الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  العنوسة.. مشكلة أم نتيجة!! بركان على سطح ساكن

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في دراسة أجرتها إذاعة هولندية لرصد أعداد النساء غير المتزوجات في الدول العربية، تصدرت لبنان هذه الدول بنسبة 85%، وتلتها سوريا بنسبة 70%، ومن المحتمل أن هذه النسبة تزايدت بسبب الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة. وفي دول المغرب العربي تقاربت نسب العنوسة حيث سجلت تونس نسبة 62%، ومن بعدها الجزائر بنسبة 51%، في حين أن نسبة العوانس في مصر بلغنَ 40% أي حوالي ثمانية ملايين فتاة من مجموع الفتيات في سن الزواج، أما دول الخليج فكانت دولة الإمارات في الصدارة حيث بلغت نسبة العوانس فيها 45%، بينما وصلت النسبة في السعودية إلى 45%. نسبٌ مفزعة تنبئ بخطورة المشكلة وبالحاجة الملحة لإيجاد حلول جادة لها..


إن الزواج، ذلك العقد الشريف الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لمصالح عباده ومنافعهم، تظفر منه المقاصد الحسنة والغايات الشريفة، وتُحفظ به الذرية والنسل، ويعفُّ من خلاله عما حرم الله، إلا أن التعقيدات التي تصحب الزواج الآن أصبحت محبطة لكثير من الشباب وأدت إلى تأخر سن الزواج والإعراض عنه سواء لدى النساء أو الرجال، وزادت نسبة العنوسة فأصبحت ظاهرة في بلادنا اليوم بشكل ينبئ بالخطر.. فلماذا أصبح الزواج قضية معقدة لدى كثير من الشباب؟ ومن يتحمل مسئولية هذه التعقيدات؟ أهُم الأبوان أم الناس، أم الدولة؟؟


يربط الكثير من الناس مشكلة العنوسة بغلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج وعدم توفر فرص العمل للرجال، مما دفع الكثير من الجمعيات إلى المساهمة في "مشاريع صناديق الزواج"، وتقديم قروض ومساعدات للمقدمين على الزواج وتجهيز الفتيات الفقيرات وإقامة حفلات زواج جماعي!! وبهذه النظرة الضيقة، تحاول بعض البلدان العربية معالجة مشكلة العنوسة بطرح حلول مرقعة ومبتورة..


فهل غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج هما السببان الرئيسيان أم إن النظام الرأسمالي الفاشل المطبق في بلادنا هو المنتج الأساسي لهذه المشكلة؟؟ هل الثروات والطاقات البشرية في بلادنا الإسلامية معدومة أم هو النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي عجز عن تلبية حاجات الناس وتوفير فرص العمل؟


وهل عزوف الرجال عن الزواج هي مسألة اختيارية أم إن البطالة وقلة ذات اليد وعدم القدرة المادية على توفير المسكن والمشرب والمأكل هي من تجبرهم على عدم المجازفة؟!


وهل استقلال المرأة المادي عن الرجل الذي تتغنى به بعض النساء العاملات يغنيهن عن حاجتهن للاستقرار وتكوين أسرة وحفظ النفس والعرض؟!


وهل الزواج المبكر جريمة في حق الزوجين!! ولماذا تعلن الأمم المتحدة الحرب على الزواج المبكر وتعتبره عنفاً موجهاً ضد المرأة؟ ولماذا أصبح من يفكر في الارتباط بالحلال محل سخرية واستهزاء ممن يحيطون به؟!


لماذا أصبح مجرد التفكير في الزواج يثقل الكاهل ويعتبره الناس عبئا غليظا؟ ولماذا أصبحت كلمة "أسرة" و"أطفال" مصدر عبء وإزعاج؟؟


إن مشكلة العنوسة ليست ناتجة فقط عن نظرة الأفراد للزواج.. وإنما هي وليدة عقلية سادت في الدول التي غابت عنها وجهة نظر الإسلام في الحياة لتصبح النفعية والمصلحة هي المقياس.. حتى أصبح أولياء الأمور يَزِنُونَ بناتهم بالمال ويشترطون على الخطّاب شروطا مجحفة ومعجزة. ولا يفكرون في هنائهن واستقرارهن خصوصا وأن مستقبل الفتاة صار مرتبطا بتعليمها وعملها بالدرجة الأولى. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثَلَاثَةٌ يَا عَلِيُّ لَا تُؤَخِّرْهُنَّ: الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إِذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا» والأيم: هي التي لا زوج لها. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».


إن أولياء الأمور يُعتبرون طرفاً في هذه المشكلة، إنْ هم عسّروا ما يسر الله وعقّدوا شرعه.. ومسؤوليتهم هي أن لا يؤخروا زواج بناتهم وأن لا يجعلوا المال فوق كل اعتبار.. فالبنت ليست هي سلعة تباع وتشترى بل هي إنسان يزف إلى إنسان..


صحيح أن المهر حق مالي للمرأة المسلمة على الرجل الذي يتزوجها، وصحيح أن الشرع لم يضع حدا لأدناه ولا لأكثره لكنه رغّب في تيسير المهور، واعتبر أن أكثر النساء يُمناً وبركة، هنّ أقلهن مهرا. فلأجل أن يحصَّن الشباب وتعفَّ النساء ويحافظ على المؤسسة الأسرية داخل المجتمع، لا بد من التيسير في طلب المهور، فلا يحسن بالمرأة أو وليها أن يفرض على الراغب في الزواج مهرا كبيرا يعجز عن تقديمه.


إن للإعلام دوراً أساسياً في هذه المشكلة فيما يروجه من المسلسلات والأفلام والبرامج التي تنفر من الزواج وتستهتر بمؤسسة الأسرة، بتصويره الحياة الزوجية بعيدا عن واقعها وعما يجب أن تكون عليه.. فإما أن يصورها على أنها كلها رومانسيات وأحلام وردية، أو أنها علاقة مبنية على المشاكل والنفور واللامبالاة!!


وكذلك بتصويره المرأة العزباء أنها نموذج للمرأة الحرة المستقلة بذاتها وبمالها عن سطوة الرجل.. بدعوى أن مستواها التعليمي والمادي يمنحانها الاستقلال عن فكرة "القوامة" وعن مؤسسة الأسرة، وفي المقابل يصور المرأة المتزوجة "ربة البيت" بأنها محرومة من الحياة ومتعها، تطالب بنفقتها على استحياء ومذلة في الوقت الذي تعتبر النفقة حقا لازما لها.. وبالتالي عمَّق الفجوة بين الشباب وفكرة الإقدام على الزواج.


إن مشكلة العنوسة هي مشكلة نظامٍ بالدرجة الأولى.. فواجب الدولة هو رعاية شؤون الناس في مصالحهم وأرزاقهم.. وواجبها معالجة مشاكل الناس وتلبية حاجاتهم الحياتية..


فالنظام الاقتصادي الرأسمالي سبّب الفقر والعوز وعدم القدرة على توفير الحاجات الأساسية فضلا عن الكماليات.. وعطّل طاقات الناس بتعطيل فرص العمل، وخلق لهم مئات المعوقات والمعرقلات وعسَّر عليهم حقهم في العيش الكريم، حتى أصبح التفكير في الزواج محبطا بالنظر للضغوط المعيشية..


كما أصبح الهدف من الزواج هو تحقيق قيمة مادية، وأصبحت تكاليف الزواج تجارة لنظام مستغل جشع.. فحرفه عن هدفه السامي وهو "المحافظة على النوع البشري".


ومع قصور النظام الاجتماعي الرأسمالي، فشلت الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية في تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس حين غُيِّب دور الدولة عن حل هذه المشكلة.. واقتصر على متابعة إحصائيات العنوسة التي تتضخم عاما بعد عام، وعلى تشجيع الزواج الجماعي والجمعيات الخيرية التي تقوم على ذلك!!


وفي الوقت الذي تكتوي فيه البلاد الإسلامية بنار العنوسة وسلبياتها، نجد (الأمم المتحدة) تسعى إلى نشر أفكار خبيثة تتنافى مع العقيدة الإسلامية، وتحارب عفة الرجال والنساء، فهي تعلن الحرب على الزواج المبكر، وتَعُدُّه عنفاً موجَّهاً ضد المرأة، وفعلا مذموما ينبغي القضاء عليه نهائيا، وفي الوقت نفسه تسعى لنشر الإباحية، والتأكيد على حق النساء في إشباع احتياجاتهن الجنسية بالصورة التي يرينها، وفي الوقت الذي تقتضيه الحاجة؛ بغض النظر عن المرحلة العمرية التي يمررن بها..


أفكار هدامة تُعقد لها عشرات المؤتمرات بحجة ما يسمى "الدفاع عن حقوق المرأة وتحريرها".


تلك الحرية "الشخصية" التي تسمح لها بتلبية حاجاتها بدون ضابط شرعي.. هي حرية تتنافى مع فطرتها التي فطرها الله عليها.. حرية أفقدتها الكثير من المعاني الجميلة في حياتها والتي أروعها "الأمومة"..


ومع ارتفاع نسبة العنوسة اليوم، وزيادة المغريات وعوامل التأثير السلبية في الحياة العامة، وبقاء غريزة النوع غير مشبعة، تضطرب حياة الشباب ويندفع مرضى القلوب إلى ارتكاب الفاحشة والتعدي على أعراض الناس بغير حق، وتزداد جرائم التحرش فينهدم البناء الاجتماعي والأخلاقي داخل المجتمع ويزداد الناس شقاء وإرهاقا فوق الذي يعانون..


وطوال تاريخ الدولة الإسلامية لم تكن هناك مشكلة اسمها "عنوسة"؛ ذلك أن النظام الاجتماعي في الإسلام نظم علاقة المرأة بالرجل والرجل بالمرأة بشكل يوافق الفطرة ويحقق الرضا النفسي والعقلي، فالإسلام جعل الزواج سكنا ورحمة ومودة بين الزوجين، وليس مالا وجاهاً ومركزاً مرموقا؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].


وروى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».


وما أروع ما صور لنا القرآن الكريم مكان الزوجية عند الزوجين في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾؛ فقد صور أن حاجة الرجل إلى المرأة وحاجة المرأة إلى الرجل، كحاجتهم إلى اللباس الذي يحقق لهما الستر والعفاف والوقاية والدفء.


فبهذه الأحكام وغيرها نظَّم الشرع الإسلامي العلاقات الزوجية وحافظ على مؤسسة الأسرة وحمى القلعة التي حصنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.


كما أن دولة الخلافة الإسلامية عملت على رعاية الأمة رعاية راشدة وحكمتها بنظام اقتصادي عادل يعالج الفقر ويوفر الرفاهية للناس ويمكّنهم من متع الحياة بما يوافق الشرع..


وما اكتوت الأمة الإسلامية بلهيب الرأسمالية الفاسدة المدمرة، وما أصابها من ضنك العيش إلا بضياع دولتها الإسلامية دولة الخلافة، ولن يعود إليها شرفها وعزتها وطمأنينتها إلا بعودة نظامها الإسلامي، نظام راشد خلافة على منهاج النبوة، والله نسأل أن يكون عوداً قريبا غير بعيد... اللهم آمين.


أعده للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فريق صفحة المرأة والشريعة على الفيسبوك

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع