الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف ستعالج الخلافة مشكلة الفقر

(الجزء الأول)

 

(مترجمة)

 

  • على الرغم من الموارد المادية والبشرية الهائلة، فضلاً عن أغنى احتياطي من النفط والمعادن في العالم في بلادنا الإسلامية، فإن غالبية الأمة تعيش في فقر مدقع، حيث يحصل الفرد على أقل من 1.90 دولار يومياً لتلبية احتياجاته الأساسية. فالبطالة الجماعية المتزايدة والهائلة، والزراعة والصناعة المتخلفة، والضرائب المعطِّلة، والارتفاعات المستمرة في الأسعار، فضلاً عن إمدادات الطاقة باهظة التكلفة وغير المتاحة باستمرار، هي الدليل الواضح على سوء إدارة واستغلال بلادنا وسوء التوزيع الهائل لثروتنا. إن الاستثمار الحكومي في البنية التحتية والخدمات العامة من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للناس هو في حده الأدنى أو حتى غير موجود على الإطلاق.

في الحقيقة، هذه هي نتائج السياسات غير الإسلامية وفقاً لإملاءات الأجندة السياسية للدول الاستعمارية الرأسمالية التي يطبقها حكام المسلمين، بما في ذلك قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي لا تفرض فقط نسبة ربا مرتفعة بل أيضاً سياسات إعادة الهيكلة الاقتصادية المدمرة في بلادنا.

 

 

  • في واقع الأمر؛ فإن التوزيع الإنساني والعادل للثروة من أجل توفير الاحتياجات الأساسية لكل إنسان ليس من بين أهداف الاقتصادات الرأسمالية. وعلاوة على ذلك، فإن الإبقاء على التفاوت الهائل في الثروة بين الأغنياء والفقراء يفيد الأيديولوجية الرأسمالية، حيث إنها أقامت وجودها على استغلال العوام من الناس، ورعاية الفئة القليلة من أصحاب رؤوس الأموال، الذين يمثلون ويحافظون ويحكمون الأيديولوجية الرأسمالية، والتي يزيد هوسها بالقوة المادية يوماً بعد يوم. وهكذا فإن الجشع والمنافسة غير المشروعة والاستغلال والمبادئ التوجيهية الاقتصادية لـ"الأسماك الكبيرة التي تتناول الأسماك الصغيرة" تحرم البشرية من حقوقها واحتياجاتها الأساسية.

وفقا لمؤسسة أوكسفام، "فإن أغنى 26 مليارديرا يمتلكون العديد من الأصول التي تعادل ما يمتلكه 3.8 مليار شخص يشكلون نصف سكان كوكب الأرض الأكثر فقرا. إن ثروة أغنى 1٪ في العالم تساوي إجمالي الثروة المتبقية للـ 99٪ الباقين".

 

 

"يموت حوالي 10000 شخص في اليوم بسبب نقص الرعاية الصحية و262 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، لأن والديهم غير قادرين على تحمل الرسوم أو الزي المدرسي أو الكتب المدرسية. تموت النساء بسبب عدم وجود رعاية أمومة محترمة، وحرم الأطفال من التعليم الذي يمكن أن يكون طريقهم للخروج من الفقر". تقرير أوكسفام 2019

 

الخلافة لا تمنع الفقر فحسب، بل تهدف إلى تحسين مستوى معيشة كل فرد من رعاياها!

 

  • أولا: يقوم النظام الاقتصادي في الإسلام على القرآن والسنة، ويتطلب من الفرد والدولة حماية حدود الله سبحانه وتعالى. يرفض الإسلام نظرية الاحتياجات الإنسانية غير المحدودة وندرة الموارد كما طرحتها الرأسمالية. كما يشير الإسلام بوضوح إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق موارد وفيرة من أجل خدمة احتياجات كل إنسان. ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]
  • قال نبينا محمد e فيما يتعلق بالاحتياجات الأساسية لكل إنسان: «لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ» (رواه الترمذي)

هذه هي الحقوق التي يضمنها الإسلام لكل إنسان وهذه هي الحقوق التي حرمت الرأسمالية البشرية منها... جعل الله سبحانه وتعالى من واجب الخلافة ضمان قدرة كل فرد على الوفاء باحتياجاته الأساسية. فالواجب على الدولة أن تضمن أن عبد الله قادر على الوفاء بواجبه في السعي إلى كسب الرزق، وبذل الوسع لكسب ما يحتاجه مؤونة. وعلى الرجل القادر واجب العمل من أجل تلبية احتياجاته الخاصة. أما بالنسبة للنساء، وأولئك الرجال غير القادرين على العمل، فمن واجب الدولة توفير الرعاية لهم وهذا حق لازم لهم، والدولة ملزمة بتوفيره. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعالة الزوجة واجب على الزوج. وإعالة الأبناء واجب على الأب. ﴿وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]

 

قال النبي e: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» وهذا يعني أن العمل واجب على كل رجل قادر وإن لم يفعل فإنه سيتعرض للعقوبة كما هو الحال مع كل واجب.

 

وفي حالة عدم وجود أي شخص ممن تجب عليهم النفقة، أو إذا ما كان حاضرا لكنه غير قادر على دفع النفقة، فقد أوجبت الشريعة على بيت المال الإعالة، وبعبارة أخرى، يصبح الواجب على دولة الخلافة. قال رسول الله e: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (رواه مسلم من طريق جابر)

 

 

وهذا دليل أيضاً على أن من أهم القضايا التي تُعنى بها الخلافة في إدارة شؤون الأمة إيجاد عمل لأولئك القادرين الذين لا يجدون عملا.

 

  • يجب أن تسهل الخلافة الحصول على الاحتياجات الكمالية غير الأساسية، بذات طريقة تلبية الاحتياجات الأساسية. وتسهل الدولة على جميع الرعايا القدرة على تلبية احتياجاتهم الكمالية وتحقيق المساواة في المجتمع على النحو التالي:

أ) إعطاء الأصول المتاحة والثابتة من أموال بيت المال، ومن موارد الحرب، وأي شيء مماثل.

 

ب) منح بعض أراضيها الصالحة للزراعة لمن لا أرض له. وأولئك الذين يملكون الأرض ولكن لا يستغلونها لا يعطَون المزيد. وأما الذين لا يستطيعون زراعة أراضيهم فإنهم يحصلون على مساعدة مالية لتمكينهم من زراعة الأرض.

 

ج) تقديم المساعدة لغير القادرين على سداد ديونهم من خلال توفير الأموال من الزكاة، والغنائم الحربية، وأي شيء مماثل.

 

هذه هي كل أشكال الدعم التي لا نجد شبيها لها في ظل الأنظمة الرأسمالية في بلادنا.

 

  • ولتوفير الأمان، فإن جميع أنواع الخدمات العامة والمرافق كالخدمات الصحية والتعليمية، هي التزامات يجب أن تفي بها دولة الخلافة، بالإضافة إلى ضمان الاحتياجات الفردية. ويجب توفير هذه الأموال من أموال الدولة (بيت المال) لكل فرد، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو جنسه أو أصوله.

تجدر الإشارة إلى أن عدم الشعور بالأمان يؤدي إلى الفشل في الوفاء بجميع الواجبات الأخرى. وهذا هو سبب الوعد الأول الذي وعد به رسول الله e أصحابه، عندما أبلغهم عن الهجرة، فقد كان لتوفي الأمان لهم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَاناً وَدَاراً تَأْمَنُونَ بِهَا» [السيرة، ابن إسحاق]. ونتيجة لذلك، فإن المرافق والخدمات العامة يجب أن تضطلع بها دولة الخلافة، استجابة لقوله e: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (رواه البخاري عن عبد الله بن عمر).

 

  • لا يسمح النظام الاقتصادي في الإسلام بتكدس الموارد في أيدي قلة من الناس. وهكذا، ففي أي وقت يحصل فيه هذا التفاوت في ثروات الأفراد، يجب على الخليفة العمل لتحقيق التوازن عن طريق وضع هذه الآية التالية موضع التنفيذ: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7]
  • يحرم الإسلام كنز المال ويجعل الزكاة أمرا واجبا، من أجل ضمان توزيع الثروة بين الناس. وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من هذا الأمر فقال: ﴿وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]
  • ما نواجهه من سوء الإدارة وانعدام البنية التحتية لن يكون موجوداً في ظل الخلافة. ففي ظل الخلافة، يطلق الإسلام العنان لضخ أموال الاقتصاد الكبيرة وبشكل مميز لدعم التنمية الزراعية والصناعية، دون ضرائب معوقة، وذلك من خلال إعادة هيكلة جذرية لملكيات الدولة والملكية العامة والملكية الخاصة فضلا عن تدابير أخرى.
  • يفرض الإسلام بناء قاعدة قوية للصناعة الثقيلة، مدعومة بأبحاث عالمية رائدة، لتأخذ الخلافة دورها المستحَق كدولة رائدة. كانت الزراعة في ظل الخلافة مدار حسد العالم لقرون وستكون من جديد! لأن الإسلام سيربط ملكية الأرض بزراعتها فعلا، وسيرفع الملكية الأجنبية عن الأراضي الزراعية، وسيلغي كذلك الضرائب المنهِكة على المنتجات الزراعية. وسيكون هذا بمثابة دعم هائل للأمن الغذائي فضلا عن توفيره للازدهار المحلي الذي تلبست به الأمة فعليا لقرون في ظل الحكم الإسلامي. وهكذا فاليوم ستعطي الخلافة الأولوية للمحاصيل التي تسمح لرعاياها بتلبية احتياجاتهم الأساسية من المأكل والملبس، مع استخدام الزائد عن الإنتاج في التجارة الخارجية. وستنشئ مراعيَ غنية لدعم الزيادة في الثروة الحيوانية.
  • في الوقت الحالي، لا يمكن تحمل تكاليف الكهرباء والفحم والنفط والغاز الطبيعي بل لا تتوفر في الغالب مثل هذه الخدمات بسبب الخصخصة الرأسمالية. ستقوم الخلافة بإلغاء جعل موارد الطاقة من الملكية الخاصة وإعادتها للملكية العامة بحيث يتم توفير الطاقة بسهولة وبثمن زهيد. وستلغي الضرائب المفروضة على الطاقة والوقود، الأمر الذي أدى إلى تضخم أسعارها بدرجة كبيرة. وهكذا فإن الخلافة سوف تظهر عملياً لعالم منهك مدمر بسبب انهيار الرأسمالية الفاسدة، حقيقة دين الإسلام.
  • الضرائب هي واحدة من أكثر أدوات الاقتصاد الرأسمالي ظلما! بينما في دولة الخلافة، لا ضريبة دخل ولا ضريبة مبيعات، فالملكية الخاصة في الأصل لا يجوز انتهاك حرمتها. يكون فرض الضرائب على فائض الثروة الذي يزيد عما هو مطلوب لتأمين الاحتياجات الأساسية وبعض الكماليات، وهذا أيضا في ظل ظروف صارمة. وما يسمح لهذه السياسة الضريبية المنخفضة هو حقيقة أن الخلافة لديها مصادر وفيرة للإيرادات من الممتلكات العامة وممتلكات الدولة، فضلا عن مجموعة فريدة من القوانين لتوليد الدخل من الزراعة والصناعة.
  • بعد أن حرمت الأمة من عائداتها الشرعية وخنقت إيراداتها وقدرتها على الشراء والإنتاج، قامت الحكومات العميلة في بلادنا باستدانة قروض البلدان الاستعمارية الكافرة. تعتبر هذه القروض فخاً شنيعاً مصمماً لإبقاء بلاد المسلمين غارقة في الديون، وتجريدنا ثرواتنا، والحد بشكل كبير من قدرتنا على الوقوف على أقدامنا لنشكل تحدّيا حقيقيا للغرب.
  • إن التضخم المتزايد في بلادنا يرجع إلى العملات التي تقل قيمتها باستمرار، لأنها لا تستند إلى الذهب والفضة كما تفرض الشريعة. ستقوم عملة الدولة على أساس الذهب والفضة من جديد وهو ما سيسهم بثبات الوضع بشكل أكيد.
  • للقضاء على التضخم من جذوره. ستقوم الخلافة بإصدار عملة مستقلة خاصة بها، تقتصر على الذهب والفضة، ولن يتم ربطها بأية عملة أجنبية بأي شكل من الأشكال. لن تأخذ الخلافة أية قروض بفائدة ربوية من دول الكفر الاستعمارية.
  • ستعيد الخلافة الرخاء والوفرة إلى بلادنا كما كانت الحال في الأزمنة السابقة في ظل حكم الإسلام. وليست كلمات رسول الله مجرد دليل على مسؤوليات وواجبات الخلافة، بل هي وعد وميثاق «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
  • أفريقيا، على سبيل المثال، كانت أبعد ما يكون عن أن تكون أفقر وأكثر جزء من هذا العالم تملؤه المجاعة وذلك في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، ذلك لأنه لم يطبق سوى أحكام ومبادئ دين الإسلام.
  • روى يحيى بن سعيد، الذي كان واليا في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، قال:

 

"أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى أفريقيا لأجمع الزكاة. وبعد أن جمعتها، أردت توزيعها على الفقراء، فوالله ما وجدت فقيراً في طريقي، لقد أغنى عمر بن عبد العزيز الفقراء وأخيراً، قررت استخدام مال الزكاة في شراء وتحرير العبيد" ابن عبد الحكم عبد الله (1994) الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز:

 

خامس الخلفاء الراشدين. دار الفضيلة، القاهرة 78

  • إذن كونوا على ثقة بكلام الله تعالى، فقد آمنتم بها ابتداء، حتى ننعم نحن كأمة والعالم كله بثمرة تطبيق الإسلام بأسرع وقت ممكن، إن شاء الله!

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 24]

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زهرة مالك

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

كيف ستعالج الخلافة مشكلة الفقر : الجزء الثاني

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع