- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ولن يستطيعوا يوماً أن يحفظوا للمرأة كرامتها!
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
ورد في فهرس الفهارس لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني:
لمجموعتي هذي بستر قبائحي.. جزى الله خيراً كلَّ من كان ناظراً
فهذا الذي أرجوه من كلِّ ناصحِ.. وأصلح ما فيه من العيب كلِّه..
وهكذا فكلُّ كتابٍ يبدأ بالاعتذار عن النقص والخلل الذي فيه، إلا كتاب الله سبحانه فإنه يبدأ بـ﴿ذَلِكَ ٱلْكِتَـٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]. وقد سبق من الله سبحانه التحدِّي للبشر بأن يأتوا بمثل هذا الكتاب أو حتى بآية واحدة منه فكان جوابهم العجز والفشل وسيظل هذا هو الجواب الأوحد ما دام الله هو الخالق الأوحد وهو ربُّ الكون ومن فيه لا إله إلا هو.
فالإسلام وهو خاتم التشريعات السماوية وناسخ ما قبله حجة الله على البشر، هو وحده الذي فيه سبيل سعادتهم ونجاتهم، وهو وحده الذي بتطبيقه كلِّه يكفل معالجة مشاكلهم وتنظيم شؤون معاشهم. وقد أثبتت السنوات الطوال منذ بعثة رسول الله ﷺ حتى يومنا هذا أنَّ أي تشريع وضعيٍ أو مبدأ آخر لاقت جميعها فشلاً ذريعاً في معالجة مشاكل البشرية وتنظيم شؤونها، بل إنَّها لم تنتج سوى القهر والإذلال والمهانة للإنسان، وأضاعت البشرية وانحطَّت بالقيمة الإنسانية لأحط الدركات فعبَّدته البقر والأصنام والبشر في أفضل الأحوال!
ولم تكن المرأة بطبيعة الحال بمعزل عن هذه الإهانات وهذا الانحطاط، وليس بخافٍ نبذها أو اعتبارها شيطانة وحيوانة وبلا روح في مختلف المعتقدات والأديان، وحتى التشريعات الوضعية الحديثة في المبدأ الرأسمالي فلم تكرِّم المرأة ولا ردَّت لها اعتبارها المفقود بل زادت الطين بِلَّة بما سببَّته من فقر وفساد اقتصادي جعل المرأة تذوق الويلات وتضطر للعمل ليل نهار في تعب وشقاء، وفساد اجتماعي جعلها سلعة للعرض أو أداة للمتعة، وفساد سياسي في المنظومات التشريعية التي عجزت عن معالجة هذه المشاكل فسلكت بدلاً من ذلك سبيل الانحطاط بالفكر البشري، وتطبيع السلوك الإنساني على النقائص والعيوب، وتربية النفس البشرية على الذلة والمهانة بجعلهما الواقع الطبيعي وما سواه خارج عن المألوف، فهي بذلك كالجلَّاد يحبس ضحيتَّه في أقبية السجون المعتمة سنوات طوال حتى يَظُّنَّ السجناء أن لا شمس ولا هواء ولا ضياء، فلا حياة إلا تحت الأرض وسط الظلام! وهنا تحضر للذاكرة الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، العميلة للمخابرات الأمريكية التي جدَّت واجتهدت في أداء دورها على الصعيدين: كبت الأفواه المخلصة المنادية بالتحرر والانعتاق من المبادئ الوضعية والاحتكام لشريعة الرحمن، وتطبيق النظم الغربية الغريبة عن عقيدة الأمة وفكرها لتمييع المفاهيم الراقية عن نظام الحياة والكون وتنظيم عيش المجتمعات تنظيماً سوياً يضمن حياة كريمة للمجتمع كلِّه بنسائه ورجاله حيث يتوجب أن يعيشوا جنباً إلى جنب حياة رحمة ومودة وتعاون على بناء المجتمعات.
ما يُذكِّر بهذا الحديث هو الجدل القديم الجديد حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتبنّيها كاتفاقية ملزمة للدول التي تصادق عليها كمرجع عالميٍّ لتقييم أوضاع النساء في هذه الدول من نظرة غربية تنظر للمرأة والرجل بل على أساس المساواة المطلقة غافلين عن الفروق الطبيعية بينهما وعن دور كل منهما، لا على أساس أنهما إنسانان لكل منهما دوره وواجباته وطبيعته. حيث تناقض هذه الاتفاقية الشريعة الغراء مناقضة تامَّة في الأصل والفصول كلِّها وإن أظهر البعض توافقاً ظاهرياً تحت مسمَّى حماية المرأة والمحافظة عليها وحمايتها من العنف والتمييز الممارس ضدِّها في ظل أنظمة قمعية تحتكم أساساً لتشريعاتٍ وضعية!
والشيء بالشيء يُذكر فهذه الحكومات التي تطبق أنظمة علمانية بحتة، سبَّبت للمرأة الظلم والإهانة المتكررة وانتهاك الكرامة، هي التي تدعو بكل صفاقة لتطبيق هذه الاتفاقية بل وترعاها وتصادق عليها في حين ترفضها الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتذر لشعوبها المسلمة بـ"التحفظ" على بعض المواد المخالفة للشريعة، الأمر الذي يؤكد حين تربطه الجماهير المسلمة بمادة 2 من دساتير بلادنا الممزقة: "الديانة الإسلامية هي الديانة الرسمية للدولة" بواقع هذه الحكومات الهزلية التي تتستر بستار ممزق يفضح سوأتها، ويكشف اجتهادها في تمرير المفاهيم الغربية وتكريس الدساتير الوضعية لخدمة الأجندة الغربية في بلادنا، لتمييع مفاهيم العِرض، والكرامة والحرمات. فتبقى نساء المسلمين في المعاناة ويتدرَّج الحكام في تطبيق أنظمة الكفر بذريعة الواقع السيئ، كمن علَّق جزرة في رقبة حصانه فظلَّ يلهث خلفها في دوامَّة لا تنتهي لا تنتج إلا مزيدَ جوعٍ لهذا المسكين بينما ينظر السفهاء للراعي الخبيث أنَّه يعمل لإشباع حصانه!
فعلى سبيل المثال لا الحصر أوردت وكالة أخبار المرأة ما نصه "من المنتظر أن يضع المغرب على مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وثيقة انضمامه النهائي للبروتوكولين الاختياريين لاتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، بعد أن صوت أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمون بالخارج بمجلس النواب، بالإجماع على هاتين المعاهدتين". وكانت عضوتا مجلس الشورى السعودي ثريا عبيد ولطيفة الشعلان، إضافة إلى فريدة بناني، قد عملن في ورش عمل ضمن استعدادات هيئة حقوق الإنسان السعودية لتوضيح الصورة الحقيقية لاتفاق «سيداو»، بحسب ما كتبت «الحياة» في عددها الصادر في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2014، وشرحن ما تضمنه الاتفاق من بنود وتحفظات عليه لـ25 ممثلاً لجهات حكومية سعودية. وكان جمال علوي من الأردن قد كتب في جريدة الرأي الأردنية في 14 أيار/مايو المنصرم ما نبَّه لموقف الحكومة الداعم لهذه الاتفاقية المشينة بل قمع كل من يرفضها قائلاً: "انتقاد «سيداو» قد يصبح خطا أحمر، وقد يصبح من الممنوعات في عرف وزارة التنمية الاجتماعية، التي هي موفقة جدا في متابعة المهام المسندة لها ولا تقصير لديها في أي بند يذكر حاش لله وتجد من الوقت الكافي لممارسة رغبات المنع والسماح الكثير.!"..
هذه المواقف من هذه الحكومات ليست حكراً عليها، وليس الأمر يقف عند حدود سيداو فقط، فهم يبحثون ليل نهار عن لقاطِ الأمم من تشريعات ومبادئ متغافلين عن كتاب الله سبحانه ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌۭ وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًۭا﴾ [الإسراء: 82] وقوله ﴿أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 125].
فالإسلام وحده بمنظومته التشريعية المتكاملة كفيل بإسعاد المرأة وتنظيم حياتها مع الرجل أباً وأخاً وزوجاً وابناً بل ورجالاً أجانب حياةً هانئة مطمئنة تُحفظ فيها كرامتها، ويُصان فيها عِرضها، وتُعطى فيها حقوقها المالية والاجتماعية والسياسية كاملة بدءاً بحقها في النفقة ورعاية أطفالها وحضانتهم، لحقها في العمل بما يرافقه من تنظيم يضمن حمايتها من الاستغلال أو الإساءة ويسهل عليها تنقلها وسفرها بحماية ورعاية كواجب على الدولة لا مِنَّة، وحقِّها في المشاركة في المناصب العليا في الدولة كمتحدثة باسمها وناطقة رسمية تمثلها في الخارج وغيرها من المناصب الإدارية في مؤسسات الدولة المختلفة، إضافة إلى أن محاسبة الحكام مضمونة دون تعرضها للخطر أو الملاحقة بل هي واجب عليها تؤجر عليها إن قامت بها كما الرجل سواء بسواء، وتُعطى حقَّها في الميراث ونفقتها ومهرها لها خالصاً دون أن يغصبه منها أحدٌ والدولة تضمن لها ذلك، إذ تستطيع التظلُّم للقضاء الكفيل بإنصافها وسجلات الأرشيف التابع للخلافة العثمانية ومحاكمها شاهد لا يزال ماثلاً على إنصاف الخلافة الإسلامية للمرأة وحمايتها لحقوق النساء. وهذا غيض من فيض.
أجل أيها الكرام: وحده الإسلام من يستطيع حماية المرأة وضمان كافِّة حقوقها بشكل فعليٍّ واقعيٍّ، أما باقي المبادئ فلم تقدِّم لنا إلا الاتفاقيات المجحفة التي تتستر بأسترة واهية تقع صريعة الواقع الذي يثبت ضنك النساء ومعاناتهن، وبضع نساءٍ ممن ارتقين المناصب العليا في بعض الدول مقابل ألوف مؤلفة من الفقيرات والتعيسات والأرامل والمشردات اللاتي لا يجدن من ينجدهن.
وختاماً فإني أزف البشرى لنساء الأرض بقرب الفرج وانبلاج الصبح بعد هذا الليل الطويل حيث شمس الخلافة قد أشرقت وبان ضياؤها لتنعم نساء المعمورة وخاصة المسلمات بالأمن والأمان في ظل شريعة الرحمن قولاً نافذاً وعداً حقاً لن يتخلف بإذن الله.
فهل لهذا الخير من طامعين فيشمروا عن سواعدهم لاستقباله، وفتح الباب الموصد له بنصرة حملة الدعوة؟؟
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعًظَة مًّن رَّبًّكُمْ وَشًفَاء لًّمَا فًي الصُّدُورً وَهُدًى وَرَحْمَة لًّلْمُؤْمًنًينَ قُلْ بًفَضْلً اللّهً وَبًرَحْمَتًهً فَبًذَلًكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْر مًّمَّا يَجْمَعُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال