- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن من نرسم الطريق لغيرنا ولا نسير في طريق رسمه غيرنا..
إن التقليد الأعمى منتشر في عالمنا الإسلامي ومنه العربي، تقليد بدون تفكير ولا تأمل ولا إدراك ولا وعي. فعلى سبيل المثال خلال تصفحي لحسابي على الفيس بوك قبل أيام قليلة، فوجئت بتعديل على الصورة الشخصية لإحدى المضافات عندي في قائمة الأصدقاء حيث كانت ملونة بما يشبه ألوان الطيف، وفوجئت بل صعقني أكثر التعليقات التي امتدحت الصورة الجديدة! فإن صاحبة الصورة ومن علّقن عليها هن من اللواتي يعتبرهن المجتمع نساء فاعلات عاملات مؤثرات! وقبل أن يتساءل أحد ما معنى ما أقوله فإن هذه الألوان تمثل علم المثليين (الشواذ)، حيث أطلق موقع "فيسبوك" تعديلا جديدا للصورة الشخصية (البروفايل) بإضافة فلتر بألوان هذا العلم احتفالا بإقرار قانون السماح بزواج الشواذ في جميع أنحاء الولايات المتحدة!! فلم تفكر من عدلت صورتها أو من أعجبت بذلك معنى هذا التغيير ومدلولاته القذرة، بل نفذته وفرحت به جاهلة بمعناه!
لن أخوض هنا في دلائل وتداعيات إضفاء الشرعية لهذا الشذوذ والترحيب به من قبل أوباما وشخصيات أخرى منها شخصيات فنية ورياضية يعتبرها الشباب قدوة ومثالا يحتذى!! ولكن هذا الأمر المحزن بل المخزي جعلني أفكر بكمّ السطحية والضحالة في التفكير عند جزء كبير من أفراد هذه الأمة.. بكمّ الإغراق في التقليد الأعمى بدون تفكير ولو للحظة! بكمّ التغريب الذي نعيش فيه شئنا أم أبينا! إن كانت مثل هؤلاء النساء "المتعلمات المثقفات" قلدن فورا بدون معرفة ما وراء هذا التغيير أو معناه فما بال من يقولون عنهم جهلة!!
إن ما نعيشه هو واقع متصور لحديث رسول الله ﷺ: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم» قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟».. نعم.. إن الهجمة الشرسة على الإسلام وأحكامه جعل هذا الحديث واقعا متمثلا في اتباع الغرب وتقليدهم، أولها وأهمها في السياسة المبنية على العلمانية والرأسمالية.. وأيضا في العديد من السلوكيات والمفاهيم والأفكار.. في المناهج والمعاملات والأنشطة.. فكانت النتيجة نسخة ممسوخة عن تلك الأفكار والمفاهيم والسلوكيات الغربية البعيدة عن الإسلام..
ننظر حولنا، نرى الطرقات مليئة بالشباب منهم أصحاب تسريحات الشعر الغريبة ومنها ما يناقض الشرع مثل "القزع" التي هي حلق بعض الرأس وترك بعضه والذي نهى عنه النبي ﷺ، ولكننا نرى حتى الآباء يريدونها لأطفالهم حتى يكونوا مثل غيرهم! وعدد كبير منهم يقلدون قصات شعر فنانين أو رياضيين ممن يتخذونهم قدوة لهم في حياتهم بحيث يقلدون حتى حركاتهم وأسلوب كلامهم.. وكذلك قصات اللحية الشاذة والغريبة.
يلحق ذلك الملابس مثل "إنزال البنطال" وهي موضة مستوردة من الغرب ابتدعها مصمم أزياء أوروبي معروف صاحبه بالشذوذ الجنسي وهي موضة منتشرة جدا بين الشباب والبنات من دون أن يعرفوا معناها، وحتى لو عرفوا معناها فعدد منهم يصر على لبسها كنوع من التقليد الغبي! ولا ننسى هنا الصور والعبارات التي تكون مكتوبة على بعض قطع الملابس بدون النظر إلى معانيها أو إيحاءاتها أو مدلولاتها التي أحيانا تكون سيئة ومسيئة.. أما الفتيات فحدّث ولا حرج، حيث ظننّ أن البعد عن اللباس الشرعي الإسلامي هو تقدم ورقيّ مثل الغرب البعيد عن القيم والدين فلبسن الملابس التي تفضح أكثر ما تستر. وحتى الجلباب لا بد أن يواكب الموضة وكذلك الخمار فظهر "الحجاب الستايل" فمنه تصميمات مختلفة منها التركي والإسباني والخليجي!! وغير ذلك. وتقف وراء كل هذا الهوس "بالموضة والتقليد" شركات رأسمالية تبحث عن كل غريب لتحويله لسلعة تصدرها لنا فتدر عليها الملايين بمساندة الإعلام بدعاياته الاستهلاكية الجاذبة التي تعتمد على الاهتمام بالشكل الخارجي والتقليد الأعمى لترسيخ ثقافة استهلاكية مهووسة بالجديد حتى ولو كان يجافي الذوق ويخالف الدين والقيم والتقاليد. ناهيكم عن لبس بعض الحلي للشباب تقليدا للفنانين والرياضيين العالميين، وكذلك في أسلوب كلامهم ومشيتهم وحركاتهم.
وإن عرجنا على ما تبثه الفضائيات بمختلف برامجها خاصة المسلسلات والأفلام سواء أكانت مصرية أو سورية أو خليجية أو تركية أو أجنبية، فكلها ترسخ مفاهيم خطيرة من حريات واختلاط وعري وزنا وسفور وشرب خمر وعلاقات غير شرعية وعنف وعلاقات أسرية متفككة بحيث تصبح وكأنها أمر عادي، بل وكثير من الشباب يقلدون ما يرونه في هذه المسلسلات الفاسدة المفسِدة خاصة في غياب وضعف رقابة الدولة والأسرة. حتى الأطفال أصبحوا يقلدون شخصيات الرسوم المتحركة والأفلام الميالة إلى العنف وإلى سلوكيات مريضة تصبح من كثرة تكرار مشاهدتها عادية، وكثيرا ما سمعناها من أبنائنا وبناتنا عند استهجاننا تصرفا أو قولا معينا بقولهم "عادي"! فلم يعد الخطأ عندهم واضحا أو محددا..
أما تقليد أعياد الغرب فهذا واضح في كثرة الأعياد في بلاد المسلمين، ومنها ما يناقض العقيدة الإسلامية، فمن عيد للأم إلى عيد للحب إلى عيد للعمال وشم النسيم ورأس السنة وعيد الاستقلال وعيد الميلاد وغير ذلك من أعياد.. بينما في الإسلام لا يوجد إلا عيدان: قدم النبي ﷺ ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: «قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى»..
وهناك من تحدث عن التجديد والتحديث لأحكام الإسلام وتشريعاته بحجة مواكبة العصر، غافلين أو متغافلين أن هذا التجديد لا يكون للدين في ذاته فهو لكل زمان ومكان، فعندما قال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» لم يكن في هذا دعوة لتغيير ثوابت الشرع، فأحكام القرآن والسنة إلى يوم الدين، بل هو إحياء لهذا الدين وتطبيق شرعه، لما يطرأ على ذلك من تقصير واضطراب وبُعدٍ عن أحكام القرآن والسنة.. والمصيبة الكبرى كما قلت قبل قليل أن من ينادي بذلك يعتبرون من الطبقة العالِمة المثقفة..
سبحان الله، لو كان عند هؤلاء جميعا عمق في التفكير وفهم للدين الإسلامي بشكل صحيح لما حصل هذا التقليد والانجرار وراء كل ما يبعدهم عن دينهم وحضارته وثقافته وأحكامه... وما عبدة الشيطان عنا ببعيد..! وإن النصوص الإسلامية واضحة حيث ترفض تقليد المسلم لغير المسلمين في كل ما يتعلق بأمور الدين وما يتصل بالعبادات مما قد يكون له تأثير في العقيدة ونقائها من كل شرك، أو الانحراف والخروج عن شرع الله، فهناك آيات عديدة تذم التقليد الأعمى مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾، وكذلك قوله جل وعلا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾.. فالإسلام هو دين العقل والفكر: يقول تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾... ﴿فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.. فربنا سبحانه وتعالى يقول لنا أن لا نتبع سبيل الذين لا يعلمون، فلماذا نتجه للغرب وغيرهم ونترك أحكام الله في القرآن الكريم وسنة رسوله ﷺ! فدعونا نبتعد عن سطحية الفكر وعن التقليد بلا وعي ولا تفكير، فنحن خير أمة أخرجت للناس ونحن من يجب أن نرسم الطريق لغيرنا لا أن نسير في طريق رسمه غيرنا.. وفقنا الله جميعا إلى ما يحبه ويرضاه..
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي