فيلم مقابل الدعاية: "القناص الأمريكي" والانعكاسات على المجتمعات المسلمة (مترجم)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"القناص الأمريكي" هو من أفلام الحركة والدراما الأمريكية رفيعة المستوى، من إنتاج عام 2014 وإخراج كلينت إيستوود، حيث تستند قصة الفيلم على السيرة الذاتية لكريس كايل القناص الأكثر فتكا في تاريخ الولايات المتحدة العسكري، والذي تسبب في مقتل 255 شخصا في العراق، تأكد منهم 160 حسب وزارة الدفاع، وقد حصل كايل، القناص الأكثر دموية في التاريخ الأمريكي، لنفسه على عدة ألقاب مثل "الأسطورة" وصاحب أكبر سجل في القنص، في الوقت نفسه، سجلت طفرة هائلة في الجرائم العنصرية والكراهية والتهديدات ضد الجاليات العربية المسلمة في الولايات المتحدة.
ماذا يعني الفيلم لأولئك الذين شاهدوه بما يحويه من تحريف فاضح بعد أن تصدر شباك التذاكر في الأسبوع الأول بملايين الدولارات وحصل على العديد من الجوائز؟ نحن على دراية بتصوير هوليوود لجنود الولايات المتحدة كأشخاص قساة ومتعطشين للدم والانتقام النابعين من إحساسهم بالواجب الوطني لبلدهم، ثم يعودون لبلدهم مسرورين بما قاموا به من قتل في حرب العراق وغيرها من البلدان الإسلامية.
تعتبر وسائل الإعلام وسيطاً آخر في إيصال وجهات نظر معينة للمجتمع، واقتناص ملايين الدولارات والوصول لعدة أهداف، ويعبّر مخرجو الأفلام، الذين يعتبرون أنفسهم عرّابي الأخلاق، عن وجهة نظرهم في حرب ضخمة بنيت على أسس خاطئة من البداية في إعلان الحرب على العراق وشعبها بما ادعته الحكومة أن الرئيس العراقي صدام حسين يملك أسلحة الدمار الشامل، أما حكاية الفيلم فمنسوجة كخرافة واهية وبوق دعاية واسعة وشاملة الحرب.. حيث يكرر القتل لكل من يشكل تهديداً سواء أكان رجلا في بدلة أو امرأة في عباءة سوداء أو طفلا ذاهبا إلى المدرسة، ويقتبس الفيلم من تصريحات كايل في الحياة الحقيقية قوله "كرهت ما كنا نقاتل في العراق من الشر والحقارة والوحشية - هذا ما كنا نحارب في العراق"، ولا غرابة في حصول الفيلم على طوفان من التكريم والترشيحات للجوائز؛ وذلك للتأكيد على صحة الفيلم لعامة الناس سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، وكما قال أحد النقاد السينمائيين بأن القصة تدور "حول شخص حقيقي"، و"أنها قصة إنسانية، وليست سياسية"، كيف يمكن لهذا أن لا يكون سياسيا؟
بالنسبة للمشاهدين، كبداية، لا يمكن استبعاد التحريض في الفيلم وإطلاق العنان لـ"قتل العرب" أو الحاجة إلى قتل "بعض الأشخاص السيئين"، وذلك في حكاية قصة إنسانية، فأين هي الإنسانية في فيلم يحكي قصة المذبحة التي تحرض على العنصرية والعنف تجاه من يعيشون في بلد بأكمله؟ يقول أيوب المدير القانوني للجنة مكافحة التمييز في المجتمعات العربية الأمريكية في واشنطن العاصمة، أن هناك ارتفاعاً حاداً في جرائم الكراهية والتهديدات ضد الجالية العربية، أما الكاتبة صوفيا مكلينين فكتبت تقول "الفيلم يحكي عن ارتباط مباشر بين أحداث 11/9 والحرب في العراق، متناسين تماما أن الحرب في العراق لا علاقة لها بالمرة مع أحداث 11/9، لا أحد من المهاجمين في ذلك اليوم كانت له أي صلة بالعراق، لذلك كان من الوهم ربط العراق بذلك الحدث، وحتى إدارة بوش لم تدلِ بأي تصريح علني عن ارتباط كهذا".
ولتحديد القضايا التي سأعالجها هنا: صلة أحداث 11/9 بالحرب على العراق؛ جرائم الكراهية ضد "المسلمين العرب" أو أي شخص ينتمي لهم من قريب أو بعيد؛ الشهية للعنف والدم في الثقافة الأمريكية؛ السياسة المقنعة في شكل التعبير السينمائي؛ ومسؤولية الرقابة ونموذج حرية التعبير.
بادئ ذي بدء، إن ربط أحداث 11/9 بالحرب على العراق سخيف تماما نظراً لأنه ثبت بأن قرار بوش -تشيني شنَّ هجوم على العراق لا علاقة له بالحوادث التي وقعت في 11/9، وكانت الولايات المتحدة قادت حملة عالمية لغزو العراق للبحث عن أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي لا يزال متشابكاً بعد أكثر من عشر سنوات، بما يحتويه من نتائج مدمرة مع عدم ظهور أي من أسلحة الدمار الشامل، وبافتقار الجماهير إلى الوعي السياسي العام، يحاول الفيلم القيام بدور وكالات الأنباء في نشر الأخبار المثيرة، ولكنه بدلاً من ذلك يبث أخباراً كاذبة ويميل لتحقيق هدف سياسي محدد. إن شعار الحرب، وتعويذة القتل، وطريقتهم في التعامل مع الأمور هي تبريرٌ للسياسة الخارجية الحكومية للحرب ضد الإرهاب في جميع أنحاء بلاد المسلمين باستخدام أيٍّ كان من الوسائل اللازمة لإنجاز المهمة، ولا يهم كايل وأمثاله أن يكونوا مذنبين بفعلتهم.
أما القضية الثانية، فإنه يتم الدفع بأمثال كايل أكثر من أي وقت مضى من خلال الجلوس في دور السينما والمسارح ومن ثم مغادرة المكان واتخاذ إجراءات ضد أي شخص يشبه النموذج الأولي للإرهابي سواء أكان ذلك موظفا عربيا أو أحد الطلبة المسلمين أو مسجداً أو مدرسة إسلامية، وقد شهدت جميعها طفرة جذرية في التحرش والاعتداء، ويعبّر العديد من المثقفين، في خضم هذه الثقافة العنيفة، عن غضبهم من المجتمع في أمريكا الذي من المفترض أن يعزز حقوق الإنسان (أم أنه الحق الذي يستغلونه في الوصول إلى المسلمين؟)، أين هي الأخلاق التي تعزز الإنسانية والاحترام أم أنها غير مرئية بالعين الأمريكية؟ فأفلام هوليوود تعرض شهوة الدم والعنف في الثقافة الأمريكية، حيث إن الشخص العادي الذي يرى العنف على الشاشة يمارس عمليات القتل في أماكن تدعى مناطق حرب، ولكن غالباً ما تتدفق هذه الأعمال إلى ساحات المدارس والأماكن العامة، فأين هي الرحمة؟ وأين هو العقل الذي من المفترض أن يفرق البشر عن الحيوانات؟
لقد أصبحت ممارسة البلطجة في المدارس والمجتمع ووسائل الإعلام، والتحرش في العمل، وتخريب الممتلكات عادة متداولة في الثقافة الغربية، الشيء المتوقع كما يقولون "الحصول على أكثر من ذلك، سوف يكون الأولاد أولاداً"، بيد أن هذا يحدث في قلب بلاد منحطة أخلاقيا والتي بدورها حولت تجارة ألعاب الفيديو والأفلام إلى أرباح بمليارات الدولارات.
امتدادا للساحة السياسية، من يستطيع أن ينكر ألعاب الفيديو Counterstrike التي تشبه تضاريس الشرق الأوسط وأفغانستان والصوت مستمر من "الإرهابيين القتلى" حين قتلهم؟ أما كلينت إيستوود، أسطورة رعاة البقر، فقد أنتج فيلما يغذي شعار الحرب في أمريكا، وبطبيعة الحال فإن عمله يسيّر لخدمة أهداف عدة؛ فسياسياً، يظهر هذا الفيلم للجمهور أن العنف ببساطة مقبول كي تحصل في نهاية المطاف على ما تريد، ولذلك فلدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أساليب التعذيب مع أعضاء تنظيم القاعدة أو أي شخص يبدو مشابهاً لهم، وكذلك معسكر خليج جوانتانامو الذي ما زال قائما، وقصف الطائرات بدون طيار، ومراكز الاحتجاز في القواعد العسكرية في الخارج. وقد ألمح ناعوم تشومسكي في نقده لفيلم "القناص الأمريكي" إلى أن "عقلية القناص تساعد على شرح السبب في أنه من السهل جداً تجاهل الحملة الإرهابية الأكثر تطرفاً في التاريخ الحديث، إن لم يكن في التاريخ بأكمله، وأكبر مثال عليه الحملة العالمية لأوباما باستخدام طائرات بدون طيار لقتل الأشخاص الذين يشتبه في أنهم ربما يوما ما يخططون لإلحاق الضرر بنا".
إضافة لما سبق فإن الفيلم يظهر الحروب في العراق واليمن وأفغانستان وباكستان كواجب يفعله الأمريكيون لبلدهم، من خلال قتل كل شخص قد يهدد أمريكا، واعتبار الحروب في السنوات العشر الأخيرة ضرورة، وأن استكمال القوات في عهد أوباما لمهمتها التي بدأتها في عهد بوش ضرورة ملحة، ولذلك فالنقاد سوف يدعمون آلة القتل بالدعاية ليكون لها تأثير أطول أمداً على عامة السكان، فوسائل الإعلام يمكن أن تكون أكثر تأثيرا من الحكومة في إدامة حالة محددة أو تهدئة عاصفة وشيكة.
ولكن أين الرقابة ونموذج حرية التعبير؟ ببساطة بدأت الأمور تأخذ سياقها، فبدأ "القناص الأمريكي" عروضه السينمائية الداخلية ثم شق طريقه إلى المسارح الخارجية وقد تزامن ذلك مع عقد المسيرات دعما لحرية التعبير في أوروبا ولمجلة شارلي إيبدو التي تنشر صورا مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتؤجج مشاعر أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم، ويتحد الآن العامة مع الزعامات ويقفون بكل وقاحة وإهانة وإذلال في وجه كل ما يمت للإسلام والمسلمين بصلة، ووجه أي شخص يجرؤ على انتقاد كل ما يخص سياسات تلك الحكومات، فيقف حكام البلدان الإسلامية جنبا إلى جنب في باريس مع آلات القتل الغربية للتعبير عن تأييدهم لحرية التعبير والمتمثلة بالجلد في المملكة العربية السعودية، والتدابير الأمنية في بريطانيا، والتجسس في مساجد الولايات المتحدة، وانقطاع التيار الكهربائي في الأردن،... والقائمة تطول. إن ذلك كله يمثل نموذج حرية التعبير والذي هو أساسا أكبر أسطورة في العالم أو أكبر كذبة لنكون أكثر دقة، وإن كان ذلك يخدم أهداف تلك الحكومات أو بعض الجماعات، فلا ضير في ذلك بل ويتم تشجيعها، (وبالرغم من أن الأمر هذا يهين ثلث الشعب فهم لا يوجد لديهم مجال إلا القبول به)، أما عند العودة للحديث عن العقل والحياء، فكيف يمكننا أن نتوقع حوارا قائما على التفكير العقلاني والخلق السليم والذين أصبحا الآن شيئا من الماضي في الثقافات الغربية؟ إذا طُلب شخص ما لمناقشة الأفكار السليمة والمفاهيم، يجب أن يتواجد شخص بعقل سليم، وكيف يمكننا أن نتوقع للمناقشة السليمة أن تأخذ مكانها في حين يتم الترويج، وعلى نطاق واسع، للخوف والكراهية في كل مكان على الشبكات "الاجتماعية" ووسائل الإعلام وشاشات التلفزيون، فضلا عن دعم الحكومات لتلك المساعي؟
إنها فعلا الأيديولوجية المنحلة فكريا، إذ إنها لم تعد تملك حتى الأفكار والقيم على أساس الخطاب المتحضر والأخلاق والتي تشمل التفكير العقلاني، وبالتالي يلجؤون إلى أساليب التخويف والترهيب لجعل السكان المسلمين يخضعون لنظامهم المعقد وطرق الحياة المتناقضة لديهم قسراً، لذلك فمن الضروري أن يقف المسلمون بعقيدتهم الإسلامية ومثلهم العليا لكشف أكاذيب الديمقراطية والحريات التي يجري الترويج لها في الغرب، وإظهار القيم الأساسية للإسلام، والتطبيق العملي لها لعلاج العقول والنفوس والعودة للإنسانية والحياء في المجتمع، ولبناء أيديولوجية لتنوير العقل والروح، وحين النظر إلى الماضي، نرى كيف أظهر الإسلام شمولية في التعامل مع جميع البشر ورفع البشرية جمعاء إلى الأعلى، وهذه الشمولية تتحقق بتنفيذ الإسلام كاملا كنظام في السياسات الداخلية والخارجية، كي نرى جميعا القدرة الحقيقية للإسلام في التسامح مع الآخر دون نبذ أو إهانة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منال بدر