الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
افتعلوا للمرأة "قضيّة" ليصرفوها عن القضيّة!!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

افتعلوا للمرأة "قضيّة" ليصرفوها عن القضيّة!!

 

 


بعد الهزيمة النكراء التي حلّت به بعد حروبه الصليبية بان جليا للغرب أنّ الحرب على الإسلام وأهله والعمل على إزالة دولته لا تكون عسكرية ولا باستخدام سلاح مادي، فقد تكبّد خسائر جمّة جعلته يعيد حساباته ويسلك سبلا أخرى حتى يُنفّذ مخططاته للقضاء على هذا المارد ويُحكِم قبضته عليه حتى يقوده ويوجّهه كما يريد.


ولئن تعدّدت الوسائل وتنوّعت فالغاية واحدة؛ وهي إزاحة الحضارة الإسلامية من الطريق وحلول الحضارة الغربية بدلا عنها، فصارت الحرب حربا فكرية بعد أن كانت مادية، وتحوّل الصراع بين حضارتين متناقضتين صراعا حادا الغلبة فيه للحضارة التي ستفرض مفاهيمها على الناس فتتحكم في حياتهم وتملي عليهم وجهة نظرها.


من أهم المفاهيم التي سمّموا بها عقول الناس عامة والمسلمين خاصة مفهوم حرية المرأة الذي روّج له كثيرا وطويلا فسرى مسرى النار في الهشيم، وصارت للمرأة قضية لا بدّ من حلّها وإنصافها - كما يزعمون - بعد أن ظلمها الإسلام وجعل الرجل سيّدا عليها! مستدلين على ذلك بأحكام الحجاب والتعدد والميراث وغيرها... يلوون عنق النصوص ليشككوا فيها مستعينين بسفراء أعدّوهم خصيصا للقيام بهذا الدور ولتمرير مفاهيم فاسدة خاطئة بسلاسة لا يرفضها المسلمون بل يرونها لا تتعارض ودينهم، ثم ما يفتأ الأمر أن يتحوّل إلى رؤية منقوصة تشكك في بعض الأحكام وترى عدم مواكبتها للتطور وعجزها عن حل القضايا الراهنة.


بمكر ودهاء كبيرين جعل الغرب سفراءه وعملاءه يدعون إلى تحرير المرأة تحت عباءة الشريعة مؤكدين "إّننا نطلب تخفيف الحجاب وردّه إلى أحكام الشريعة الإسلامية، لا لأننا نميل إلى تقليد الأمم الغربية في جميع أطوارها وعوائدها فإننا نتمسك بعوائدنا الإسلامية ونحترمها، وإنما نطلب ذلك لأننا نعتقد أن لرد الحجاب إلى أصله الشرعي مدخلاً عظيماً في حياتنا" (تحرير المرأة، ص92-93)


ولكن إثر ذلك تحوّل خطابهم ليصل إلى النقطة "الهدف" فبعد أن كانت الشريعة هي الدافع وهي الهدف ومنها نقطة الانطلاق وبها الاهتداء وإليها الوصول صار تقليد الغرب نموذجا فريدا لا مثيل له لا بدّ أن نحتذي به "هذا هو الذي جعلنا نضرب الأمثال بالأوروبيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على أن نستلفت الأنظار إلى المرأة الأوروبية" (المرأة الجديدة، ص126). وبلغوا بذلك الهدف المرسوم آنفا وصارت الشريعة تاريخا ورؤية زمنية تجاوزها التطور والتقدم، وعليه لا بد من الاستعاضة عنها بأخرى تكون أكثر مواكبة، فأسسوا بذلك لحضارة الغرب ومفاهيمها... وأصبحت صورة المرأة الغربية المتمدنة هي نقطة البداية ومحطة النهاية التي يجب أن تصل إليها المرأة المسلمة.


فرسالة هؤلاء السفراء في بلاد المسلمين هي حل قضية المرأة المسلمة ولن يكون ذلك إلا بالسير على خطا الغرب في تعامله مع المرأة والأخذ بما حققه من سبق - كما يدّعي - في رفع شأنها وتحريرها، ولن تكون المرأة القديمة جديدة إلا إذا بلغتها. وبذلك تصبح القضية داءً ليس له من دواء إلا أن نربّي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها (المرأة الجديدة، ص125).


وبذلك أصبحت قضية تحرير المرأة المسلمة أرضية خصبة لغرس كل مناهج الغرب ونظرياته ورؤيته للوجود، وأصبح التحرير هو الصورة النهائية الغربية التي يجب إيصال المرأة المسلمة والمجتمع كله إليها ليصبح الغرب قدوة ومثلا ومقياسا وتتحوّل المرأة الغربية المرأة "النموذج" والمثال الأعلى.


تناول الغرب موضوع المرأة تناولا علميا فـ"كون المرأة تتعلم أو لا تتعلم وتعيش مسجونة في البيت أو متمتعة بحريتها، وتخالط الرجال أو لا تخالطهم وما هي حقيقة الزواج والطلاق وماذا يكون شأنها في العائلة وفي الأمة فهذه أولاً مسألة اجتماعية فهي بذلك مسألة علمية" (فالحكم فيها يكون للعلم الوضعي لا للحكم الشرعي) (المرأة الجديدة، ص144)


فعلى سفراء الغرب المخلصين إخراج هذا الموضوع وغيره من المواضيع من دائرة "الشرعية" وكونها مواضيع لا بدّ من معالجتها بالقرآن وأحكامه ليتحول إلى مسألة تُعَالَج بقوانين وضعية ونظريات تُبْنَى على العلم والعقل بعيدا عن الشرع وأحكامه ورؤيته وتفسيره، فـ"العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة" (إسماعيل مظهر، المرأة في عصر الديمقراطية، ص193)، و"العلم الصحيح - أي العلم الاختباري - دين أيضاً"! (شبلي شميل، النسائيات، ص176) وصار الإنسان - وحده بالعلم والعقل والتجريب - هو من يضع القوانين والتشريعات ويحدد الأخلاق الفاضلة (النافعة) والسيئة (الضارة)، (المرأة الجديدة، ص1) وأصبحت مسألة المرأة ترتكز على نسبية الأوضاع فمن سفور الوجه إلى العري الفاضح فقد كان العري في الماضي عيباً، أما "الآن" فلم يعد عيباً - كما قال د. عبد القادر القط - في اجتماع اتحاد الكُتَّاب (المصري) لمناقشة مصادرة كتاب "النبي" للشاعر الراحل جبران خليل جبران، ومن المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في التعليم إلى المطالبة بمساواتهما في الميراث، ومن المناداة بحريتها في الدخول والخروج إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة سواء وافق وليّ أمرها أو لم يوافق.


بهذا حاد هؤلاء السفراء العملاء بمسألة المرأة عن مسارها وألبسوها لبوسا غربيا غريبا عن الإسلام وأحكامه، اجتثوا النظرة الإسلامية للمرأة من سياقها ومن النظام الكامل الشامل الذي لا يمكن فهم أيّ جانب من جوانب الحياة وتسييره تسييرا يوافقه بمعزل عنه.


فالمسألة التي يطرحونها ويطلقون عليها "قضية تحرير المرأة" لم تكن وما كانت يوما تعنى بالمرأة ولا بتحريرها من القيود المزعومة الموهومة، بل هي ميدان واسع شاسع لصراع أبديّ بين عالمين مختلفين وبين وجهتي نظر للحياة متناقضتين: رؤية الإسلام لحياة صوّرها خالق عليم خبير خلق الإنسان ووهب له العقل والعلم حتى يحيا عيشة هنيئة بنبراس عقيدة "لا إله إلا الله" ينير دربه ويضيئه له بأحكامها العادلة الكاملة، وبين رؤية أخرى لا تعترف إلا بالعلم إلهاً ولا ترى صالحا إلا ما يأتي به عقل الإنسان...


لقد تغنّوا كثيرا بهذه "القضية" النكرة النكراء وما زالوا حتى يصرفوا المرأة المسلمة عن قضيتها الجوهرية.. عن قضيتها المصيرية التي بها تسترجع مكانتها الأصلية وبها تحيا حياة عز ورفعة وكرامة. فقدت المسلمة ما حظيت به من مكانة في ظل دولة الإسلام عندما غابت هذه الدولة وحلت مفاهيم الغرب ورؤيته للوجود محلّ المفاهيم الإسلامية الصحيحة... فخسرت المرأة المسلمة اعتزازها بالتشبث بأحكام ربها واعتزازها بلفظ ما جاءت به الشرائع الأخرى؛ سماوية أو وضعية؛ لأنها على يقين بأنّ دين الإسلام كامل شامل يقول سبحانه وتعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾. وحلّ محلّ هذا الاعتزاز اهتزاز وابتعاد عن الشريعة وأحكامها وبحث في شرائع بشرية منقوصة لتسقط بذلك في شباك الغرب ومؤامراته؛ غافلة عن طبيعة النظام الوضعي البشري الناقص وتناقضه مع طبيعة نظام ربها السماوي الكامل الذي أنصفها إنصاف خالق لمخلوقه؛ ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾. [سورة آل عمران: 195].


مؤامرة دنيئة بذيئة يسعى الغرب وسفراؤه والعاملون على إرضائه لتركيزها ولنشر سمومها بين المسلمين، وكانت المرأة وقضيتها الوهمية أرضية خصبة لترسيخها حتى تنبت المفاهيم الغربية الفاسدة الضاربة للشريعة الإسلامية وأحكامها وتحلّ مكانها وتصير السائدة القائدة تسيّر الكون برؤيتها الضالّة للوجود. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].


نداء حار أتوجّه به إلى كلّ مسلمة: أختاه لا تكوني لهم على دينك عونا وتنشري مفاهيمهم وتنادي بها من حيث تدرين أو لا تدرين، وتمسّكي بأحكام ربّك واعملي مع المخلصين من أبناء أمّتك على عودة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة حتى تطبّق أحكامه ويسود عدل ربّك فتُنصَفين وتُنصَف أمّتكِ المقهورة المغبونة في ظل هذا النظام الرأسمالي الظالم الغاشم!! حينئذ تعيشين حياة أمن وسعادة... وحينئذ تكونين قد ربحت فعلا قضيّتك!!!

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصامت

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع