الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أثر غياب الخلافة في حياة المرأة المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أثر غياب الخلافة في حياة المرأة المسلمة

 

 

الحمدُ لله الذي منَّ على عِباده المؤمنين، إذ بعثَ فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آياتِه ويُزكِّيهم، ويُعلمهمُ الكتابَ والحكمة، وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين. أحييكنَّ بتحيةِ الإسلام، وأبلّغُكنَّ سلامَ أهلِ بلادِ الشام أرضِ الرباطِ والحق، أرضٌ خرج منها أبطالٌ عظماء فتحوا الفتوحَ وحققوا الانتصاراتِ الباهرة، أرضٌ جعل الله فيها الخيريَّةَ إلى يومِ الدين. فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته:


نحنُ خيرُ أمةٍ أُخرجَت للناسِ أقامَ لها رسولُها الكريمُ دولَتَها وكِيانَها الذي حملَ الإسلامَ رحمةً للعالمين، وقد وصلت نعمةُ هذا الدينِ إلى ديارِكُم هذه لتنعمَ البشريةُ بالأمانِ والعدلِ والاستقرار، إذ لم تعرف الإنسانيةُ معنىً للقيمِ الحقيقيةِ إلاّ في ظلِّ دولةِ الإسلام دولةِ الخلافةِ الراشدة، وأنتم على ذلك منَ الشاهدين.


أخواتي الكريمات: إنه لواقعٌ مأساويٌ تعيشُه الأمةُ الإسلاميةُ في كلِّ مكانٍ وَبقعة. فمنذُ سقوطِ دولةِ الخلافةِ والنَّكَباتُ تَتَوالى على الأمة، فهذه أرضُ الإسراءِ والمعراجِ يدنِّسُها يهودُ ويسومون أهلَها سوءَ العذاب وهذه سوريا التي أصبحت ساحةَ حربٍ تُرتكبُ المجازرُ فيها دونَ عقاب، وهذه اليمنُ والعراقُ وليبيا حيث تتقاذفُها الصراعاتُ المذهبيَّةُ لنصلَ إلى بورما حيث أخوةٌ لنا من الروهينجا، فبالإضافةِ إلى تقتيلِهم وحرقْهِم أحياءً، وتذبيحِهم وتهجيرِهم قسراً عن بلادِهم وعدمِ اعترافِ الحكومةِ البورميَّةِ بهم، فهم يواجهونَ المخاطرَ وتضيقُ بهمُ السُّبُلُ عندما أقفلتِ الدولُ المجاورةُ الأبوابَ لاستقبالهم حتى كمهَجَّرين، بل حتى أبوابَ المساعداتِ الإنسانيةِ استكثَروها عليهم.


كلُّ ذلكَ لأنَّ البلادَ الإسلاميةَ قد تقطَّعت أوصالُها حتّى أصبحَ كلٌّ بما لديهِم فرحون، وأصبحت لقمةً سائغةً للغربِ الكافرِ يتنَاوبُ عليها بأطماعِه وهيمَنَتِه حتى لا تقوم لنا قائمةٌ وليردُّونا عن دينِنا إنِ استطاعوا ولن يجِدُوا إلى ذلكَ سبيلاً إن شاءَ اللهُ رغم شَّدةِ كيدِهم وتآمُرِهم علينا.


أريدُ أن أسلِّطَ في كلمتي هذه الضوء على جزءٍ يسيرٍ من مُعاناةِ الأمةِ في بلادِ الشام، وأرسمَ في مخيِّلتِكم صوراً لفظاعَةِ ما تَتَكبَّدُه نساءُ وأطفالُ سوريا جراءَ آلةِ الحربِ الهمجيةِ التي لم يَسْلمْ منها طفلٌ رضيعٌ ولا امرأةٌ مسنةٌ ولا شيخٌ كبير. تنوعت أشكالُ قتلهِم بينَ قصفٍ وتفجيرٍ وإطلاقِ نارٍ وذبحٍ وخنقٍ بسلاحٍ كيميائي.


أخواتي الكريمات: بدأت أولى لحظاتِ البؤسِ عندما قام شبابٌ تحدّوا نظامَهمُ البَعثيِّ وكتبوا على الجدرانِ عباراتٍ تهزُّ عرشَهُ ودكتاتورِيَّتَه، صِبيةٌ أبوا الذلَّ والهوانَ واستشعَروا الحريَّةَ بثوْراتِ غيرِهم وعاشوا لحظاتِها في أعينِ مِصرَ وتونِس اللتين سبقنَهم لكسرِ عُروشِ الطَّواغيت، سمعوا أصواتاً ذكَّرتهم بأصواتِهمُ المخنوقةِ المكبوتة، كانوا شرارةً لتعلو الأصواتُ صدَّاحةً (ما لنا غيرُك يا الله) في أجواءِ سوريا الشامِ وفي أزِقَّتِها وبين حواريها الشاميةِ القديمةِ المُشيَّدة في زمنِ البطولاتِ والأمجادِ التاريخية. لتبدأَ القصةُ بصُورِها الممزوجَةِ بدماءِ الشهداءِ وآهاتِ الثكالى واليتامى، وبعشرات المجازر التي ذهبَ ضحيتَّها المئاتُ منَ المدنّيينَ جُلُّهم منَ الأطفالِ والنساءِ كمجزرة الحولة إذ كانَ من بين ضحاياها اثنان وثلاثون طفلاً تحتَ سنِّ العاشرة، ومجزرةِ بانياس التي لا يقلُّ ضحاياها عن مائة وخمسينَ شخصاً بينهم أطفالٌ ونساءٌ قُتلوا خلالَ أيام رمياً بالقذائفِ والرصاص، وحتى ذبحاً وحرقاً. فقد أكدت كلُّ التقاريرِ الصادرةِ أنَّ كلَّ حوادثِ القتلِ التي ارتكبَها النظامُ الظالمُ كانت جماعيةً ومُتعمَّدة.


لم تقتصرْ معاناةُ المرأةِ في سوريا على القتلِ والإعدام، بل سطَّرت التضحياتِ العظيمة،َ فهي أمُّ الشهيدِ وأختُ الشهيدِ وزوجةُ الشهيد. بالإضافةِ إلى العديدِ مِمَّن تمَّ اعتقالُهنَّ واغتصابُهنَّ في مسعًى بائسٍ لقهرِهنَّ ودفعِهِنَّ إلى الاستسلامِ وتشجيعِ الثوارِ على التراجعِ والتقهقر. وزِدْنَ على ذلك فقدانَها المسكنَ واضطرارَها للنزوحِ من مكانٍ لآخر، أو اضطرارَها لسكَنِ المخيماتِ وركوبِ أمواجِ البحرِ في طريقِ هجرةٍ غيرِ شرعيةٍ إلى بلدانٍ نشدت فيها الأمانَ والعيشَ الكريمَ هي وأطفالُها بعد أن فقدتِ المُعيلَ الذي تمَّ قتلُه أو اعتقالُه في سُجونِ الذلِّ والتعذيب.


أربع سنواتٍ مرَّت وأطفالُ سوريا يوأَدون تحتَ الركام، وشبحُ الموتِ يتربَّصُ بأرواحهمُ البريئةِ في كلِّ ثانية، لقد تضاءلتِ الصورةُ الجميلةُ في مخيِّلتِهم بعد أن احتلَّتها أبشعُ الصورِ بسببِ صراعٍ جعلهم إمّا عالقينَ ينتظرونَ أن يَلقوْا حتفَهم بالبراميلِ المتفجرةِ التي تسقطُ على منازلِهم، وإمّا مهجَّرينَ في مواطنِهم الجديدةِ التي تفتقرُ إلى أبسطِ مقوِّماتِ الحياة، فأعدادٌ كبيرةٌ منهم تموتُ يوميا ضحيةَ انعدامِ الغذاءِ والماءِ وغيابِ الرعايةِ الصحيةِ اللازمة. ولن ننسى هؤلاء الرُّضعَ الذين ماتوا من شدةِ البردِ عندَ أولِ عاصفةٍ ثلجيةٍ ضربت دولاً عدة من منطقةِ الشام وأزالت معها ورقةَ توتٍ كان حكامُنا حكام الضِّرارُ يظنونَ أنها ساترةٌ لعَوارِهم، ولكنهم افتُضحوا وبانوا على حقيقتهم بأنَّهم ما كانوا يوماً ملاذاً لطفلٍ رضيع أو لامرأةٍ أرملةٍ أو لشيخٍ يذرفُ دموعَ القهرِ لحالِ أولادِه وأحفادِه.


أربع سنوات والعالم شاهد على المجازر والمذابح والتعذيب في سجون النظام الغاشم.. شاهد على أرقام تتزايد في كل لحظة.


أيتها الأخوات: لقد بتنا نسمع أصوات الأنات والآهات تملأ أرجاء معظم البلاد الإسلامية وتصل إلينا عبر الأثير لا لنبكي عليها رغم الحرقة والغصة على مشاهد تدمي القلوب وتسيل العبرات الحارقة على ما أصابنا بل لنعمل ساعين جادين للتغيير، فمعاناة الأمة تتكرر ليس فقط في البلاد التي عاثت فيها آلة الحرب فسادا وظلما للعباد كما في العراق واليمن وليبيا بل في بلاد انتهجت سياسة التطهير العرقي نتيجة للحقد الدفين على الإسلام والمسلمين. فقتل يهود لأطفال غزة الذي بلغ ذروته في الحرب الأخيرة إذ راح ضحيتها ما يقارب 538 طفلا وجرح أكثر من 3 آلاف آخرين، وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تأثر مليونان و300 ألف طفل نتيجة النزاعات المسلحة، كما تسببت الحرب هناك عام 2014، في تجنيد نحو 10 آلاف طفل، في حين تعرض أكثر من 430 طفلا للقتل والتشويه، بزيادة 3 أضعاف ما كان عليه الوضع عام 2013، وأما في العراق فإن أكثر من مليونين و700 ألف طفل تضرروا من جراء الاضطرابات الأمنية في حين قتل وأصيب 700 ألف طفل في سوريا والعراق خلال العام الجاري، والتضييق على مسلمي الصين (تركستان الشرقية) وسجون طاغية أوزبيكستان المليئة بالمسلمين ولا ننسى معاناة أكثر من 25 ألف رجل وامرأة وطفل مسلم من الروهينجا وهم عالقون في البحر يحاولون الفرار من جحيم الاضطهاد والعنصرية والقتل في بورما، كل ذلك شاهد ودليل صارخ على أحقاد الغرب الكافر.


أخواتي الكريمات: إن ما يجري في البلاد الإسلامية من مآس ومصائب ليس ببعيد عن حكام بلغ طغيانهم الممزوج بالحقد مبلغاً باتت معه كرامة الإنسان مفردة لا وجود لها في قاموس ممارساتهم السياسية، بل بات تعزيز الخضوع والرضا بالمهانة والاستكانة والذل شرطا أساسيا، بل ركيزة من الركائز التي تقوم عليها مصالح هؤلاء الحكام الظلمة. لقد زادوا الشرخ بين أمة الإسلام الواحدة وساعدوا على إيقاظ نار الفتنة بينهم بل حتى أثاروا روح الوطنية في نفوس رعاياهم تُجاه إخوة لهم لجأوا إليهم ضعفاء مكسورين، فجعلوهم وكأنهم عالة عليهم أو هم من يضيقون عليهم رزقهم. وما زاد الطين بلة عندما زرعوا في عقول الناس أن الفساد والإرهاب والتطرف يخرج من بين هؤلاء المهجرين وأن تجمعهم يُعدُّ خطرا على السلم الأهلي لذلك عمدت بعض الدول إلى عدم استقبال المهجرين أو بوضع الأسلاك الشائكة حول مخيماتهم منعا من اندماجهم مع الرعايا الأصليين وكأنهم وباء يجب حصره ومنعه من الانتشار للحد من أعراضه المميتة!! أفلا تعلمون أيها الحكام أن حساب الله عسير وأن أيام العمر تمضي مسرعة؟ فارجعوا إلى دينكم الذي تدَّعون الإيمان به والانتساب إليه وما أحوجكم أيها الظلمة إلى الاتعاظ فمهما طالت فترة حكمكم فهي قصيرة مقابل عمر الأمة العظيم.


حكام هم دمى عند دول مستعمرة وعلى رأسها أمريكا التي لجأت لإخفاء أهدافها الحقيقية، إذ إنها تتوارى خلف مفاهيم ومصطلحات براقة، في ظاهرها الرحمة أما باطنها فمن قبلها العذاب. نعم فأمريكا ليست حريصة على مصلحة المسلمين إطلاقاً، ولسان الحال يغني عن المقال، فما فعلته وتفعله آلتها العسكرية في العراق وأفغانستان أوضح شاهد على ذلك، هذا غير الاستعمار الاقتصادي لخيرات المنطقة وعلى رأسها النفط، وكذلك دعمها اللامحدود لكيان يهود الغاصب لفلسطين.


فأمريكا، لكي تمرر مشاريعها الاستعمارية التي لا سقف لها تقف عنده، كان لا بد أن تظهر بمظهر الحريص المتباكي على تردي أحوال وأوضاع المنطقة الإسلامية سياسياً واقتصادياً، فأخذت تطلق شعارات براقة مثل أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية أو حوار الأديان بالإضافة إلى متابعة ملفات حقوق الإنسان ووضع التقارير المتلاحقة لتظهر أنها دؤوبة على متابعة معاناتنا، بالإضافة إلى جملة التصريحات والمواقف الإنسانية الزائفة والخاصة بالمبدأ الرأسمالي القائم على المادية النفعية البحتة، الذي لا يقيم وزناً لعرف أو دين أو خلُق أو مُثل، بل الأساس هو فصل الدين عن الحياة.


أخواتي الكريمات: إن هذا الواقع الذي يعيشه المسلمون، هو واقع غير طبيعي، ولا يرضى عنه الله ولا رسوله، وهو بحاجة إلى تغييرٍ بأسرع وقت ممكن حتى تعيش الأمة الإسلامية الحياة الكريمة اللائقة التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لها، وحتى تعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، تطبق الإسلام وتحمل خيره وهدايته إلى البشرية جمعاء، فيُشرق نوره في ربوع العالم.


وقريباً إن شاء الله تعالى ستسفر جهود المخلصين عن قيام دولة إسلامية تحكم بما أنزل الله، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي ستباشر مهامّها فوراً في تحرير الأمة من الهيمنة الغربية، وفي إعلان الجهاد لتحرير فلسطين وباقي البلاد الإسلامية المحتلة، وصولاً إلى حمل الإسلام رسالة إلى العالم تحت راية رسول الله ﷺ. فتزول الحدود السياسية الملعونة التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو وأخواتها من مؤامرات الاستعمار، وتعود الأمة أمة واحدة، فتواجه باجتماعها ووحدتها المارد الأمريكي والعملاق الأوروبي الاتحادي، فالمسلمون كما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام: «أمة واحدة من دون الناس».


اللهم مُنّ علينا بهذا النصر المبين، وبشرنا بهذا الخير العظيم، اللهم ووحد المسلمين تحت راية خليفة راشد يعيد لهم شرفهم وعزتهم. اللهم هيِّئ لنا أهل نصرة ينصروا دينك كما هيأت لرسولك الكريم الأوس والخزرج. اللهم وعجِّل لنا بالفرج، ومكن للمسلمين في الأرض، إنك القادر على كل شيء إنك يا مولانا سميع مجيب، وأنت ناصر المؤمنين والمستضعفين، وإنك على كل شيء قدير.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 أم عبد الله
عضو القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع