الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة

 

الجزء الثاني

 

كيف طوّرت الحركة النسوية ازدراءها للزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية

غياب الحقوق في الزواج وعرض الأدوار الزوجية التقليدية من وجهة نظر هرمية

 

(مترجم)

 

ناقش الجزء الأول من هذه المقالة كيف كانت الأفكار المدمرة والهدامة للحركة النسوية، ولا سيما مفهوم المساواة بين الجنسين، عبارة عن حبة سامة مغلفة بالسكر تم ترويجها للنساء والمجتمعات تحت مسميات "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين". ومع ذلك، في الحقيقة خدمت كواحدة من أكثر القوى المدمرة على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة. كما ناقش عدد من الذين احتضنتهم الأمة المسلمة المثل العليا للنسوية، وفشلوا في إدراك أن النسوية قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقمع وغياب الحقوق الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل النظام العلماني الفاسد الذي صنعه الإنسان والذي لا يشابه الإسلام لا في التاريخ ولا الخبرة.

 

وسيتناول الجزءان الثاني والثالث من هذه المقالة شرح كيفية نشوء اعتداء الحركات النسوية على الزواج ووحدة الأسرة التقليدية، وتناقض ذلك مع الآراء والقيم ووجهات النظر والأحكام المتميزة للإسلام المتعلقة بالمرأة والزواج والحياة الأسرية.

 

1- غياب حقوق المرأة في الزواج:

 

في العصر الفيكتوري، عندما تتزوج المرأة - في نظر القانون - تختفي أساسا من الوجود، وتصبح ملكا لزوجها عند الزواج، وتمنح حقوقها قانونيا لزوجها، الذي كان يمكن أن يعاملها أساسا بناءً على رغبته في ذلك. وبالتالي فبمجرد الزواج، تعامل العديد منهن معاملة العبيد. وتسلم المرأة ملكية ثروتها وأية أجور كانت تستلمها إلى زوجها الذي سيتحكم في ممتلكاتها وأموالها. وعلاوة على ذلك، فإنه من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، أن تطلّق المرأة نفسها من زوجها، حتى وإن كان مسيئا أو غير مخلص لها؛ وفي الواقع، يمكن أن يكون الزوج عنيفا تجاه زوجته دون خوفه من الملاحقة القضائية. كما أنها ليس لها حقوق في حضانة أطفالها.

 

ونتيجة لحرمان المرأة من حقوقها في الحياة الزوجية، ينظر أنصار ومؤيدو الحركة النسائية الأوائل إلى الزواج ووحدة الأسرة بوصفهما شكلا من أشكال استرقاق المرأة واستعباد الرجل لها. وعلى سبيل المثال كتب فريدريك إنجلز - الفيلسوف الألماني الشهير والعالم الاجتماعي - في القرن التاسع عشر، في كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" أن "الأسرة الحديثة الفردية تقوم على عبودية الزوجة المكشوفة أو المخفية"، وأنه عند الزواج، "يتولى الرجل الأمر في المنزل أيضا"؛ وقد تدهورت حالة المرأة وانخفضت إلى درجة العبودية؛ وأصبحت عبدا لشهوته ومجرد أداة لإنجاب الأطفال.

 

وعارضت الحركات النسوية أيضا مفهوم تقييد العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في حدود الزواج. ووصفوا ذلك بأنه يخنق ويحد من حرية المرأة وسعادتها وسرورها، ودعوا إلى "التحرر الجنسي" للمرأة، كما أيدوا أيضا حق المرأة في الإجهاض، محتجين بأن الرقابة الكاملة على الإنجاب للمرأة شرط أساسي لأي شيء كالمساواة.

 

ولم يفهم المسلمون الذين تبنوا التحفظ النسوي تجاه الزواج، واعتبروه شكلا من أشكال استعباد المرأة واستعباد الرجل لها الذي يحتاج إلى التصحيح من خلال الدعوة إلى المساواة بين الجنسين في الحياة الزوجية. إن الإسلام لم ينظر للزوجة على أنها ملك يمين أو أمَة للزوج، ولكنها حافظت على أنها كانت صاحبة زوجها وكيانا قانونيا ولها حقها الشخصي. وبالتالي، فإن المرأة في الإسلام لا تزال تملك الملكية والسيطرة الكاملتين على أموالها وأرباحها وممتلكاتها، بينما لا يحق لزوجها الاستيلاء على أي جزء من دخلها أو أصولها أو أموالها. وعلى سبيل المثال، تؤكد السجلات القضائية العثمانية في ظل حكمها الإسلامي أنه وبموجب أحكامها لا يمكن لأحد، بما في ذلك الزوج، أن يبيع أو يستأجر أو يستخدم ممتلكات المرأة، أو ينفق ثروتها بدون موافقتها، وإذا حصل ذلك، فإنها تستطيع أن تقاضيه في المحكمة. وتمكنت المرأة أيضا من تنفيذ وإبرام عقودها الخاصة والتماس الإنصاف القضائي في المحاكم، بمعزل عن زوجها. وبالإضافة إلى ذلك، أعطى الإسلام المرأة الحق في طلب الخلع وأخذ زوجها إلى المحكمة لارتكاب أي فعل من أفعال الإساءة أو حتى الإهمال أو التقصير في تحمل مسؤوليته عن توفير المهر الذي تقرر لها بالزواج، وتقدم السجلات القضائية لدولة الخلافة العديد من الحالات والقضايا التي توفر أدلة واضحة على كل ذلك. وأيضا تمنح المرأة في الإسلام حضانة أطفالها عند الطلاق إذا كانوا دون سن التمييز، وإذا كانوا فوق هذه السن، عندئذ يعطى للطفل الحق في اختيار أي الوالدين يرغب في العيش معه.

 

وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين الذين أيدوا حق المرأة في الإجهاض على قدم المساواة مع الغرب، لم يفشلوا فقط في إدراك مدى بشاعة وفظاعة جريمة إجهاض حياة ذات روح في نظر الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضا أن "الإجهاض" يعد أحد العواقب الليبرالية الفظة للحريات الجنسية ووجهة النظر الخاطئة من السعي للحصول على المتعة في كل شيء، وهي وجهة نظر مزقت بنيان الأسرة، ودمرت حياة الأطفال، وزرعت الخراب والفوضى داخل المجتمعات. ومن ثم، فإن إضفاء الشرعية على الإجهاض ليس حلا للمشكلة، ولا يعد رمزا للتقدم بالنسبة للمرأة أو حتى الدول، بل هو بالأحرى عمل مليء بالاضطرابات العاطفية والشعور بالذنب، ونتيجة لطريقة ونمط حياة فاشل.

 

2- النظر إلى الأدوار الزوجية التقليدية من منظور هرمي:

 

نظرت الحركات النسوية الغربية إلى الهيكل والبنية الأسرية التقليدية للرجل بصفته رب الأسرة الذي يتوجب على المرأة أن تطيعه، كرمز للسلطة البطريركية (الأبوية) والسلطة الذكورية والهيمنة على المرأة، فضلا عن أنها تحط من قدر ومكانة المرأة.. وكان الأمر يتعلق إلى حد كبير بسببين: أولهما، كما سبق مناقشته أعلاه، كان ذلك يرجع لكون المرأة في الدول العلمانية الغربية عاجزة ومحرومة من العديد من الحقوق الأساسية عند الزواج، فضلا عن خضوعها لأي من نزوات زوجها مع القليل جدا من حق الانتصاف إذا ما واجهت الظلم الواقع عليها، ونتيجة لذلك استخدم العديد من الأزواج مركزهم كرئيس للأسرة لاستغلال زوجاتهم وإساءة معاملتهن، مع العلم بأنه لن تكون هناك أية تداعيات قانونية. ثانيهما، لأن تلك الحركات النسوية تنظر إلى التنظيم التقليدي للأدوار داخل الوحدة الأسرية من منظور التسلسل الهرمي، حيث ينظر إلى الرجل على أنه متفوق على المرأة بسبب كونه رباً للوحدة الأسرية. ونتيجة لذلك، اعتُبر الدور التقليدي للمرأة كربة بيت وراعية للأطفال مهينا وأقل من دور الرجل المعيشي التقليدي للأسرة. وكان هذا الرأي هو النتيجة الطبيعية لكون الرجال يعتبرون متفوقين على النساء في المجتمعات العلمانية تاريخيا. إضافة إلى ذلك، يصنف الرجال والنساء في أدوار مختلفة استنادا إلى وجهة نظر خاطئة نحو طبيعة الجنسين. فالرجال على سبيل المثال ينظر إليهم على أنهم يتمتعون بالقدرة على الاستدلال والعمل والقوه الفكرية والاستقلال في فكرهم، ومن ثم فإنهم مجهزون للعمل في الحياة العامة وليكونوا رب الأسرة. وفي الوقت نفسه، ينظر إلى المرأة على أنها عاطفية وغير عقلانية وسلبية، ولها صفات الخضوع والتبعية، وبالتالي فهي مقتصرة على المجال الخاص. حتى إن ما يسمى بـ"المفكرين المستنيرين" من العلمانية الغربية مثل فولتير، روسو، ديدروت، ومونتيسكيو وجدوا أنه من المستحيل أن نفهم أن المرأة كان لها نفس القيمة والفكر مثل الرجل. ووصفوا المرأة بأنها غير قادرة بحكم طبيعتها على تطوير كلية والتفكير والاستدلال الكاملة، وصورتها على أنها مخلوقات عاطفية وبالتالي غير ملائمة للمجال العام. ومن ثم، فإن الحركة النسوية هاجمت الهيكل الأسري التقليدي، بحجة أنه يروج للفكرة القائلة بأن المرأة ضعيفة وأقل وأدنى شأناً، وأنه لا ينبغي لها أن تقبل علاقة يكون فيها التسلسل الهرمي للسلطة غير متكافئ.

 

وضمن الأمة الإسلامية، بدأ الأشخاص المتأثرون بأفكار الحركة النسوية يعتقدون أن تنظيم الإسلام وتفريقه بين أدوار الجنسين وحقوقهم في إطار الزواج والحياة الأسرية كان غير عادل وأمراً مهيناً للمرأة. فقد هاجموا مفهوم القوامة الذكورية في الإسلام وواجب الزوجة في طاعة الزوج. ودعوا أيضاً إلى صياغة الواجبات والحقوق في الزيجات الإسلامية على أساس المساواة بين الجنسين - وعلى سبيل المثال أن يتقاسم الرجال والنساء مسؤوليات كسب المال من أجل الأسرة وتربية الأطفال، وأن أحكام الميراث والطلاق يجب أن تكون هي نفسها للجنسين.

 

لكنهم فشلوا في تقدير أن الإسلام، بخلاف الدول الغربية العلمانية، ينظر إلى الرجال والنساء على الدوام حسب قيمهم ومكانتهم وفكرهم، وأنهم يستحقون نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: 72]. وقال رسول ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ».

 

وبالتالي، فإن وصف الإسلام للرجل بأنه رب الأسرة لا يستند إلى مفهوم تفوق الذكور وهيمنتهم، بل إلى مفهوم القوامة والمسؤولية الثقيلة في العناية بزوجته وأسرته وحمايتهم وإعالتهم. وعلاوة على ذلك، فإن تفريق الإسلام في الأدوار والواجبات والحقوق المختلفة للرجل والمرأة في الزواج والحياة الأسرية لا يستند إلى أي نوع من التسلسل الهرمي للجنسين بل إلى ما هو مطلوب للتنظيم الفعال للوحدة الأسرية بحيث تحقق وتلبي احتياجات جميع أفراد الأسرة على نحو فعال وتحقيق الانسجام في الحياة الأسرية. كما أن الإسلام لا يحدد دورا فوق الآخر بل ينظر إلى جميع الواجبات المحددة على أنها مكملة لبعضها البعض وضرورية للنجاح في عمل وحدة الأسرة. إضافة إلى ذلك، فإن المسؤوليات المحددة التي تقع على عاتق الرجل لا ترتبط بالنجاح والمكانة الأكبر من تلك التي تحدد للمرأة؛ بل إن النجاح والمكانة في هذه الدنيا وفي الآخرة يقاس وفقا للجهد المبذول في أداء الواجبات التي يأمر بها الله سبحانه وتعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.

 

سيواصل الجزء الثالث من هذه المقالة مناقشة كيفية تطوير الحركة النسوية لازدرائها للزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية. وستتناول كيف ترى الحركة النسوية أن الاعتماد الاقتصادي على الزوج لا يتلاءم مع تحرير المرأة، فضلا عن اعتقادها بأن الأدوار المنزلية والأمومة هي مضيعة لمواهب المرأة، مما دفعها إلى محاولة تفكيك هيكل الأسرة التقليدية.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتورة نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع