السبت، 14 شوال 1446هـ| 2025/04/12م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الثّقافة الإسلامية كوقود رئيسي للتغيير المجتمعي النّاجح

 

(مترجم)

 

يأتي رمضان هذا العام في خضمّ ضغوط الحياة والأزمات وظلمات العالم المتزايدة الكثافة. يتأثر المسلمون بشكل متزايد بتدمير المجتمع، بسبب طغيان وفساد أصحاب السلطة الذين يطبقون نظام الجاهلية الرأسمالية.

 

كما أنّ الجهل وركود الأفكار يصبغ الناس أيضاً ما يؤدي إلى برودة في التعامل مع الدعوة وحتى رفضها. غالباً ما تجعل هذه الحالة حملة الدعوة يميلون إلى التشاؤم في دعوتهم. وغالباً ما يتصرف بعضهم كضحّية، ويلوم الآخرين، ويشعرون بالاكتئاب من الوضع.

 

تحدث هذه المتلازمة لدى حملة الدعوة عندما يسمحون للواقع بتحديد نضالهم، متناسين أن هناك قوتين أساسيتين للدعوة، وهما الإيمان وقوة الثقافة الإسلامية.

 

أولاً: قوة الإيمان تقتضي ألا ييأسوا من رحمة الله، حيث قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

 

تتضمن هذه الآية رسالةً مفادها بأنّ على المؤمنين ألا ييأسوا بسهولة، خاصةً إذا كانوا دعاة، فرحمة الله واسعة، والإيمان بنصر الله ينبغي أن يكون محور وعيهم. هذه هي قوة الإيمان، القوة الأساسية التي يجب تفعيلها دائماً حتى لا يتأثر حامل الدعوة بسهولة بواقع الحياة الثقيل والمظلم. ينبغي أن يدفعهم ركود المجتمع إلى التفاؤل بأنهم سيجدون الدرر بين من هم أكثر استعداداً للانخراط في الدعوة، حتى وإن لم يكن الأمر هيناً، لأنهم يؤمنون بأن مع كل عسر يسراً، كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾.

 

يجب أن يكون الإيمان حاضراً دائماً في الأعمال، فلا يضيع ولا يغيب. فالقاعدة العملية التي يعلمها الإسلام هي أن يكون العمل قائماً على فكرة وهدف معينين. ويجب أن يقترن هذا الفكر بالعمل، وأن يكون الفكر والعمل من أجل غاية معينة، وأن يكون ذلك كله مبنياً على الإيمان حتى يبقى الإنسان سائراً في الجو الإيماني سيراً دائمياً. ولا يجوز مطلقاً أن يفصل العمل عن الفكر أو عن الغاية المعينة أو عن الإيمان.

 

ثانياً، قوة الثقافة الإسلامية: الثقافة ليست معرفة عادية، بل معرفة خاصة، لأنّ سبب الحديث هو العقيدة الإسلامية الفريدة. كنوز الثقافة الإسلامية لها قدرة استثنائية على تكوين عقلية نبيلة لدى كل إنسان يدرسها بجدية، لا سيما لقدرتها على صقل شخصية الإنسان وتكوينها، وهو ما يُسمى بعملية التثقيف. في حين إنّ المعرفة وحدها قادرة على تزويد المرء بالمعلومات والبصيرة، وهو ما يُسمى غالباً بعملية التعليم.

 

يمكن للثّقافة أن تكون أيضاً قوة لحلّ المشكلات، لذلك يجب على من يطمح إلى تغيير المجتمع وإحياء الأمة أن يكون قادراً على جعل ثقافته حيّة ومرتبطة بالمشكلة الحقيقية، حتى لا يصبح مجرّد كومة من المعرفة ككتاب متنقل.

 

كيف نجعل الثقافة حيّة ونابضة بالحياة؟

 

طريقة دراسة الثقافة: يحدّد الإسلام أساليب دراسة الثقافة، وهي (1) المناقشة المتعمقة (التلقّي الفكري)، (2) الإيمان بالثقافة كشيء يجب النضال من أجله، (3) وأخذها عملياً لتطبيقها في معترك الحياة.

 

بل ويقال إنّ أولئك الذين يدرسون الثقافة الإسلامية هم مثل الأشخاص الذين لديهم إمكانات عاطفية يشعلون النار لإحراق الفساد وإشعال النور لإضاءة طريق الخير. وبالطريقة الصحيحة، ستشجع الثقافة الإسلامية طلابها - بشوق وحماس كاملين - على ممارسة هذه الأفكار. وبالتالي، فإنّ هذه الثقافة لها تأثير كبير جداً في النفس، لأنها يمكن أن تحرّك المشاعر تجاه الحقائق الموجودة في الفكر.

 

دورة تطوير الثقافة: يجب تطوير الثقافة والحفاظ عليها. هناك طريقتان لتحسين الثقافة، وهما: (1) المطالعة (دراسة الكتب الرئيسية) في دائرة لها مهمة التأثير على مجتمع في مكان معين؛ (2) المراجعة، أي الرجوع إلى الكتب المساندة مع الإشارة إلى واقع التحديات الحقيقية للدعوة. ويتم تطوير الثقافة من أجل: (1) حلّ المشكلات الحقيقية وليس مجرد إشباع الخيال الفكري. (2) اكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة بمساعدة تقاليد المناقشة والملاحظة الميدانية والكتابة.

 

على سبيل المثال، سيواجه حملة الدعوة في المناطق الحضرية تحديات عديدة ناجمة عن قضايا الحداثة والتنمية والتفكك الاجتماعي. لذا، سيركزون دراساتهم على ثقافة الاقتصاد الإسلامي والنظام الاجتماعي في الإسلام من خلال المراجع الموثوقة. بينما سيواجه نشطاء الدعوة في المناطق الحدودية تحديات ناجمة عن قضايا التهريب والدّفاع والأمن، فسيدرسون كيفية استخدام ثقافة الرّباط والجهاد كحلّ لمشاكل الحدود. ونتيجةً لذلك، يتطلّب تطوير الثقافة أيضاً القراءة والملاحظة، أي قراءة الكتب وقراءة الواقع في آن واحد. هناك أوامر كثيرة من القرآن لنا لنلاحظ المشاكل الحقيقية للأمّة التي تحدث في مجال الدعوة، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾.

 

فمن المقبول أن يتمّ تطوير التثقّف لمجرد الإشباع الفكري وشيء من الهلوسة خارج واقع مجال الدعوة. من العبث أن ينشغل حامل الدعوة للإسلام بدراسة كيفية صيام رمضان على كوكب المريخ، مثلاً. فبالإضافة إلى عدم القدرة على الوصول إلى الحقائق في مجال الدعوة، فإن هذا الأمر غير ذي صلة على الإطلاق.

 

التغيّرات في المجتمع

 

تستلزم طبيعة تطوّر الدعوة الإسلامية وجود حركة ثقافية، فالإسلام رسالة يجب دراستها ومناقشتها وقراءتها. كما أنّ جوهر هذه الرسالة يتطلب فهمها، وعلى أتباعها دراسة كل ما يُسهم في تحسين الحياة. ولذلك، كان العديد من الفاتحين علماء وقراء وكتاباً، وقد رافقهم هؤلاء الأفراد بهدف نشر الإسلام في البلاد المفتوحة.

 

وسيواصلون التركيز على جهود التغيير المجتمعي، وبناء مجتمعهم وتشكيله بالإسلام. على سبيل المثال، من خلال الرأي العام العالمي المستمر بشأن فلسطين، سيواصلون في الوقت نفسه محاولة التطرّق إلى القضايا المحلية من خلال إصلاح المجتمع في منطقتهم، على سبيل المثال من خلال تصحيح نمط الحياة المادية والاستهلاكية المتجذرة في حبّ الدنيا والتي تتناقض تماماً مع نمط حياة كفاح المسلمين الفلسطينيين المتجهين بالفعل نحو الجهاد. لا تنسوا أيضاً الدعوة إلى سياسات قائمة على الشريعة ذات صلة بمشاكل مجال الدعوة، بالإضافة إلى مواصلة حملات التوعية بأهمية الخلافة.

 

لذلك، لطالما ارتبطت حركة الثقافة بنهضة الحضارة وارتفاع مستوى تفكير الناس. من خلال صلتها بالتغيرات في المجتمع، ستتمكن الثقافة الإسلامية من جعل طلابها يتمتّعون بالتفكير المستقل في حلّ المشكلات في مجال الدعوة.

 

ستستمرُ هذه الحركة في النضال من أجل أفكار من الثقافة الإسلامية في كل معركة أفكار وأحداث تُصيب الناس. سيقفون أيضاً في وجه سياسات الحكام الجائرة، منادين بالشريعة الإسلامية حلاً للحياة. ولذلك، يبقى الفكر الإسلامي حياً، سامياً، نابضاً، يُحرق الهموم ويُنير درب الحياة. وكما قال النبي ﷺ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ». (رواه الدارقطني والبيهقي).

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فيكا قمارة

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع