- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ثورة الشام إلى أين...؟ (3)
الهُدن والمفاوضات:
تعقد الهدن عادة عندما يحصل بالحرب كر وفر، ولم يستطع أحد الأطراف أن يحسم المعركة. أما أن تكون الغلبة للثوار في أغلب المناطق ويوافقون على عقد هُدن فإن ذلك خطأ جسيم أو عدم وعي أو ضغوط خارجية من الدول الداعمة لبعض فصائل الثوار في الشام، وهذا هو المرجح؛ لأن ما حصل بعد العديد من الهُدن مثل حي الوعر بحمص من الدعوة لمفاوضات انتهت بالذهاب للرياض بالسعودية، أما وقد تراجعت إيران وحزبها مدحورين أمام الثوار مما أدى إلى تدخل روسيا لعلها تنقذ الموقف، وعملت ضجة إعلامية، واستعراض عضلات بضربات جوية لم تفض إلى شيء يذكر في ساحات المعارك، لم تجد أمريكا سوى ما تم تداوله من استمرارية للهدن السابقة ومفاوضات موسعة بشكل أكبر من جنيف واستمرارية لها، وكل ذلك خوفا من سقوط مفاجئ لبشار لا تحمد عقباه، وتفلت المنطقة من يد أمريكا.
مؤتمر الرياض:
وهنا نجد أمريكا تأمر عملاءها في السعودية لعقد مفاوضات بين الفصائل الموافقة على الحل المطلوب أمريكيًا ودوليًا والمفضي إلى دولة مدنية علمانية، وكان ما كان من توقيع لاتفاقيات تفضي للجلوس مع الجزار بشار على طاولة واحدة خلال أسابيع قليلة، وبالفعل وضمن بروتوكلات شكلية تم التوقيع على مؤتمر الرياض من موقعين لا يمثلون أهل الشام تمثيلاً حقيقيًا، ولا حتى الثوار الذين ينضمون لتلك الفصائل والكتائب الثائرة، فمن يضحي بدمه وكل ما يملك في حياته لا يمكن أن يقبل بدولة مدنية تحكم بأحكام الكفر، ويقبل بالجلوس بمفاوضات مع زبانية جزار الشام الذي تخلى عن إنسانيته، ولذا فإنه من المؤمل أن يتراجع قادة الفصائل حال عودتهم للثوار إلى أرض الشام عما تم التوافق والتوقيع عليه، والله نسأل أن يهدي القادة سواء السبيل، وأن لا يبيعوا ويشتروا بدم الشهداء والأطفال، وإلا فعلى الثوار المخلصين أن ينْزعوا يد الطاعة من قادتهم الموقعين على مقررات مؤتمر الرياض.
ثورة الشام ودول الجوار:
ابتدأت ثورة الشام مثل باقي ثورات الربيع العربي، أي مجرد شعارات تطالب بالحرية والكرامة وبعض المطالب الإصلاحية، ولكن كما أسلفنا فإن انفصام الحكام العملاء عن واقعهم وأمتهم جعلهم يتفرعنون وأسيادهم لدرجة الاستهزاء بأمة الإسلام المقيدة منذ قرون، ولذا كانت معالجاتهم بعيدة عن الكياسة والفطنة، بل متغطرسة ومتوحشة ولا إنسانية، فكان البطش والتقتيل، وهنا انتشرت الثورة إلى غالبية مدن الشام، وتدخلت كل دول الجوار كل حسب مصالحها ومعاداتها وصداقتها مع النظام، وللعلم فإن كل حكام الجوار لا يمثلون أنفسهم لأنهم عملاء لأسيادهم، ولذا كانوا يمثلون أسيادهم.
ثورة الشام ومشروع استعادة الخلافة الإسلامية:
حدثت ثورة الشام سلمية، وتعسكرت بفعل النظام وبطشه وأسياده الأمريكان الذين لا يأبهون بقتل المسلمين حيثما كان، ولما طال أمد الثورة لشهور كان لا بد من سند ومشروع فكري يغذيها، وهنا كانت الظروف الفكرية، والعمل السياسي بالشام من أيام حافظ أسد قد قُتِلا وأعدما بكل أشكالهما وأطيافهما، إلا ممن اعتاد أن يعمل فكريًا وسياسيًا بلا ترخيص وتصريح وموافقة النظام على وجوده، فكان حزب التحرير يعمل في الشام ومدنها وقراها مثل باقي بلاد المسلمين بلا إذن من النظام، فكان شبابه يبثون الفكر بين أهل الشام، ولكن بكل حذر وحيطة من باب المحافظة على ديمومة العمل، والأخذ بالأسباب لعدم الوقوع بيد الأجهزة الأمنية، ولذا حال تحرر مناطق كبيرة من حكم طاغية الشام بشار، فقد أصبح العمل بأريحية أكبر وبأساليب ووسائل أفضل وأكثر، وهنا تم فتح المكتب الإعلامي لحزب التحرير في سوريا، فكانت تعقد الحلقات، وتعطى المحاضرات والندوات ودروس المساء بشكل شبه طبيعي ومنقطع النظير، فأصبحت كثير من المناطق تحتضن مشروع الأمة الإسلامية ألا وهو استعادة خلافة المسلمين التي هدمها الكافر المستعمر، وتم بعد ذلك تقسيم بلاد المسلمين إلى بضع وخمسين دولة وعَلَم وحاكم، وكلهم يدرسون على يد معلم واحد وهو سيدهم المستعمر لبلاد المسلمين.
ثورة الشام.. الفكر والوعي أم السلاح والمال؟
لا بد لأي ثورة أن يكون لها ابتداءً فكرة تقوم عليها وتعيها، وإلا استنفدت طاقتها مهما ملكت من المال أو السلاح، فالثورة لا تقوم بالمال ولا بالسلاح، فأكثر المال يكون سياسيًا، ولذا يستعمل لحرف الثورة واستمالة قادتها للمشاريع الاستعمارية المضللة، وخصوصًا تلك التي تلبس ثوب الناسك، أو قميص عثمان كما يقال، وهنا لا يمكن ضمان سلامتهما، وحسن المصدر والأهداف الاستراتيجية التي ستطلب وتفرض مستقبلاً، فهي تأتي ابتداءً من صديق ثم تصبح إدمانًا، ومن ثم بالقطارة لتنفيذ مطالب سياسية تؤدي إلى حرف الثورة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهذا عين ما يحصل هذه الأيام مع بعض قادة الفصائل الذين يفاوضون من أجل إيجاد هدنة أو سبيل للقبول ببشار والجلوس معه، من أجل مكاسب سياسية هي عبارة عن تحصيل حاصل، وأهم مطلب لأمريكا هو القبول ببقاء الأجهزة الأمنية والنظام، ولو دون بشار لحين إنهاء الثوار: الواحد تلو الآخر على أساس "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". أي أنني هلكت يوم فرطت بأخي. أما الثورة القائمة والمبنية على أساس فكري عقدي واضح فهي كالمهندس الذي يعمل مخططه بأدوات هندسية، وذاك الذي يعمل دونها، فشتان بينهما فكل زاوية يجب أن يعرف كم درجتها وأن تكون الخطوط مستقيمة، وذاك لبيان الخطأ من الصواب فيصحح، فهذا عمل البشر يجب أن يكون كذلك، فما بالك عندما تكون العقيدة ربانية سماوية لا يأتيها الخطأ من بين يديها ولا من خلفها، والنتيجة والهدف نصب أعين الثوار والمخلصين، فالذي سيحرف الثورة أو يسرقها، سيُكشف في الحال لأن بوصلة الثورة موجودة وواضحة، ولا أحد يستطيع سرقتها لصالحه أو حزبه أو الدولة التي تدعمه، فالثابت الفكري والعقدي قطعًا سينفي خبثه، وينهي أي محاولة لإنهاء الثورة دون نجاح وتحقيق الأهداف الفكرية والعقدية التي يؤمن بها الثوار، لا الأهداف الفكرية والعقدية العلمانية، ولا ما يريد الكافر المستعمر وعملاؤه، وعليه فإن الفكر العقدي هو محور الثورة وأساسها الذي يؤدي للنجاح والنصر بعون الله تعالى.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد نايل حجازات – الأردن
لقراءة الجـزء الأول اضــغـط هــنــا
لقراءة الجـزء الثاني اضــغـط هــنــا