الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الانتخابات النيابية ... واقعًا وحكمًا!!

بسم الله الرحمن الرحيم


لقد أخذت مسألة الانتخابات اهتمامًا واسعًا عند المسلمين في العصر الحالي نظرًا لارتباطها الوثيق بواقع المعاش اليومي، بين مرارة الواقع، والطموحات خاصة في ظل دعامة كبيرة لها تحت مسميات وشعارات حق الشعوب في اختيار من يحكمها أو يمثلها. إن السيادة للأمة، أو الأمة مصدر السلطات، خاصة وأن الأمة الإسلامية مقهورة مجبورة منْزوعة السلطات في ظل حكم جبري عضوض، تحكم فيه بالحديد والنار، حتى يأتي الحاكم فيورث ولده أو يقتل بانقلاب. والأمة ترقب الأحداث من بعيد، وكأن الأمر لا يعنيها!! ولما حاولت هذه الأنظمة إعادة الروح إلى جسدها المثقل بالأمراض، قامت بعملية تجميلية من أجل بقائها حتى يخيل للناظر إليها أنها عروس ذات الأربعة عشر عامًا، وقد بلغت من الكبر عتيًا، حتى لم تعد قادرة على الوقوف لحظات، فسارعت إلى مسمى الانتخابات شكلاً وحاولت التضليل على الشعوب أنها مارست حقًا، وأن لهذه الأنظمة فضلاً عليها.


ولقد سارعت بعض الحركات الإسلامية إلى صندوق الانتخابات تحت مسمى التدرج، واختيار الأصلح، وتقليل وتعطيل بعض القرارات أملا بإصلاح موهوم بفكر مهزوم، فقبلت بالتعايش مع الأنظمة، وشاركت بالانتخابات، وقد انقسمت هذه الحركات إلى قسمين: قسم يرى أن الانتخابات حق أصيل للشعوب، وأن نتائجها ملزمة عقلاً وشرعًا، وأن صندوق الانتخاب هو الحَكَم والسيد بغض النظر عمن في الحكم، أو مادة الحكم، أو بماذا تحكم، وهؤلاء ليبراليون إسلاميون، دعاة الحرية كما هي عند الغرب فكرًا وممارسة، وقسم آخر اعتبر الانتخابات وسيلة ومرحلة معينة من مراحل التدرج من أجل إجراء بعض الإصلاحات، وتخفيف بعض القيود تحت ذرائع شتى، واعتبروا أن جواز المشاركة في أنظمة الكفر خلاف للأصل، إذ الأصل حرمة المشاركة - بخلاف الفريق الأول - وأخذوا يستدلون على خلاف الأصل بما ظنوه دليلاً من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وبالمصالح المرسلة، وبقصة المسلمين مع النجاشي ملك الحبشة عِلمًا بأن حكم الأصل وهو حرمة المشاركة، قطعي الثبوت والدلالة، وما استدلوا به لا يرتقي إلى شبهة دليل مع قطعيات الأدلة.

 


تعريف الانتخاب:


هو الإقرار الرسمي لاختيار شخص لوظيفة رسمية، أو قبول مقترح أو رفضه، أو إقرار سياسي عن طريق التصويت. والانتخاب أسلوب لمعرفة توجهات الناس، والرأي العام، ومن القائد الذي تختاره الأمة. والانتخاب كأسلوب من الأساليب هو مباح، ولكن البحث ليس في الأسلوب، بل البحث هنا متعلق بمسائل عدة وهي: على أي أساس ننتخب؟ ومن ننتخب؟ ولأية وظيفة؟ وما طبيعة هذه الوظيفة؟ وما صلاحياتها؟ وما حكم الشرع فيها؟

 


انتخاب رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية (الحكومة):


إن انتخاب أي إنسان لموقع مباشرة الحكم سواء رئاسة الدولة، أو رئاسة السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء) يُعَدُّ جريمةً كبرى؛ لأنه انتخاب لشخص لا يحكم بما أنزل الله، وهو إقرار من الناخب لإبعاد حكم الله، والرضا بحكم الكفر والطاغوت. فالحاكم بغير شرع الله إما أن يكون كافرًا أو فاسقًا أو ظالمًا، وليس تقيًا نقيًا، وذلك للآيات الكريمة الآتية: قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُ‌ونَ﴾. [المائدة: 44] وقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45] وقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. [المائدة: 47] وهذه الآيات نزلت في يهود لما أعرضوا عن حكم الله تعالى برجم الزاني، واخترعوا حكما آخر، ولعل قائلاً يقول: "إنها نزلت في يهود"؟، قال علماء الأصول ردًا عليه: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". وقال ابن تيمية رحمه الله: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوَّغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر". (مجموع الفتاوى 28/524)


وقال ابن كثير رحمه الله: "فمن ترك الشرع المحكم المنَزَّل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى (الياسا) وقدمها عليه، ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين (البداية 13/ 119) والياسا هو الكتاب الذي كان يحتكم إليه التتار أيام جنكيز خان، وهو خليط من الأديان والأهواء؟".


هذه نبذة من بعض أقوال علماء المسلمين في حق من حكم بغير شرع الله، أو تحاكم إلى غير الإسلام، فكيف يجوز للمسلمين أن يختاروا من كان هذا حاله؟ ونقول للمسلمين ممن يشاركون في انتخاب من لا يحكم بشرع الله: إنكم وضعتم في الحكم رجلاً يحادد الله ويحارب أحكامه!! وجعلتم للكفر سلطانًا وسبيلاً على المؤمنين، والله تعالى يقول: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِ‌ينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾. [النساء: 141] فكيف تلقون وجه الله ربكم؟ وبماذا ستجيبونه حين يحاسبكم؟ بل وكيف تقرؤون قول الله: ﴿وَالسَّارِ‌قُ وَالسَّارِ‌قَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. [المائدة: 38] وقول الله: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَ‌أْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾. [النور: 2] وقول الله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. [البقرة: 179] وقول النبي عليه الصلاة والسلام: «حَدٌّ يُعمَلُ بِهِ فِي الأرضِ خَيرٌ لأهْلِ الأرضِ مِنْ أنْ يُمطَرُوا أربَعِينَ صَبَاحًا» (رواه النسائي عن أبي هريرة)؟


وهذه حال رئاسة الدولة أو السلطة التنفيذية بكافة أنواعها وأشكالها: حكومة ووزراء، وأيضا حال السلطة القضائية التي تحكم بغير شرع الله تعالى لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «القُضاة ثَلاثة: قَاضِيان في النار، وقاضٍ في الجَنَّة، قَاضٍ عَرَف الحقَّ فَقَضَى به فهُو في الجَنَّة، وقاضٍ عَلِم الحَقَّ فجَارَ مُتعمِّدًا فذَلِك في النار، وقَاضٍ قَضَى بغَيْر عِلْم واسْتَحْيا أن يَقول: إنِّي لا أَعلَم فهُو في النَّار». (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه).


أما مجلس النواب أو البرلمان، فهو يقوم بعدة أعمال، وليس عملاً واحدًا، ولكل عمل حكم شرعي، ولنقف على أهم الأعمال وأبرزها لبيان حكم الله فيها. يقوم مجلس النواب بالأعمال الآتية:


1. انتخاب رئيس الدولة.


2. إقرار الموازنة العامة.


3. المحاسبة.


4. سن التشريعات.


5. القسم على كتاب الله بالمحافظة على الدستور والولاء للوطن والحاكم.


6. إعطاء الثقة للحكومة.

 


هذه هي أبرز أعمال مجلس النواب. أما مسألة انتخاب الحاكم، فقد سبق بيانها باقتضاب. وأما مسألة إقرار الموازنة العامة، فمن المعلوم أن لكل دولة إيرادات ونفقات، حيث يرد إلى خزينة الدولة أموال من جهات عدة، وتنفق هذه الأموال في ظل الأنظمة الحالية. منها ما يؤخذ بطريق الحلال، ومنها ما يؤخذ بطريق الحرام، ومنها ما يصرف كذلك في الحرام، فالمكوس ونفقات بعض الضرائب، وطرق تحصيلها، وأموال تراخيص الأندية الليلية والملاهي المحرمة والخمارات والبارات، وبيع الملكية العامة، وملكية الدولة مثلاً، كل هذه الأموال تؤخذ بالحرام. وما ينفق على التجسس، ومكافحة الإرهاب ضد المسلمين، وإقامة بعض المشروعات المحرمة، والفوائد الربوية على الديون الداخلية والخارجية، كلها أموال تدفع بالحرام؛ لذا كان إقرار الموازنة العامة القائمة أصلاً حرامًا؛ لأنه يتضمن الموافقة على كيفية أخذ المال، وكيفية إنفاقه في غير ما حدده الشرع!!


وأما مسألة المحاسبة فلا شك أن المحاسبة مطلب مهم وضروري، ولكن ليس البحث في المحاسبة ذاتها، وإنما البحث على أي أساس تكون. أعلى أساس الحكم الوضعي والدستور والقوانين البشرية؟ أم على أساس الإسلام؟ فإن كانت المحاسبة على أساس الإسلام، فهذا هو المطلوب شرعًا!! وإن كانت على أساس الدستور الوضعي والقوانين البشرية، فهو احتكام إليها، وتحاكم إلى الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به، وسبق أن بينا حكمه!!


أما مسألة التشريع وسن القوانين، وهذه أعلاها لأن مسمى مجلس النواب (السلطة التشريعية) وهي أخطرها وهذه لا تحتاج إلى كبير بيان، ولا إلى مجاملة. إن التشريع حق لله وحده حصرًا وقصرًا، وإن من يشرع فقد اتخذ نفسه ربا يعبد من دون الله، وإن من أطاعه فقد اتخذه إلهًا من دون الله تعالى!! وأي خطر أكبر وأشد خطرًا على عقيدة المسلمين من مسألة التشريع؟ والله تعالى يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ‌ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ‌ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. [يوسف: 40] وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطرَحْ عَنكَ هَذَا الوَثَنَ، وَسَمِعتُهُ يَقرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ﴾ فَقُلتُ: إنَّا لَسنَا نَعبُدُهُم قَالَ: «أمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أحَلُّوا لَهُم شَيئًا استَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيهِمْ شَيئًا حَرَّمُوهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ». (رواه الترمذي)


إن الله تعالى حرم علينا حضور المجالس التي يكفر فيها بآيات الله، فكيف بنا إذا كنا نمارس الكفر ذاته بأنفسنا؟ فلو جلس أحد أعضاء البرلمان، ولم يشرع في جلسة التشريع فإنه آثم لقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ‌ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ‌هِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِ‌ينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾. [النساء: 140] والأصل فيه أن ينكر عليهم ويحاسبهم، ويخرج غاضبًا لوجه الله تعالى!!


أما مسألة القسم على المحافظة على الدستور والولاء للحاكم والوطن، فإن الدستور هو (طاغوت) يحرم شرعًا التحاكم إليه، والقسم على المحافظة عليه هو قسم على المعصية، وعلى المحافظة على الحرام، فكيف يقسم النائب بالله، على كتاب الله، أن يُعصى الله، بعدم تحكيم شرع الله، وبالمحافظة على أحكام الكفر والطاغوت؟! ولعل قائلاً منهم يقول: "نحن نقيد القسم بقولنا: "بطاعة الله" أو "فيما يرضي الله" فنقول له: إن القيد هنا لا قيمة له أصلاً ولا يمكن أن تكون له قيمة؛ لأن الدستور بذاته دستور كفر، وقانون كفر، وتشريع كفر، هذا أولاً، وثانيًا لأن بعض النواب عندما وضع هذا القيد، قيل له: "هذا زائد على القسم" وطلب منه حذف القيد. ولعل قائلاً آخر يقول: "يضمر النائب هذا القيد في نفسه حين يقسم" فنقول له: "إن القسم على نية المحلِّف لا على نية الحالف" وهذا حكم معلوم عند العلماء والفقهاء والقضاة.


وثمة كلمة لا بد منها: كنا نقول، ولا زلنا نقول: إن أي مسلم أراد أن يدخل الانتخابات، وقدم مشروعًا إسلاميًا خالصًا واضحًا، وطرحه على الناس، ولم يمارس أو يحضر مجالس التشريع أو يعطي الثقة، ولم يقر الموازنة، بل بين حكم الله تعالى في كل مسألة تطرح للنقاش، وحاسب رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية على أساس الإسلام، ولم يقسم على الولاء للحاكم، ولا على المحافظة على دستور وضعي (طاغوت)، بل إنه اتخذ من مجلس النواب منبرًا له ليقول كلمة الحق بكل جرأة وشجاعة، دون أن يخشى في الله لومة لائم، فكان بذلك حارسًا أمينًا للإسلام، كنا نقول وما زلنا نقول: "إن الدخول لمجلس النواب بناء على هذه الأسس جائز شرعًا". وعلى هذا الأساس نزل شيخنا أحمد الداعور رحمه الله تعالى إلى الانتخابات النيابية في ستينات القرن الماضي. ومن العجيب أن ينكر علينا بعض نواب الحركات نزول الشيخ أحمد، فنقول لهم: افعلوا كما فعل الشيخ، لنقول لكم: "إن دخول مجلس النواب جائز" بل إن الشيخ العالم أحمد الداعور الذي ألقى البيان الناري في مجلس النواب الأردني، فحمل على إثره، ونقل من مجلس النواب إلى سجن الجفر الصحراوي، وتم حلُّ البرلمان، وعطلت الحياة البرلمانية في الأردن، وبقيت معطلة حتى عام 1987م.


وأما مسألة إعطاء الثقة للحكومة، فقد كان الشيخ أحمد الداعور رحمه الله عالمًا ربانيًا، مبلغًا للإسلام، مبينًا للأحكام، لا تأخذه في الحق لومة لائم، فهو لم يعط الثقة لأية حكومة، ولم يشرع، ولم يحضر جلسة التشريع، بل أنكر هذا المنكر، وكان مما قاله في هذا الشأن: "كم كنت أتمنى لو أن حكومة واحدة من هذه الحكومات المتعاقبة على الأمة تنطلق في بيانها الوزاري من الإسلام! إنني أقول هذا الكلام ليعلم السياسيون المحترفون أن غش الأمة وخيم العاقبة! وبما أن البيان الذي قدمته الحكومة ينطوي على البعد عن الإسلام، فإنني أحجب الثقة!". فحمل إلى السجن، ولم يقر موازنة، وحاسب على أساس الإسلام، ولم يؤد قسم الولاء والمحافظة على الدستور رحمه الله تعالى!


وقضية أخرى مهمة قد ظهرت حاليا بعد الثورات حيث تزلزلت أقدام الأنظمة بعد ثبوتها، وأصبحت كالريشة في مهب الرياح، وأصبح الحكام كأنهم خشب مسندة، يحسبون كل صيحة عليهم... أدرك الكفر ومن خلفه زوال عملائهم، وعدم قدرتهم على الثبات فقاموا بالدعوة إلى الانتخابات، وتركوا للناس بعض المصداقية، حتى تعطي شرعية جديدة للأنظمة القائمة بعد اهتزازها وضعفها، وحتى تثبت هذه الأنظمة العميلة الخائنة، فكانت العملية الانتخابية ليست مقصودة لذاتها هنا، وإنما المقصود منها تثبيت أنظمة الكفر في بلاد المسلمين من خلال اللعبة الديمقراطية، وهذه جريمة كبرى؛ لأن المقصود منها بقاء المنظومة التشريعية، والوظيفة السياسية للكيان السياسي المرهون بالغرب، مع تغيير بعض الوجوه، وبعض السياسات، أي إجراء عملية تجميلية لعجوز شمطاء، يتصورها المرء ابنة أربعة عشر عامًا قمريًا، وهذه محاولة من الغرب لمنع الأمة من الوصول بمشروعها الحضاري العظيم إلى الكيان السياسي؛ لهذا السبب كانت الانتخابات والمشاركة فيها في هذه الحالة عملاً محرمًا؛ لأن فيه تثبيت أنظمة الكفر في بلاد المسلمين!


إن هذه المسألة جديرة بالاهتمام، وأضرب عليها مثلا بل أمثلة من الواقع الذي عشناه: فمثلاً بعد القضاء على صدام حسين قامت أمريكا بعملية انتخابية واختيار حكومة عراقية بانتخابات سواء أكانت نزيهة أم لا، من أجل تثبيت المحتل في العراق. وكذلك ما فعله السيسي في مصر من أجل تثبيت نظام الإجرام... لذا نجد كل أنظمة الكفر بعد إجراء الانقلابات تحرص على نوع من الانتخابات من أجل تثبيت الوضع القائم على ما كان عليه، والأمثلة على ذلك تطول والله أعلم! وأخيرًا نقول: إن مسألة الانتخابات قد أخذت عند المسلمين الوقت الكافي؛ لدراسة واقعها وبيان حكمها، ومع ذلك بقي بعضهم لم يدرك خطورتها فكريًا، علما بأنهم أدركوا واقعها ماديًا في الجزائر ومصر وتونس والمغرب وسوريا واليمن. فمن لي بمن يدرك حقيقة الإسلام العظيم؟ ويدرك خطر الانتخابات النيابية وأثرها على الأمة؟ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّ‌سُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْ‌ءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُ‌ونَ﴾. [الأنفال: 24]

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ حسن حمدان (أبو البراء) - ولاية الأردن

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع