيكون قائماً بأحكام الشرع، لا أن يعلمها فقط، بل يطبقها في كل أمره، مع خالقه، ومع نفسه، ومع غيره، على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه.
فإذا انضبطت عقليته ونفسيته بالإسلام كان شخصية إسلامية تشق طريقها إلى الخير وسط الزحام، لا تخشى في الله لومة لائم.
وهذا لا يعني عدم وجود ثغرات في السلوك، لكنها لا تؤثر في الشخصية ما دامت استثناء لا أصلاً، وذلك لأن الإنسان ليس ملاكاً بل هو يخطئ ويستغفر ويتوب، ويصيب ويحمد الله على منّه وفضله وهُداه.
وكلما استزاد المسلم من الثقافة الإسلامية لتنمية عقليته، وكلما استزاد من الطاعات لتقوية نفسيته كلما سار نحو المرتقى السامي وثبت على هذا المرتقى بل اعتلى من علي إلى أعلى. وفي هذه الحالة يستولي على الحياة بحقها، وينال الآخرة بسعيه لها وهو مؤمن، ويكون حليف محراب وفي الوقت نفسه بطل جهاد، أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى، خالقه وبارئه.
|