الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
الأسرة هي الأصل في مجال عمل المرأة  (أمّ وزوجة وربّة بيت)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأسرة هي الأصل في مجال عمل المرأة

(أمّ وزوجة وربّة بيت)

 

لقد أحكم الله عزّ وجلّ توزيع المسؤوليات بين الرجل والمرأة، بتشريع يوافق طبيعة كل منهما حق التوافق، وإنصاف يعطي لكل منهما حجمه ودوره الطبيعي في الحياة. وإنه لا مجال للمقارنة والمفاضلة بين دوريهما، ذلك أن الله سبحانه قد قيّد الذكر والأنثى على حدّ السواء بأوامره ونواهيه كما جعل جزاء الأعمال بالثواب والعقاب لمن يعمل مثقال ذرّة من خير أو مثقال ذرّة من شرّ دون التفريق بينهما. ومن هنا، كان الأصل في أعمال الإنسان المسلم هو التقيّد بأحكام الشرع، بغضّ النظر عمّا إذا كانت للذكر أو الأنثى أو للإنسان عامة دون خصوصية... وكان الالتزام بالمفاهيم الإسلامية والأحكام الشرعية من منطلق الإيمان بأحقيّة الله سبحانه في التشريع والرضا بأحكامه بقناعة تامة وتسليم، بوصفها هي الحق والخير والعدل وما عداها هو الضلال.

 

من هنا كانت وظيفة المرأة المسلمة في مؤسسة الأسرة بوصفها أمّا وزوجة وربة بيت هي مهمّة شرعية قد عني التشريع الإسلامي بها لما للأسرة من مكانة عظيمة، وما للمرأة من دور مهمّ فيها يتوافق مع فطرتها، فخصّها الإسلام بأحكام الولادة، والإرضاع، والحضانة والأمومة وكانت هذه المسؤولية أهم أعمالها ‏وأعظم أدوارها لأن في هذا العمل بقاء النوع ‏الإنساني واستمراريّته، ودور الأمومة في هذه المرحلة أبرز من دور الأبوة لأن المرأة هنا هي أداة لحفظ النوع! كما أن الأمومة لا تنحصر فقط بالإنجاب، بل مع ذلك تربية ورعاية وإنشاء وتكوين للأبناء، هذه المسؤولية التي تشرف عليها المرأة هي في حقيقتها عمليّة صناعة للأجيال في الأمة!

 

والمرأة المسلمة الواعية تُدرك جيّدا أن قضيّتها في حياتها هي أمتها ونهضتها، ولا تعرف قضيّة غيرها، لذلك فهي تعي جيّدا حجم المسؤوليّة التي أوكلها الله لها في بناء أمتها من خلال رسالة الأمومة، ومن خلال ما تقتضيه هذه المهمّة من تسخير للطاقة والجهد والتفرّغ بالوقت من أجل إتمام عملها بإتقان وأدائه على الوجه الذي يُرضي خالقها، وهذا ما تعنيه كلمة "الأصل في المرأة أم وربة بيت"، أي أن عملها الذي يتصدّر قائمة أولوياتها مكانه البيت حتى تُعطيه حجمه وتستوفيه حقه...

 

وكلمة البيت في هذا المقام، ليست استصغارا لحق أو استهانة بدور، كما يُروّج له بالمفهوم الغربي النفعي، بل هو ظرف مكاني لتحديد مهامّها، إذ إن البيت في هذا السياق يشمل رعاية الأبناء والزوج وتوفير الاحتياجات المادية والمعنوية، من طبخ وتنظيف وغسيل وتربية ومتابعة للأطفال ومعاشرة للزوج وطاعة له فيما أجازه الشرع، وحفظ السرّ والمال والعرض، وما يحتاجه هذا العمل من فكر وعلم ومشاعر وأحاسيس وحسن إدارة وتصرّف وما تقتضيه هذه المسؤوليّة الجسيمة من جدية وصبر وعطاء وجهد وبذل وسع، فأين ستؤدّي كلّ هذا إن لم يكن في بيتها، وكم يتطلّب هذا العمل من وقت إن لم يأخذ أكبر حيّز من حياتها؟؟

 

وإنه حقّا من الجهل أن ندّعي بأن الحياة الأسريّة والزوجية على وجه التحديد هي شراكة في الأدوار والمسؤوليّات، إذ إن هذا الفهم لا ينطبق مع الشرع ولا مع الفطرة، فلا يمكن فعلا مشاركة الأدوار الأسرية، إذ إنّ لكل فرد دوره الذي يتماشى مع طبيعته في الحياة ويتوافق مع طاقته وفطرته. ولأنّ عمل المرأة في بيتها يتطلّب جهدا كافيا ووقتا كبيرا، فلم يفرض عليها الشرع مسؤولية الإنفاق وإعالة الأسرة ماديا، بل جعله فرضا على الرجل يأثم على تركه أو التقصير فيه، ولهذه المسؤوليّة كذلك ظرفها المكاني وهو خارج البيت عموما ولها مقتضياتها ومتطلباتها، أوكلها الشرع للرجل بما يتماشى مع طبيعته كذكر فيه معاني القوامة والحماية والقوّة البدنية ممّا يؤهّله لهذه الوظيفة طبيعيا لما عليه من موجبات الإنفاق والرعاية. فلا يمكن أن تكون الحياة الزوجية إذاً شراكة في الأدوار بل هي التزام بالمسؤوليات وفق ما حدده الشرع، ولا يمكن للمرأة مثلا أن توازن بين دور الأمومة والقوامة، كما لا يمكن للرجل أن يوازن بين دور الإنفاق وعمل البيت، لأن لكل عمل خصوصياته ومؤهّلاته.. وهذا جزء من حديث رسول الله r بيّناً واضحا في تحديد المسؤوليات «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا...» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر.

وقد ربط الشرع عظم هذه المسؤولية الموكولة للمرأة بعظم الأجر الذي تناله، عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله r: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ». رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

 

ولأن الإسلام جاء بأحكامه من الوحي ليُيسّر بها حياة الإنسان وليخلق التناسق والتوازن في تلبية إشباعاته وانسجاما مع طبيعته لا ليُرهقه ويُعسّر شؤونه فتصبح الحياة الزوجية شقاءً وتعاسة وجورا، بل ليخلق داخل الأسرة حالة الاستقرار والسكينة والطمأنينة إذا ما التزم كل طرف فيها بدوره ومسؤوليته فقد قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]

 

وحتى لا يُفهم من كل ما سبق عرضه من كون عملها الأصلي أنها أم وربة بيت أنها محصورة في هذا العمل، وأنها ممنوعة من مزاولة غيره من ‏الأعمال، فإنّ لها التزامات شرعية أخرى شأنها شأن الرجل كالصلاة والزكاة والحج وحمل الدعوة وطلب العلم وغيره... ولها أن تعمل في الحياة العامة كما تعمل في الحياة الخاصة وأجاز لها الشرع البيع، والإجارة والوكالة. وجعل لها أن تزاول الزراعة والصناعة كما ‏تزاول التجارة، وأن تتولى العقود، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها. وأن تباشر شؤونها في الحياة بنفسها، وأن ‏تكون شريكة وأجيرة، وأن تستأجر الناس والعقارات والأشياء، وأن تقوم بسائر المعاملات... لها أن تقوم بكل هذه الأعمال بشكل لا يتعارض مع دورها كأم وكزوجة وكربّة بيت ولا يؤثر في التزامها بهذا التكليف الشرعي ولا يتعدّى على وظائفها الطبيعية أو يحرمها منها أو حتّى يُعرّضها للتقصير أو الإهمال.

 

لذلك فالدولة في الإسلام هي دولة رعاية لشؤون الناس، وهي التي تنفّذ الأحكام لتنظّم بها حياة الفرد والجماعة، فتكون النفقة حقا ملزما للمرأة من وليّ أمرها أو من الدولة مباشرة إن عجز ولي أمرها عن تأمينه، حتى مع قدرتها على العمل، وتعمل الدولة في الإسلام على توفير مواطن العمل بما يتناسب مع احتياجات الناس وما يتوافق مع طبيعتهم، والأهم من ذلك وفق ما نص عليه الشرع بحيث يضمن للمرأة أن تحظى بفرصة للعمل خارج بيتها دون تفريط في وظيفتها الأصلية داخل بيتها من حيث طبيعة الشغل وساعات العمل وظروفه.

 

إنّ الواقع الذي تعيشه المرأة المسلمة اليوم بغياب تطبيق الإسلام في حياتها قد ظلمها كثيرا وأهانها، إذ إن وظيفة ربة البيت وما تعنيه من عظم مسؤولية أصبحت تُنعت فيها بالعاطلة عن العمل، لأنه لا يُعتبر عملا ذا قيمة بالميزان النفعي، كما أن خروجها للعمل قد حرمها من حقوق كثيرة أولها حق الأمومة والتمتّع بأطفالها وقضاء الوقت معهم ومتابعتهم في التربية الفكرية والنفسية والسلوكية، وقد جعل من حياتها ركضا وراء الاستحقاقات المادية ممّا سبب لها ضغطا أسريا جعلها تفرّط في دورها كزوجة تُوفّر لزوجها أسباب الراحة والهناء داخل البيت أو كأمّ ترعى أبناءها وتُراقب تربيتهم أو كربة بيت تهتم بنظافة بيتها ومترتّباته، ولأن سوء تقدير الأولويات وتوزيع المهام يهلك صاحبه، فإن حالة التوتر الذي تعيشه أغلب النساء العاملات قد أثّر في نفوسهن نظرا لحجم الضغط الذي يعشنه داخل البيت وخارجه، ممّا جعلهنّ يقبلن على وظائفهن الطبيعية باستياء أو يعتبرن الجهود المبذولة لذلك تفضّلا وليست واجبات مما جعل الإقبال شديدا على الحاضنات والخادمات ودور الأطفال في محاولة لتحقيق التوازن!

 

والتفريط في وظيفة هي الأصل للمرأة قد سببّ مشاكل مجتمعية كثيرة، منها حالات الطلاق المرتفعة وخراب بيوت كثيرة وإهمال النشء والإقبال المتزايد على تحديد النسل خوفا من زيادة الإنجاب وإهمال البيوت ورفع متطلبات المستوى المعيشي ليُغطي رواتب المعينات المنزلية والحاضنات وحتى المستشارين النفسيين! ولا يمكننا إنكار أن الكثير من النساء يتألّمن من هذه الوضعية البائسة التي تعدّت على طبيعتهن الأنثوية وحرمتهنّ من تحقيق وظائف متماشية مع فطرتهن، لكن تأمين العيش الكريم لأسرتها أصبح واجبا عليها في ظل منظومة رأسمالية جائرة تستنزف طاقتها وجهدها وتسلبها حقوقها.

 

لقد ضمن الإسلام للمرأة حياة مطمئنّة آمنة تتناسق فيها طبيعتها مع أحكام ربها الذي خلقها وصوّرها وعلم فطرتها واحتياجاتها فتحيا بشرع ربها في سكينة واستقرار وهناء، ولأنّ علاقاتها بربها وبالإنسان وبنفسها مترابطة فيما بينها، فلن تستطيع أن تحقق وضعيّة الانسجام هذه دون أن تطبّق كل الأحكام الشرعية التي تربطها بهذه الحياة، فتنال بها خيري الدنيا والآخرة فكان عملها لإقامة الخلافة الراشدة وخوض الصراع الفكري والكفاح السياسي مسؤولية شرعية إلى جانب مسؤوليتها كأم وزوجة وربّة بيت حتى تقيم شرع ربها كاملا وتلقاه وهو سبحانه راض عنها.

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسرين بوظافري

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع