هل عجزت اللغة العربية عن احترام المرأة!!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾. جاء في التفسير: أنزلناه باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بينا واضحا ظاهرا، قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا إلى المحجة.
هذه هي اللغة العربية من أكثر لغات العالم تأثيرا وتوسعا وانتشارا، ولكنها كذلك من أكثر اللغات تعرضًا للهجوم ومحاولات الإبعاد والتغييب عن الأذهان والعقول لأنها لغة الإسلام ولغة القرآن، لغة الاجتهاد ولغة الدولة الإسلامية، وبفهمها الصحيح ومزجها بالطاقة الإسلامية يُفهم الإسلام وأحكامه وتشريعاته بدون تحريف ولا تأويل ولا تلاعب، وهذا ما لا يريده أعداء الإسلام وأعوانهم لأنه إن فهم الإسلام جيدا استقام الفكر وصلحت الأعمال وسعى المسلمون إلى تحكيم شرعه بإقامة دولة الإسلام. فبعد سقوط دولة الإسلام تم هجر اللغة العربية وتم فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، مما سبب الضعف الشديد في فهم الإسلام وأحكامه، لذلك كان لا بد من مزج الطاقتين معا ليصبحا واحدا وتكون لتلك اللغة القادرة على التأثير والتوسع والانتشار.. هذه الصفات المفقودة في اللغات الأخرى.. هذا التأثير الذي يجسد الواقع أو الحادث كأنما تراه حقيقة، فمثلا هناك سبعون اسما للأسد وهي ليست ألفاظا مترادفة بل تصوره في كل حالة هو فيها وكأنك ترى حركته في كل كلمة، وكذلك السيف وغير ذلك من ألفاظ ومفردات وأسماء.. وفي القرآن الكريم حين يصف جلّ وعلا نعيم الجنة وما فيها من خيرات، فكأنما ينقل السامع إلى تلك الجنة فيعيش في ظلالها.. وحين يصف عذاب جهنم، تقشعرّ جلود السامعين وكأنهم يحسون لهيبها.. وكذلك في كثرة الأفعال لتقريب الفهم وتجسيد الأمر. من مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾. نلاحظ هنا أن المُراد تقريب المفاهيم للذهن بالتشبيه لتجسيد الواقع في ذهن السامع ليثير فيه من الأحاسيس ما يدفعه للتفكير.
أما التوسع؛ ففيها التصريف والإعراب، والتشبيه والمجاز والحقيقة، والتعريب والنحت والاشتقاق وما إلى ذلك مما يجعلها بحرا زاخرا يتسع ويواكب ما يستجدّ من ألفاظ ومفردات ومعاني أشياء ووقائع وأحداث ومعالجات دائمة التجدد. وأما الانتشار؛ فإنها لاقترانها بالإسلام وكونها لغة القرآن ولا يُقرأ إلا بها، من البديهي أن تنتشر في كل قطر يصل إليه الإسلام.
ومن قوتها أنه لا يقدر أحد من التَّراجم على أن ينقل القرآن الكريم إلى لغة أخرى بنفس الألفاظ بقوتها ومعناها وتأثيرها، كما نُقِل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية وترجمت التوراة والزَّبور وسائر كتب اللّه عزّ وجلّ إلى العربية.. فمثلا سورة الفاتحة القصيرة تحتاج سبعين كلمة لترجمتها.. ولو جاءت الشريعة الإسلامية بغير اللغة العربية لاحتاجت إلى آلاف المجلدات لتعبر عن أحكامها جميعا بالتفصيل الذي وسعته العربية بقدرتها على البيان.
ورغم كل هذا نجد من يقول أن اللغة العربية غير متطورة وعاجزة عن إيجاد ألفاظ "تحترم المرأة"، أو أن المرأة مظلومة في اللغة العربية.. وقد انتشرت في مواقع الحوار بالإنترنت (حتى لو كانت على سبيل المزاح) مقالة مختصرة تصف اللغة العربية بظلم المرأة، وتستدل على ذلك بأن الرجل يوصف بأنه حي، ومصيب، ونائب، وقاضٍ، وهاوٍ، بينما مقابل هذه الصفات للمرأة هو أنها: حية، ونائبة، ومصيبة، وقاضية، وهاوية، وكل هذه الصفات منكرة، مذمومة مما يعد ظلماً، وتمييزاً ضد المرأة.
وهذه ليست جديدة، حيث كانت في مقال في مجلة الدوحة القطرية بذات الأمثلة والاستشهاد، ويبدو أنها صدى لمقالات حركة النسوية النوعية التي نظمتها البلاد الناطقة بالإنجليزية، وطالبت بأن تغير كلمة history، وتعني التاريخ إلى كلمة herstory، وتعني قصتها (her- story)؛ لأن الحركة ترى أن أصل الكلمة ينحاز للرجل، ويجعل التاريخ كله (قصته his - story)، بل ذهبت الحركة إلى أبعد من ذلك حينما قامت بطبع نسخة معدلة من الإنجيل تراعي مفهوم الجندر؛ فغيروا كلمة Man إلى Person، وSon إلى Child، وغير ذلك.. وكلمة (mankind) إلى (human-kind) وكذلك في الانجليزية تسمى الأنثى spindster (عانس)، على أساس أنها رهينة الخدمة والغزل والنسيج، بينما يطلق على الذكر الذي لم يتزوج بلفظ مخفف يحمل مسحة محببة bachelor (أعزب).
إن موضوع "الجنوسيّة" هذا مستحدث في الدراسات العربية، وكان د. عبد الله الغذامي قد سبق في تناول هذا الموضوع في صحيفة الحياة اللندنية، ولعله أفاد من دراسات "النسويات" Feminism - ككتاب (Dale Spender) الصادر سنة 1991 وهو تحت عنوان Man Made Language"" وقد قدمت فيه الكاتبة صرخة احتجاج بسبب تحيز اللغة الإنجليزية للذَّكر، هذا التحيز الذي ينتقل تدريجيًا إلى الحياة التطبيقية وترجمته دار الطليعة تحت عنوان "المرأة المدجنة". وقد تطوعت بعض المستَعبدات للغرب والمضبوعات بثقافته بترجمة هذه الأفكار إلى الواقع العربي مثل الكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة التي حاولت في كتابها "اللغة الغائبة: نحو لغة غير جنسوية" عام 1996، أن تقدم تحليلاً للغة الجنسوية Sexism، وهي ترى أن كتابها هذا هو الأول من نوعه في المكتبة العربية من حيث الدعوة إلى المساواة بين الجنسين على الصعيد اللغوي التطبيقي.. واستكملت بعد ذلك عام 2009 ما بدأته بكتابها الجديد الصادر عن دار نينوى السورية بعنوان "أنثى اللغة: أوراق في الخطاب والجنس"، والذي تبحث فيه في المنطقة المعتمة من اللغة، التي فيها يحدث التعاقد الخفي على شحن اللغة المستخدمة بشحنة مضادة لكل ما هو أنثويّ، لصالح سيطرة وهيمنة ذكوريتين بامتياز.
ولو عدنا للغة العربية والقرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، فلا نجد أي فرق بين المرأة والرجل عند الله إلا بالتقوى والعمل الصالح، قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾..وقال عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾.. وقال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.. وقال سبحانه: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾..
فالمرأة مكلفة مثل الرجل تماما، ومن هذا ما يظهر في قوة اللغة العربية لغة القرآن الكريم من أن كلمة إنسان تطلق على الذكر والأنثى سواء بسواء، فلا يقال في اللغة العربية إنسانة وإنما إنسان فقط، ومثل ذلك كلمة زوج فالرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل.. وكذلك فإن اللغة العربية لم تظلم المرأة في المخاطبة بصيغة التذكير للجمع بين الناس وفيهم رجال ونساء، حتى لو كانت الأكثرية نساء وفيهم رجل واحد فقط! لأن هذا يحمل على أنهم جميعا (أشخاص) ومفردها شخص، وجميعنا يعلم أنها تُطلق على المذكر والمؤنث بلا تفريق ولا تمييز، فالكلمة مشتركة وليست صيغتها تخص جنسا دون الآخر. فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، والإسلام كرم المرأة ولم يُكرمها أحد سواه فكيف بمن أكرمها أن يظلمها بهذه اللغة التي تتميز عن غيرها من اللغات بتاء التأنيث التي تسهل التفرقة في نوع الجنس. فإن فهمنا اللغة العربية جيدا نرى أنها لم تظلمها أبدا، وكما قال الشاعر:
فما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلال
وأختم بما جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين﴾، قالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الْعَتَكِيّ حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن عَبَّاد الْمُهَلَّبِيّ عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّد عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابه فِي يَوْم دَجْن إِذْ قَالَ لَهُمْ «كَيْف تَرَوْنَ بَوَاسِقهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَرَاكُمهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ قَوَاعِدهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَمَكُّنهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ جَرْيهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنه وَأَشَدّ سَوَاده قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ رَحَاهَا اِسْتَدَارَتْ؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ اِسْتَدَارَتْهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ بَرْقهَا أَوَمِيض أَمْ خَفْق أَمْ يَشُقّ شَقًّا؟» قَالُوا بَلْ يَشُقّ شَقًّا؟ قَالَ: «الْحَيَاء الْحَيَاء إِنْ شَاءَ اللَّه» قَالَ: فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَفْصَحك مَا رَأَيْت الَّذِي هُوَ أَعْرَب مِنْك قَالَ فَقَالَ: «حُقَّ لِي وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآن بِلِسَانِي وَاَللَّه يَقُول: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين﴾».
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي