السبت، 26 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

كلمة تونس في مؤتمر "المرأة والشريعة: للتمييز بين الحق والباطل" من الذي يحدد حقوق المرأة في العالم الإسلامي: الشريعة أم القانون الدولي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه:


أيتها الحاضرات الكريمات في البلاد التي نعقد فيها مؤتمرنا "المرأة والشريعة بين الحق والباطل" نحييكن أينما كنتن؛ كما نحيي جميع متابعينا في كل مكان، فالسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد:


لم يدخر أعداء الإسلام جهدا في التلبيس على الناس ليصرفوهم عن شرع ربهم، كذبوا وافتروا وشوهوا، وكان نصيب المسلمة وفيرا، أسهم مسمومة كثيرة أمطروا بها الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة لإدراكهم العميق لدورها المهم في الأسرة والمجتمع، فكان لزاما كشف هذه الأكاذيب وفضح تلك الافتراءات.


نعم.. إن آذار هذا العام مختلف عن غيره أيتها النساء؛ إذ بان فيه بالكاشف فشل التجربة النسوية في إنصاف المرأة؛ قرن كامل من الزمن ولم تنجح النسويات في رد أمور المرأة إلى نصابها أو إعطاء المرأة حقوقها كما يدعون.. وهذا أمر متوقع؛ فكيف لها أن تنصف المرأة وهي التي نشأت وثيقة الصلة بالاستعمار وملتحفة بعباءته!! فقد اقترنت دعوة مصطفى كمال لهدم الخلافة بدعاوى تحرير المرأة، وكلنا نعلم العلاقة الوثيقة بين مصطفى كمال وبريطانيا الخبيثة؛ كما اقترنت بها أيضا دعاوى المستعمرين في مصر وتونس وغيرها، ففي مصر على سبيل المثال كان اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني الراعي الرسمي للحركة النسوية: هو حامل لواء التحرير والتمكين للنساء بينما كان غرضه الحقيقي هو أن تظهر حضارته بأنها هي الحضارة المتفوقة فيترسخ بذلك الاستعمار الفكري الذي يعتبر أخطر من الاستعمار العسكري!!


ثم بعد ذلك تنوعت الأساليب وتعددت الوسائل لتصدير المفاهيم والقوانين الغربية لاستعمار البلاد والعباد؛ فكانت المعاهدات والاتفاقيات الدولية؛ وكانت المؤتمرات والأيّام العالمية، وكان أيضا الهجوم الشرس على أفكار الإسلام وأحكامه وخصوصا النظام الاجتماعي وكل ما يتعلق بالمسلمة؛ فصُوِّرت بضاعة الغرب وكأنها النور وما يخالفها الظلمات؛ صورت أنها التقدم والحداثة وما يخالفها الرجعية والتخلف! بل إنّ الأمر وصل إلى أن تبرر الدول المستعمرة احتلالها لأراضي المسلمين وسفكها لدمائهم الزكية بأنه سعي لتحرير المرأة المسلمة! وأبرز مثال على ذلك تبرير "جورج بوش الابن" حربه على أفغانستان بتحرير المرأة الأفغانية من سجنها في بيوت رجال طالبان!!!


أخواتي: ما كان الغرب لينجح في تسويق بضاعته في بلاد المسلمين لولا اعتماده على أدوات محلية: إذ تكفلت الجمعيات النسوية الحكومية منها وغير الحكومية بتنفيذ مآربه وتبنت جميع ما روج له من اتفاقيات ومعاهدات دولية كبروتوكولات حقوق الإنسان وكاتفاقية سيداو المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها.. ويلمس نجاح الغرب في بعض مساعيه من خلال تمكنه من أخذ مصادقة كثير من البلدان على تلك الاتفاقيات والتزامهم بها؛ هنا في تونس على سبيل المثال تمت المصادقة على سيداو منذ سنة 1985م مع التحفظ على بعض البنود التي تخالف الشريعة وفي 2011م رفعت الحكومة جميع التحفظات كما تم المصادقة مؤخرا على بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب!! وتم أيضا تغيير بعض بنود الدستور المصري مؤخرا بما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية مدعين أنه لصالح وحرية المرأة! هذه المرأة المضطهدة بسبب الأنظمة التي تدعي أنها إسلامية والعادات والتقاليد والقيم غير الإسلامية في بلادنا شرقا وغربا.. هذه الأنظمة التي سهلت عمل الغرب وحربه ضد الإسلام وأحكامه بل وساندته ودعمته في ذلك..


إن المدقق في تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يدرك مدى مخالفتها لأحكام ربنا وأنها تتضمن المفاهيم الغربية عن المرأة وتؤسس لنمط مجتمعي معين يخالف مخالفة جوهرية أحكام الإسلام؛ وهم يسوقون تلك الاتفاقيات بمكر وخداع لتظهر في صورة الضامنة لحقوق المرأة ومكاسبها؛ والعاملة على تحديث القوانين لصالحها، حتى انخدعت بذلك وظهر ما بات يعرف بـ"النسوية الإسلامية" التي تحاول قراءة نصوص الشريعة قراءة "متطورة" حسب زعمها لإصلاح المنظومة القانونية الإسلامية لتتلاءم مع مكتسبات الحداثة أي مع بضاعة الغرب الفاسدة!!


ولكن ولله الحمد أيتها الفاضلات؛ رغم عظم الجهود المبذولة من الغرب وأعوانه فقد بات اليوم واضحا أكثر من أي وقت مضى فشل النسوية ومؤتمراتها ومنظماتها واتفاقياتها في تحقيق ما تدعيه من أهداف. وإننا نسألهم هنا ونسألكن: هل وفوا ما وعدوا به حقا؟! هل حرروا المرأة وأعادوا لها حقوقها المسلوبة؟! هل قضوا أو على الأقل خففوا من مشاكل الفقر والجهل والمرض والعنف ضد المرأة؟! هل حققوا المساواة المزعومة أم كانت سرابا يحسبه الظمآن ماء؟! هل أثمرت قرارات وتوصيات مؤتمراتهم واتفاقياتهم زهراً أم علقماً مُرّاً كاوياً؟! هل أنتجت أسرا سعيدة هانئة أم أسرا متفككة تعيسة؟! هل ارتاحت المرأة بصراعها مع الرجل بحجة المساواة والتمكين أم ازدادت إرهاقا ومعاناة وإحباطا؟! هل أنصفتها القوانين البشرية الوضعية أم زادت من ظلمها؟! هل كانت ادعاءاتهم حول تحديث وإصلاح النظام الاجتماعي بحيث ناقضوا مفاهيم الإسلام طوق نجاة أم حبل موت؟!


الجواب أخواتي واضح فيما نراه من وضع المرأة الذي يزداد سوءاً وظلما ومعاناة، حتى لقد ظهرت حركة نساء ضد النسوية ممن تذوقن علقم ثمار "المساواة"، فلفظنها لفظ النواة وحملن شعارات من مثل أنا لا أحتاج للنسوية لأني لا أرى في الرجل عدواً.. أنا لا أحتاج للنسوية لأنها تهدم الأسرة وتحارب التقاليد الأسرية.. إلى غير ذلك من الشعارات الصارخة برفض تسلط النسوية على قضية المرأة واحتكارها لها... فهل بعد كل هذا الفشل فشل!!


وهنا يفرض تساؤل نفسه هل من مشروع آخر قادر على إنصاف المرأة في كل العالم تحتضنه النساء!؟ هل هناك مشروع يعطي للمرأة والرجل والطفل والمجتمع بكل أفراده حقوقهم بدون تمييز أحد على غيره حيث يعرف كلٌّ ما له وما عليه ضمن أحكام واضحة ثابتة منصفة؟! هل هناك أحكام تراعي إنسانية الإنسان وتعطيه حقوقه وتلزمه بواجبات حسب هذا الدور بحيث تسير عجلة الحياة بسهولة ويسر وهناء؟!


أجل أخواتي.. إن مشروع الإسلام العظيم هو المشروع الذي يظهر يوما بعد يوم أنه الرؤية السياسية الوحيدة القادرة على قلب الواقع وتغييره تغييرا جذريا فتنصف البشرية جمعاء برحمة الله وتنصف المرأة طبعا تباعا.. فهو من رب البشر وخالقهم والعالم بهم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.


أيتها المسلمات العزيزات الشامخات بإسلامهن في كل بقاع الأرض؛ لقد دار الزمان دورته وباتت بضاعة الغرب من فضل الله مكشوفة مفضوحة وبتّن بوعيكنّ وفطنتكنّ ترين الأمور بعين بصيرة ثاقبة؛ فآن الأوان إذن لتكنّ على الجبهات الأولى في محاربة الكفر وأعوانه: آن لكنّ أن تكنّ السد المنيع الذي يحول دون تنفيذ مخططاتهم الشريرة ومآربهم الخبيثة بلفظ كل اتفاقياتهم ومعاهداتهم؛ بلفظ مفاهيمهم الخاطئة ووجهة نظرهم المغلوطة عن الحياة؛ بلفظ القضايا التافهة التي أرادوا أن تكون همّ المرأة..


إن إسلامنا هو الحق المبين.. هو رسالة رب العالمين.. حقّ لنا أن نطاول السماء به رفعة؛ حقّ لنا أن نلفظ كل ما يخالفه لفظ النواة؛ حقّ لنا أن نكشف ونفضح ما يسمونه إصلاحا وتطويرا لأحكام الشرع ونتصدى له! ونعلنها مدوية في كل الأرض: بإسلامنا لن نفرط؛ لن نتنازل؛ لن نحيد.. كفاكم تشويها وتحريفا لديننا لم تعد تنطلي علينا حيلكم وأكاذيبكم بل لقد بتنا على يقين أن في إسلامنا المنفذ والمنقذ للبشرية جمعاء ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81].


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع