الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الرأسمالية وحقوق الطفل: خطان متوازيان لا يلتقيان!


(الجزء الأول)

 


إن مرحلة الطفولة مرحلة حرجة من مراحل حياة الإنسان، فالطفل هو الحلقة الضعيفة لأنه يحتاج إلى تنشئة وتربية ورعاية مستمرة وإن لم تكن على النهج الإسلامي القويم ضاع الطفل وأصبح معول هدم للبشرية بدلاً عن أن يكون خليفة الله في الأرض، والواقع أن الأطفال يصبحون رجال ونساء الأجيال الذين يمثلون خط الحياة والحلقة القوية لبني الإنسان، فهم ثروة البشرية الفكرية ومستقبلها الذي يحفظها من الفناء، وهم قادة وعلماء وسياسو المستقبل ومن يشكلون ركائز النهضة بالإنسان وأساسها، إن لم يُنشأوا نشأة مستقيمة طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وهذا بالضبط ما آل إليه حال البشرية اليوم بدءاً بالأنظمة الرأسمالية الحاكمة كافة ونهاية بالأطفال حول العالم التي غلب عليها الكفر والبُعد عن الخالق عز وجل وسطحية التفكير وتفاهة الأهداف التي انحصرت في إشباع الرغبات الدنيوية من سُكرٍ وزنا وإدمان مخدرات وجرائم واستغلال جنسي وشذوذ وازدواجية وخلط في أدوار المرأة والرجل وعلاقات محرمة وأطفال لقطاء وعنف وتفكك أُسري وعنصرية وانتهاك لكرامة وعقل الإنسان بإلغاء حاجته إلى الدين وإلى القوانين الربانية وفصله تماماً عنها بحجة الحداثة والحريات، فكانت النتيجة ما نلمسه اليوم من حيرة وضياع الهوية وانتشار الفراغ الروحي والملل والإحباط والاكتئاب والضياع والانتحار بين الأطفال والشباب في بلاد الغرب الكافر، بالرغم من التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي، وذلك لأن كبار الكفار قد انشغلوا في جني الأموال وتقديس الحريات المدمرة وتهميش احتياجات الطفولة الحقيقية من رعاية وحنان واهتمام على أساس منهج رب العالمين، بل وسنوا قوانين تحفظ حياة الهمجية هذه؛ حتى ساءت حياة الأطفال وأصبح الحيوان منعّماً في الغرب أكثر من الطفل!! ولما كان الدستور والقانون يُمثلان السلطة الحاكمة والتنفيذية في البلاد وجب أن نبحث بعمق في تناقضات نراها؛ فالإنسان اليوم في انحطاط مع أنه يعيش قمة التطور التكنولوجي! ولنحلل القوانين الغربية التي يتبجح الغربيون بها ويتندرون على المسلمين على أنها قوانين حفظت الحريات وحفظت الحقوق بينما الإنسان البالغ اليوم عامة والطفل خاصة يعيش أزمة هوية وانتماء طاحنة! ولا يشعر بأمن وأمان ولا يجد من ينصفه في خضم سياسة المصالح السياسية المشتركة ولا حتى القانون!


والناظر إلى اتفاقية "حقوق الطفل" وهي "معاهدة دولية للأمم المتحدة، وتحتوي على 54 مادة، توضح حقوق جميع الأطفال، مثل: الحق في الصحة، وحرية التعبير، والحق في التحرر من العنف، والحق في الخصوصية، وغيرها من الحقوق الكثيرة، ويتم تعريف الطفل على أنه جميع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 0-18 عاماً، وقد تم المصادقة على الاتفاقية من قبل جميع دول العالم، ما عدا أمريكا، والصومال"، إن الناظر فيها يرى الفرق الشاسع بين القوانين الموضوعة وبين ما يحصل للطفل في العالم: "..وقد بيّنت أنه يجب أن يتمتع الأطفال بحقوق الإنسان الأساسية كحق البقاء، وحق النمو، والتطور، وحق الحماية من الأضرار، بالإضافة إلى الحماية من المعاملة السيئة وأي استغلال، ومن الحقوق الأخرى المشاركة في الأسرة وفي نشاطات الحياة الثقافية، والاجتماعية، كما حمت الاتفاقية الأطفال عن طريق وضعها لمعايير خاصة برعايتهم صحياً، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والمدنية، والقانونية لهم، كما أقرّت حقهم في التعليم، بالإضافة إلى العديد من الحقوق الأخرى. وقد تقرّرت معايير الاتفاقية وبنودها عبر حدوث مفاوضات استمرت لأكثر من 10 سنوات بين حكومات الدول، والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى أنصار حقوق الإنسان، والباحثين الاجتماعيين، والمحامين، وعلماء التربية، ومسؤولي الصحة، واختصاصيي تنمية الطفل، والزعماء الدينيين من مختلف أنحاء العالم. وقد نتج عن هذه المفاوضات اتفاقية حقوق الطفل بكامل بنودها حاملة أهم التقاليد والقيم التي تقوم بشكل أساسي على حماية الأطفال والحفاظ على كرامتهم الإنسانية، كما عكست الاتفاقية معظم الأنظمة والقوانين العالمية، واهتمّت بشكل كبير في احتياجات أطفال الدول النامية، كما أنها ركزت على حق الطفل في الحصول على الاحترام دون تحيّزٍ أو تمييز لعرقه، أو جنسه، أو أصله. بنود اتفاقية حقوق الطفل تضمنت اتفاقية حقوق الطفل 54 مادةً تُعنى بحقوق الأطفال في مختلف المجالات ومن مختلف أنحاء العالم، وقد جاءت هذه المواد أو البنود في ثلاثة أجزاء..." (اقتباس من اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، تاريخ بدء النفاذ: 2 أيلول/سبتمبر 1990، وفقا للمادة 49. نقلاً عن موقع الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامي) للاطلاع على المواد كاملة: (https://www.ohchr.org/ar)


ونتساءل إذا كان ما جاء في هذه المواد من الاتفاقية (بعد عشر سنوات تداولات!) هي فعلا مواد مفصلة عن حقوق الطفل أم عبارات منمقة وشعارات براقة فارغة المضمون؟ فالمواد "تُلمح" من بعيد إلى دلالات عامة معانيها فضفاضة وغير واضحة؛ فالعاقل يعلم أننا إذا أردنا صياغة مواد لحفظ الحقوق وجعلها قوانين تُطبق بواسطة السلطة على العباد ستكون صياغتها واضحة، والمسؤولية التي تقع على عاتق من سينفذ هذه القوانين ستكون مسؤولية محددة لا لبس فيها وذلك للمحاسبة والمعاقبة على التقصير، أما جعلها مسؤولية عامة مائعة فإنه يؤدي إلى الفوضى وضياع الحقوق؛ فما هو دور الدولة وما هو دور المجتمع وما هو دور الأفراد تجاه الطفل؟ وما الأسباب التي تؤدي إلى ضياع حقوق الطفل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية وضياع حقه في الرعاية الصحية وحقه في العيش في بيئة نظيفة وفي أمن وأمان بعيداً عن بطش الحكام إن هو تمرد على الأوضاع الفاسدة؟! وبعيداً عن حياة التسول والتشرد والشوارع؟! فالأولى أن تُناقش الأسباب لمنع حدوث المشكلات من الأساس. هذا معنى قانون، ومعنى دستور، فالقانون يجب أن يكون وقاية وليس علاجاً فقط، فالقانون الحاسم يجد الحل الذي يطابق الواقع ويصبح معالجة قبل أن تقع المشكلة ويكون حماية ويكون قصاصاً، فالقانون يتحقق به العدل ويحفظ الحقوق ويبين الواجبات، والقانون ليس تنظيرات منعزلة عما يجري على أرض الواقع، وليس هو قصصاً إعلامية للشهرة وحوادث فردية يغض المجتمع عنها الطرف! وهو ليس أعمالاً خيرية تدر الأموال على لجانها التي تنشأ لحل القضايا بالعشرات، ويكون الطفل ريثما يبحثون عن حل قد مات هماً وجوعاً وفقراً وانتهاكاً!!


والمشكلة في هذه المواد أنها في حقيقتها آراء شخصية تَوافق عليها حكام البلاد لعله بالتصويت عليها، هؤلاء الذين يُطبقون نظام الحكم الرأسمالي بالتواطؤ مع القائمين على أعمال منظمة الأمم المتحدة؛ أي من وضع هذه المواد التي أصبحت قوانين (مفترض أنها نافذة) هم كفار أو ملحدون، وهم حُكام ظالمون لرعاياهم همهم الكسب والربح المادي وتثبيت كراسيهم في الحكم وينشرون مبدأهم العلماني المتهتك باستعمار بلاد المسلمين ونهب ثرواتها! فلم يكترثوا للطفل وحقوقه بل داسوا على قوانينهم في سبيل منفعتهم المادية وتجاهلوا معاناة الأطفال! فالأطفال يُقتلون بمئات الآلاف في الحروب المفتعلة على المصالح السياسية يومياً ويُقتلون بالمجاعات إثر الأزمات الاقتصادية بسبب الدولار الأمريكي، وتقتلهم تجارة الأعضاء التي أصبحت تجارة عالمية لا تمنعها الحدود ولا الحكومات، وتنتهك كرامتهم التجارة بأجساد الأطفال في الدعارة والاستغلال الجنسي للطفل؛ هذه تجارة أخرى عالمية لا تتطرق إليها مثل هذه الاتفاقيات بل تجعلها مجرد قضية يجب النظر فيها وتعلن عن قلقها واستنكارها للحادثة وتأخذ سنوات وسنوات للتحقيق فيها وإصدار الحكم في هذه الجرائم ومعاقبة المجرمين، ولا توجد حالياً عقوبات تناسب هذه الانتهاكات الصارخة! بل هؤلاء البشر يختلفون في تحديد العقوبة وتخفيفها والجاني يُصبح الضحية وتضيع القضية! وليس غريبا أن يعجز الإنسان عن وضع قانون يحقق العدل لجميع الأطراف، فالإنسان عاجز وناقص وممتلئ بالتناقضات. فالقوانين العادلة هي فقط قوانين رب البشر فهو سبحانه اللطيف الخبير بأحوالهم.


أما نتائج هذه القوانين الغربية الوضعية التي أساسها فصل الدين عن الحياة والتي جعلت أهم ما فيها النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي الذي يقوم على أنانية الإنسان الأبيض وحبه لذاته المغرورة حتى استساغ مص دماء الناس دونه بالتآمر مع الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين تارة وبممارسة البلطجية السياسية والعسكرية والاقتصادية والضغط عليهم لتحقيق مصالح الغرب الاستعماري الكافر المادية - ليعيش الإنسان الأبيض في رفاهية - ونهب ثرواتهم تارة أخرى! بالتالي هي قوانين وضعية فاشلة انتقائية لا تصلح لكل الناس، فحال أطفال المسلمين في اليمن وسوريا والأرض المباركة فلسطين المحتلة والسودان والعراق والصين وأراكان والهند وبنغلاديش يفضح تقاعس المنظمة عن تطبيق هذه الاتفاقية، فالطفل المسلم غير معني بها، فالحكام الطواغيت يقتلونهم والمسؤولون الذين يريدون أن توقع بلادهم على هذه الاتفاقيات عم صم بكم، والله تعالى الغني عنهم! فالاتفاقية يظهر فشلها في طريقة عيش الأطفال في الغرب وفي أخبارهم وإحصائياتهم ولا يحتاج المسلم إلى خبثها!


وللإيضاح أضع بين أيديكم بعض القضايا التي لم يفلح الغرب في حلها بالرغم من جبروته وتقدمه وهي قضايا أخلاقية بالدرجة الأولى تضرب في صميم القيم الإنسانية الراقية ويقف الكفار عاجزون عن حلها بسبب المبدأ الرأسمالي الذي يطبقونه، فالأرباح المادية عند رجال الأعمال أهم من الطفل، والقانون في صف المجرمين، قانون صامت، مثلا:


* "القارة الأوروبية تضم أكثر المواقع على شبكة الإنترنت بمحتوى صور ومقاطع فيديو للتحرش الجنسي بالأطفال. وأشار إلى أنَّ قارة أمريكا الشمالية تصدَّرت قائمة أكثر القارات المحتوية على مواقع الإنترنت، التي تنشر صوراً ومقاطع فيديو متعلقة باستغلال الأطفال جنسيّاً عام 2015. وذكر أنَّ 60% من مواقع الإنترنت ذات محتوى متعلق باستغلال الأطفال جنسيّاً موجودة في القارة الأوروبية. وأكَّد التقرير أنَّ هولندا تتصدر بلدان العالم في عدد المواقع ذات المحتوى المذكور بنسبة 37%، تليها الولايات المتحدة بنسبة 22%، ثم كندا 15%، وفرنسا 11% وروسيا 7%، ولفت التقرير إلى أنَّ ما نسبته 53% من الأطفال الموجودين في تلك المواقع أعمارهم 10 سنوات وما دون". (وكالة الأناضول، تقرير سنة 2016 الذي صدر عن مؤسسة مراقبة الإنترنت "IWF").


* "قام قساوسة من الروم الكاثوليك في بنسلفانيا بالاعتداء الجنسي على آلاف الأطفال على مدار 70 عاماً، فيما أخفي الأمر من خلال "الإيمان" وحملة التستر المنهجي التي قام بها أساقفتهم. وتضمن تقرير من 884 صفحة نشره


المدعي العام في ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو بعد تحقيق استمر عامين، أمثلة بيانية على الأطفال الذين يتعرضون للإساءة والاعتداء الجنسي من قبل رجال الدين. التحقيق القضائي في الانتهاكات الجنسية لرجال الكنيسة وهو الأكبر في التاريخ الأمريكي، ذكر أنه فضلاً عن الألف طفل الذين تم التحرش بهم، يُحتمل أن يكون هناك آلاف آخرون تعرضوا للجريمة نفسها. كما أشار النائب العام إلى أن قوانين ولاية بنسلفانيا تضع قيوداً على رفع شكاوى التحرش، إذ تنص على أن أمام هؤلاء الضحايا مهلة حتى يبلغوا الثلاثين ليرفعوا دعاوى مدنية ضد المتحرشين بهم، وإلى غاية سن الخمسين ليرفعوا دعاوى جنائية ضدهم. وكان أكبر الضحايا الذين أدلوا بشهادتهم للنيابة العامة سنا في خريفهم الثالث والثمانين." (نقلاً عن موقع يورو نيوز: "70 عاماً من اغتصاب آلاف الأطفال والفاعل قساوسة كاثوليك"، 2018/08/15).


* "لم تعد تجارة الأعضاء البشرية تقتصر على صفقات سرية صغيرة تجري في مناطق نائية من دول العالم الفقير، فقد تحولت إلى إمبراطورية عملاقة، تديرها شبكات من المافيات الإجرامية، تضم بصفوفها أطباء وأساتذة جامعات وحتى سياسيين وعسكريين في حكومات دول متقدمة، لتخرج من نطاقها المحدود العالمية. وتجري سنوياً عشرات الآلاف من عمليات بيع الأعضاء البشرية في السوق السوداء بصورة غير شرعية، لتدرَّ على سماسرة هذه التجارة أرباحاً سنوية تصل إلى 8 مليارات دولار، لا ينال أصحاب الأعضاء المبيعة منها سوى الفتات، فغالبيتهم من الفقراء والنساء والأطفال، الذين يتم الاحتيال عليهم أو استغلال ظروفهم المادية". (نقلاً عن موقع الخليج أون لاين: "تجارة الأعضاء البشرية.. إمبراطورية عالمية عاصمتها "إسرائيل""، 2018/09/04).


هذا غير إحصائيات العنف والتفكك الأسري في الغرب وتحويل الأطفال إلى عوائل أخرى في حال ارتكب ذووهم جريمة وطرد الابن والابنة من البيت بعد بلوغه سن الـ18 القانونية. فالطفل في الغرب معذب في الأرض يعيش كالحيوان لا هم له إلا إشباع جوعاته. يكفيه انتهاكاً لعقله أن القدوة في حياته بالنسبة إليه مغنّون وممثلون ساقطون وأبطال خرافيون آليون! إن الطفل لا تحميه قوانين تنظيرية لا تردع الشخص من حرية التملك بالمتاجرة بالأعراض أو الأجساد أو العقول طالما هناك ربح مادي فـ"القوانين - في عُرف الرأسماليين - وُضعت لتُخرق" كما يقول المثل الإنجليزي المشهور. أما دور المنظمات والأنظمة الحاكمة فهو استمرارية هذه الانتهاكات لأن الرأسمالية مبدأ قذر يعمل على انحدار الإنسان إلى مستنقعات الكفر ولا يرتقي به، وهذا ما يروجون له في بلاد المسلمين لإفساد وانتهاك الطفل المسلم، حتى تبقى الأمة الإسلامية مستعبدة!


إن الله تعالى لم يترك الإنسان في مهب الريح بل فصَّل في الأحكام الشرعية التي تنظم له حياته ومجتمعه وحدد دور الدولة بوضوح... ولعلنا نُفصل في ذلك في الجزء الثاني من هذا الموضوع إن شاء الله، وإلى لقاء آخر.. نترككم في حفظ الله ورعايته.

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


غادة محمد حمدي – ولاية السودان

(الجزء الثاني)

الرأسمالية وحقوق الطفل: خطان متوازيان لا يلتقيان!

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع