الخميس، 06 رمضان 1446هـ| 2025/03/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رمضان فرصة للتأمل والتغيير

 

هلّ علينا شهرٌ مبارك، شهرٌ نفرح بقدومه رغم الآلام والأحزان والمصائب التي نعيشها. شهرٌ وردت في بركته وعظمته آيات وأحاديث عديدة: منها قوله ﷺ عن أول ليلة من رمضان: «وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أقْصِرْ»، فمن يريد الخير يطلبه ويسعى له، ومن يريد الشر يطلبه ويسعى له، أي كلٌّ يعمل حسب هدفه الذي يرجوه ويريده.

 

فرمضان هو شهر الخيرات والبركات، وفرصة عظيمة للسعي نحو الفلاح في الدنيا والآخرة. فهو موسم للطاعة، وميدان للتنافس في أعمال البر وتحقيق التقوى لنيل رضا الله الذي هو النجاح الحقيقي. فهو شهر فضيل مميز، ليس فقط لأنه شهر الصيام والعبادة، بل لأنه فرصة ثمينة للتأمل في علاقتنا مع الله وإعادة تقييم مسار حياتنا للتغيير للأفضل، والنظر في أهدافنا الحقيقية وتحديد مفهوم النجاح في حياتنا، ليس من منظور دنيوي، بل من منظور ديني وروحي وأخلاقي.

 

ففي ظل هذا العالم المادي الذي نعيشه والذي يركز على النجاح المادي والإنجازات المهنية، يأتي رمضان ليذكّرنا بأن الحياة دار فناء علينا أن نتزود منها للآخرة دار البقاء. وأنها ليست لجمع المال أو تحقيق الشهرة، بل هي مرحلة لاختبار الإيمان والعمل الصالح والابتلاءات والصبر وطاعة الله، ما يساعدنا على إعادة التفكير بماهية النجاح الحقيقي وكيفية تحقيقه. هذا النجاح الذي لا يقاس فقط بالثروة أو المكانة المجتمعية، بل بالسلام الداخلي، والرضا عن الذات، والقرب من الله. هو التوازن بين الروح والجسد، بين العمل والعبادة، وبين النجاح الدنيوي والنجاح الحقيقي. ولتحقيق ذلك علينا أن نكرس جزءاً من وقتنا للتفكير في كيفية تحسين نوايانا وأفعالنا ودواخلنا وأنفسنا أخلاقياً وروحياً.

 

فالناس صنفان: صنف حدد هدفه أو أهدافه فيعلم ما يريد وماذا سيفعل، وصنف لا يعرف كيف تمضي به الأيام! وهذا أيضاً يحصل في رمضان: صنف قد حدد هدفه، ويعلم ماذا يريد من رمضان، وما هي الثمرة التي يرجو جنيها. وصنف آخر غافل لاهٍ مفرِّط، تستهويه أنواع الملهيات المنتشرة في رمضان من قنوات فضائية بما فيها من برامج سخيفة تافهة، ويضيع أوقاته على مواقع التواصل الإلكتروني، وفي السهرات مع خلانه لغاية الفجر بلا فائدة، ثم النوم طيلة النهار. ومنهم ضيّقو الخلق الذين يتعاملون بسوء مع غيرهم بحجة أنهم صائمون، السادرون في غيهم من مخالفات شرعية وكأن الصيام فقط عن الأكل والشرب!!

 

فلنحذر من هذا كله، فإنها تسلب منا أفضل الأوقات وأحسن المقاصد، ولنحدِّد أهدافنا لنسلك سبل الفلاح بالسعي للأجر والثواب ونيل رضا الله جل وعلا، ولنستعن به سبحانه ولا نعجز ولا نتشتت. فإن المحروم من حُرِمَ الأجر في موسم الأجور، والمغبون من ضيع السلعة الغالية بثمن بخس.

 

دعونا ننظر لأنفسنا، كل واحد يرى حاله بصدق وشفافية ويرى أهدافه:

 

هل سلوكياتنا تتوافق مع روحانية هذا الشهر؟!

 

هل نصوم نهاره حق صيامه بالامتناع عن كل ما يغضب الله سواء قولا أو فعلا، أم فقط عن الطعام والشراب؟

 

هل نقوم ليله بالصالح من الأعمال من صلاة وتسبيح وتهليل وذكر لله وغيرها، أم بما ذكرنا قبل من مُلهيات تستهوي العديدين في رمضان؟!

 

هل نتدبر آيات القرآن أم فقط هي صفحات نقرؤها ونتسابق في ختم قراءتها بلا تدبر ولا تمعن ولا تطبيق لأحكامه؟!

 

هل نتكافل مع الأهل والأصدقاء والجيران ونتلمس حاجة الفقير والمحتاج، خاصة المتعففين عن السؤال وهم أصبحوا كثيرين في هذه الظروف أم كل يقول اللهم أسالك نفسي وعائلتي، ويكفيني حِملي وهمومي؟!

 

أيضا علينا ألا نغفل أن رمضان كما هو شهر عبادة فهو أيضا شهر إنتاج وعمل وليس شهر نوم وخمول وكسل. فهناك العديد يتخذ موسم رمضان حجة لترك العمل أو التهاون فيه خاصة بعض موظفي الخدمات العامة للناس، فنجدهم لا يؤدون عملهم كما يجب ويتقاعسون وربما قال لك أحدهم ألا ترى أني صائم؟ ناهيك عن العصبية وسوء الخلق بحجة الصيام!!

 

ورمضان شهر البركة والخير، ومنها تفطير الصائمين، يقول رسول الله ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، وَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ». نعم، هناك ولائم وموائد إفطار ولكن أي صائمين وأي ناس؟ هل هم للفقراء والمساكين وذوي الأرحام أم فقط للأغنياء وأصحاب المصالح؟ هل تكون الولائم لرضا الله تعالى ولينال أجر تفطير صائم أم للمباهاة والمفاخرة والرياء والنفاق؟!

 

وكذلك المساجد تمتلئ بالمصلين وتراها بعد رمضان خاوية إلا من قلة، وكأن الله سبحانه طلب صلاة الجماعة والمساجد فقط في رمضان!!

 

يعني أين الروحانية في هذا الشهر الفضيل؟!! أين التقرب إلى الله فعليا فيه؟

 

وكما نزيّن بيوتنا فرحاً بقدوم شهر البركة علينا تزيين نفوسنا وقلوبنا وألسنتنا لاستقباله؛ بأن نجعل قلوبنا مضيئة بالإيمان والمحبة والتكافل والتسامح الحقيقي، وإحسان الظن بالآخرين وذكرهم بما يسرهم وأن نجبّ الغيبة عنه والكثير من الأخلاق والقيم الإسلامية الرائعة التي نفتقدها في تعاملاتنا.

 

فرمضان ما هو إلا أيام قال فيها رسول الله ﷺ: «رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ».

 

وفي الختام نقول إن رمضان يُختصر في جملتين: ‏"رمضان قصير لا يحتمل التقصير، وقدومه عبور لا يقبل الفتور". فكلما تكاسلنا، لنتذكر قول الله تعالى في آية الصيام ﴿أيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾. نعم هي أيام معدودات أجرها كبير عظيم إن اغتنمناها جيدا، جعلنا الله وإياكم ممن وفقهم الله لاغتنامها.

 

ونسأل الله عز وجل أن نكون من المقبولين في رمضان وغير رمضان. اللهم بلغنا ليلة القدر واجعلنا فيها من الفائزين. اللهم أتمه علينا وأعده علينا بالخير واليمن والبركات وقد تحقق وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ بدولة الإسلام. وتقبل الله منا ومنكم الطاعات وصالح الأعمال.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع