الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإجراءات العملية التي ستقوم بها الخلافة الراشدة للحيلولة دون وجود البطالة

 

البطالة كغيرها من الآفات والمشاكل التي أفرزتها هذه المنظومة العالمية الرأسمالية الجشعة، ومنها النظام الاقتصادي الرأسمالي المطبّق الذي لا يورث سوى النكبات والأزمات بل المصائب الاقتصادية، حيث أنشأ الطبقية في المجتمعات وزاد من نسبة العاطلين عن العمل واستنزف مدخرات الناس وحطّم اقتصادات معظم الدول في العالم.

 

فما هي البطالة وكيف توضع الحلول لمواجهتها؟

 

البطالة تعني عجز الإنسان عن الكسب في سبيل توفير مستوى عيش كريم له، وهذا العيش الكريم يشمل إشباع الحاجات الأساسية وهي المأكل والمسكن والملبس.

 

أما حل مشكلة البطالة فينبغي أن يكون حلاً جذرياً وليس ترقيعياً، إذ أثبتت الوقائع المعيشية والكوارث الاقتصادية المدمرة والمتلاحقة أن التدابير التي تتخذها الدول هي تدابير آنية ومؤقتة ومحدودة التأثير، فبنية الاقتصاد الرأسمالي بمصارفه الربوية والمؤسسات المالية المرتبطة بها، والقروض وكنز الأموال وأيضا إلزامية النقد الورقي هي التي تُغذي وتنمي نسب البطالة رغم الادعاءات المتكررة بتخفيضها.

 

فالحل الجذري للبطالة لن يكون إلّا في نظام اقتصادي إسلامي كامل يعتمد على الأسس التالية:

 

1- تطبيق نظام الذهب والفضة بدلاً من نظام النقد الورقي الإلزامي

 

2- تحريم الربا والفوائد على القروض

 

3- تحريم الكنز

 

- نظام النقد الورقي الإلزامي: تعمد الدول إلى تحريك السوق من جديد بفعل الأزمات التي يفرزها النظام النقدي الإلزامي من مثل التضخم وضعف القدرة الشرائية والركود وما يرافق ذلك من تسريح للعمال والموظفين لمواجهة هذه الأمور، إلى أحد حلّين:

 

* إما بطبع نقود جديدة في حال كانت الدولة قوية وعملتها مسيطرة، ثم ضخها في السوق من أجل تحريك الاقتصاد، وهذا ما فعله الرئيس الأمريكي السابق أوباما خلال الأزمة الاقتصادية حيث طبع المليارات من العملة الورقية لزيادة القدرة الشرائية عند الناس، إلّا أن أصحاب الشركات عملوا على تصريف إنتاجاتهم المخزّنة وبضائعهم الكاسدة خلال أزمة الركود، وذلك قبل إنتاج السلع الجديدة والتي هي بحاجة في الأساس إلى تشغيل عمال جدد، فهذا الإجراء ليس حلاًّ لمشكلة البطالة بل هو حلّ لتصريف البضاعة الكاسدة قبل تشغيل عجلة الإنتاج.

 

* وإما باستقراض الدولة للأموال عبر بيع السندات وأخذ القروض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وهذا هو حال الكثير من البلاد الإسلامية التي تبدأ بإعطاء الوعود تلو الوعود عن البحث لاستجلاب العديد من الاستثمارات لتحريك عجلة الاقتصاد وفتح فرص جديدة للعمل حسب زعمهم، إلّا أن هذه المسكنات لا تخرج من إطار زيادة أموال المصارف الربوية والشركات المساهمة دون أهمية لما يحدثه هذا الأسلوب من زيادة التضخم في السوق.

 

أما الحل الذي يقدمه نظام الذهب والفضة في حال الركود فلا يكون بتسريح العمال والموظفين كما عند كل أزمة اقتصادية في النظام الرأسمالي، بل الحل يكمن في تخفيض تكاليف الإنتاج ومن ضمنها تكلفة الأجور، وهذا الحل لا يؤدي إلى موت عجلة الاقتصاد أو انتقالها من أزمة إلى أخرى، بل العكس ستظل مستمرة وإن كانت ببطء. (ستجدون شرحا مفصلاً عن فوائد نظام الذهب والفضة في الاقتصاد في كتاب "النظام الاقتصادي في الإسلام" ص270).

 

- تحريم الربا والفوائد على القروض، إن المصارف الربوية ضرورة من ضروريات النظام الاقتصادي الرأسمالي، إذ أصبح الربا قوام التجارة، والزراعة، والصناعة. فالعقود بين المقترضين والمصارف هي عقود ربوية لأنها تبيع المال بالمال، ولأنها تستغل جهد الناس بالفوائد المفروضة ودون أن تتعرض هي لأي نوع من أنواع الخسارة. أما في النظام الاقتصادي في الإسلام فيقوم بيت المال بإقراض المال بلا ربا، بعد التحقق من إمكانية الانتفاع بالمال. فالمحتاج إلى الاستقراض إما أن يحتاجه لأجل العيش، أو يحتاجه لأجل الزراعة. أما الحاجة الأولى فقد سدها الإسلام بضمان العيش لكل فرد من أفراد الرعية، وأما الحاجة الثانية فقد سدها الإسلام بإقراض المحتاج دون ربا، فقد أعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً تمكنهم من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغلال. ويُقاس على الفلاحين من هم مثلهم، فيما هم في حاجة إلى المال، لكفاية أنفسهم في العيش، فقد أعطى الرسول e رجلاً حبلاً وفأساً ليحتطب من أجل أن يأكل.

 

- تحريم الكنز، إن النقود المكنوزة عند أصحاب الثروات من الاقتصاديين الرأسماليين أدّت إلى سحبها من السوق وعدم تداولها بين أيدي الناس، مما يؤدي إلى تقليل إنتاجهم؛ لأن الطلب على السلع قد قلّ فتوقف دولاب الاقتصاد وبالتالي انتشرت البطالة في المجتمعات من قلة ما يدخل للناس من نقود. أما في النظام الاقتصادي في الإسلام فقد حُرّم كنز النقود التي هي أداة التبادل، بين مال ومال، وبين مال وجهد، وبين جهد وجهد، فهي المقياس لهذا التبادل، وبقدر وجود هذه الأداة متوفرة بين أيدي الناس، بقدر ما يدفع سير العمل إلى الأمام، وتكون دخول الناس في المجتمع ونفقاتهم الإجمالية، تسير في شكل دائرة مستمرة تنمي الثروة الاقتصادية للفرد وللجماعة. (مع ضرورة أخذ العلم أن هناك فرقاً كبيراً بين الكنز والادخار، ستجدون تفصيلاته في كتاب "النظام الاقتصادي في الإسلام" ص 251). وقد جاء في المادة 142 من مشروع دستور دولة الخلافة: "يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته".

 

هذه هي الأسس والحلول الجذرية التي ضمنها النظام الاقتصادي في الإسلام، ليس للقضاء على البطالة فحسب، بل على كل ألوان الفساد وسياسات الهيمنة الاقتصادية الرأسمالية على البلاد.

 

ما هي الآليات والإجراءات العملية التي ستقوم بها الخلافة الراشدة للحيلولة دون وجود البطالة؟

 

1- إيجاد التوازن الاقتصادي بإعطاء المحتاجين من الرعية وحدهم، من أموال الدولة التي في بيت المال التي لم تأت مما يُجمع من المسلمين، بل من أموال الغنائم، حتى يوجد التوازن الاقتصادي بهذا العطاء. فالنبي e حين رأى التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار خصّ المهاجرين بأموال الفيء، الذي غنمه من بني النضير، من أجل إيجاد التوازن الاقتصادي. فقد روي أنه لما فتح النبي e بني النضير صلحاً، وأجلى اليهود عنها سأل المسلمون النبي e أن يقسم لهم، فنزلت: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ...﴾ فجعل الله أموال بني النضير للنبي e خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئاً سوى رجلين اثنين فقد كانت حالهما كحال المهاجرين من حيث الحاجة.

 

2- إعادة هيكلية الملكيات العامة وهي إذن الشارع للجماعة بالاشتراك في الانتفاع بالعين. والأعيان التي تتحقق فيها الملكية العامة هي الأعيان التي نص الشارع على أنها للجماعة مشتركة بينهم، ومنع أن يحوزها الفرد وحده وهذه تتحقق في ثلاثة أنواع هي:

 

أ- ما هو من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها كمنابع المياه ومراعي الماشية ومرافق الجماعة ونحوها...

 

ب- المعادن التي لا تنقطع.

 

ج- الأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالطرق والأنهار والبحيرات والبحار ومدارس الدولة ومستشفياتها ونحوها...

 

وجاء في المادة 140 من مشروع دستور الخلافة: "لكل فرد من أفراد الأمة حق الانتفاع بما هو داخل في الملكية العامة, ولا يجوز للدولة أن تأذن لأحد دون باقي الرعية بملكية الأملاك العامة أو استغلالها". لمراجعة أحكام الملكية العامة والانتفاع بها (مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له من المادة 137 إلى المادة 140)

 

3- جعل الإسلام توفير الحاجات للأمة واجباً من واجبات الدولة لأن للأمة عليها حق الرعاية. فالدولة هي المسؤولة عن توفير الثروة أموالاً وخدمات للرعية، بالإضافة إلى توزيع هذه الثروة على أفراد المجتمع ليتمكن كل فرد من حيازتها والانتفاع بها. روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله e«الإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وهذا عكس ما نراه اليوم حيث تركّزت الثروات في العالم خلال عام 2018 في يد 26 مليارديرا، أموال تساوي ما يملكه النصف الأفقر من البشرية!! جاء في المادة 124 من مشروع دستور الخلافة: "المشكلة الاقتصادية هي توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية، وتمكينهم من الانتفاع بها بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها".

 

4- فرض الشارع الحكيم العمل على الرجل القادر حتى يوفر لنفسه الحاجات الأساسية له ولمن تجب عليه نفقتهم، وفرضها على المولود له، وعلى الوارث إن لم يكن قادراً على العمل، أو على بيت المال إن لم يوجد من تجب عليهم نفقته إذ جعل الإسلام إعالة العاجز فعلاً أو حكماً فرضاً على الدولة. فحسب المادة 153 من مشروع دستور دولة الخلافة: "تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية".

 

5- التشجيع على استصلاح الأراضي الزراعية، إذ يتم القضاء على البطالة من خلال تشغيل الفقراء القادرين على الزراعة بإقطاع الدولة الأراضي الميتة لمن لا يملك أرضاً أو يملك مساحات قليلة. وقد أقطع رسول الله e بلالاً المزني أراضيَ ما بين البحر والصخر. (لمراجعة أحكام إقطاع الأراضي الميتة وإحيائها - المواد 134، 135، 136 من مشروع دستور دولة الخلافة).

 

6- تفعيل مراكز البحوث ومعاهد العلوم التكنولوجية من قبل الدولة خاصة وأن سياسة التصنيع مربوطة قطعاً بالتكنولوجيا، هذا وإن توفرت الدولة القادرة على احتضان العلماء والمبدعين وتوفير العيش الكريم لهم فسنرى الإبداع في أوجه بعد أن كان مدفوناً أو مهاجراً، وسيعود المسلمون إلى المكان الذي يجب أن يكونوا فيه بين الأمم في كافة الأصعدة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً.

 

وحتى تنتهي البطالة وحتى يستفيد المسلمون من خيرات بلادهم وحتى تُحل كل المشاكل الاقتصادية يجب أن يتحقق التغيير الجذري والانقلابي ليبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، والأمر هو حكم الإسلام، لتنعم البشرية بالعدل والاستقامة والرعاية الصحيحة وفق أحكام الشرع لتكون دولة الخلافة الراشدة النموذج الحي لما نقدمه من كون الإسلام بديلاً للرأسمالية التي تحتضر، وعسى أن يكون ذلك بإذن الله قريباً.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع