الخميس، 19 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كيف ستحمي الخلافة الإسلام والأمة الإسلامية

 

منذ هدم الكفار الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال عميل الإنجليز وصنيعتهم قبل حوالي 94 عاما ميلاديا، لم تر الأمة الإسلامية خيرا، بل أصبحت في ذيل الأمم، وتعيش واقعاً مريراً، وتحيا حياة الذل والهوان والاستكانة، وتخضع لما يمليه عليها أعوان الكفر والإلحاد من كل جنس ولون. ولا تزال تقتات على فتات الموائد العالمية، ولا زالت هي القصعة المستباحة لكل الأمم من الشرق أو الغرب. وما فقدان المهابة وضياع فلسطين والعراق وغيرهما، واستقواء الكفار على المسلمين في كل مكان، كما يجري في فلسطين وسوريا وتركستان الشرقية وميانمار وغيرها من بلاد المسلمين، وانتشار الفقر والجوع والبطالة وانحدار القيم والأخلاق والتخلف العلمي والاقتصادي... إلا إفرازات ونتائج غياب الخلافة.

 

فإنّ فكر الغرب وثقافته، من ديمقراطية ورأسمالية وعلمانية وليبرالية يسيطر على كافة مناحي الحياة؛ على أنظمة الحكم والتشريعات والقوانين، وعلى الاقتصاد والثروات، وعلى مناهج التعليم ووسائل الإعلام، وعلى أنماط الحياة. أي أن بلاد المسلمين ترزح تحت الاستعمار الغربي بكافة أشكاله، الفكرية والسياسية والاقتصادية، وكذلك العسكرية في بلاد عدة.

 

وإن ما تعانيه الأمة الإسلامية من ويلات ووضع مزرٍ ما كان ليكون لو وجد ردٌّ كافٍ أو مانع يمنعها، وهذا المانع لا يكون إلا قوة عظيمة مخلصة واعية من جنس الأمة، نظام قوي يضع حدا لهذا الظلم والعدوان بقطع يده وإزالة سلطانه. وهذا النظام منبثق من العقيدة الإسلامية المنزلة بالوحي، والتي أُمرنا بالاستقامة عليها، واعتبر الخروج عليها طغياناً، وتحكيم غيرها كفراً أو فسقاً أو ظلماً، واحتكاماً للطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به، سواء الأحكام المتعلقة بالعبد كفرد، مثل أحكام الصلاة والصيام، أو المتعلقة بالأمة كجماعة، والتي تطبق من خلال الدولة مثل أنظمة العقوبات، والمعاملات، والقضاء، والاقتصاد، والاجتماع، والتعليم، والسياسة الداخلية والخارجية، والمعاهدات، والحروب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما إلى ذلك، وجماع هذا كله يكون في نظام الدولة الإسلامية دولة الخلافة؛ لذلك كان بديهياً أن يقال بأن إقامة هذه الدولة هو إقامة لكل أحكام الإسلام في الأرض، فهو من أوجب الواجبات وأولاها بالعمل لتطبيقها.

 

ولكن فكرة الخلافة كانت غريبة وكان الناس يفهمون من عبارة (العودة إلى الإسلام) أنها عودة فقط للعبادات والأخلاق. وكانت الأفكار الاشتراكية والقومية والوطنية طاغية بشكل كبير، وكان يُشاع أن الإسلام رجعية وتخلّف وحلم لن يتحقق. ولكن بفضل الله تعالى وتوفيقه ثم عمل المخلصين من أمته فقد أصبحت الخِلافة وجمع الأمة تحت سُلطان حاكم يحكمهم بشرع الله مطلبا للمسلمين على هذه الأرض حتى لو اختلفت الطريقة وضل البعض عن الطريقة الصحيحة لذلك.. فالخلافة من أعظم مقاصدِ الإسلام، وأسمى صور الوحدة والاعتصام التي أمر الله ورسوله بهما، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ﴾.

 

وما يظهر تعطش الأمة للإسلام أنه في كل مكان يكون للمسلمين أن ينتخبوا ويختاروا ما بين "إسلامي" وغيره، في نقابات أو جمعيات أو مؤسسات، أو غيرها فإن الذي يفوز هو "الإسلامي"، وما حصل في تونس ومصر والأردن وغيرها دليل على ذلك.. وهم بذلك يعربون عن صحوة إسلامية تجعل الغرب الكافر يرتعد خوفا من عودة الإسلام إلى حلبة الصراع الدولي، وصار يحارب المسلمين بأنهم (متطرفون وإرهابيون وأصوليون)...

 

ولله الحمد فإن صورة الخلافة حاضرة أكثر من أي وقت مضى، فعدد كبير يريدون ويعملون على استرجاع أمجاد الماضي، يحلمون بعمر الفاروق وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وصقر قريش وهارون والرشيد ووو.. يحنون إلى العزة والكرامة والعدل والقوة، إلى أن يعودوا فعلا خير أمة أخرجت للناس...

 

وهذه الدولة الإسلامية الموعودة - دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة - هي دولة مبدئية تستمد دستورها من العقيدة الإسلامية، والمسلمون مكلفون بإيصال هذه العقيدة لكل الشعوب والأمم..

ولو نظرنا إلى ما يمكن أن تعمله دولة الخلافة للإسلام والأمة الإسلامية لوجدناها في كل مناحي الحياة:

 

سيعود الحكم بما أنزل الله وسيعود كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ليكونا المرجعية عند الأمة تطبيقا لقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾.. وسيعود الإمام الحاكم العادل، وستعود الجماعة بعد التشرذم، وتعود أمة واحدة وجسما متراصّا بعد أن فرقها المستعمرون ومزقوها إلى دويلات وعرقيات متعددة. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ». فنقول كم من القاصيات أُكلن منذ هدم الخلافة، ففلسطين قاصية، والعراق قاصية، وكشمير قاصية، وتركستان الشرقية قاصية.. والقائمة تطول... فتصبح كلها دولة واحدة بلا حدود ولا حواجز، وتعود رابطة العقيدة هي الأساس بدل روابط الوطنية والقومية وغيرها من الروابط المنحطة، فيزداد تماسك المجتمع والناس والدولة.

 

وبالخلافة يعود الأمن والأمان، وتعود للمسلمين قوتهم ومهابتهم في قلوب أعدائهم، هذه المهابة التي فقدوها بفقدان الخلافة، فنزع الله المهابة من قلوب أعدائهم مصداقاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلَيَنْـزِعَنَّ اللهُ مِنْ قُلُوبِ أَعْدَائِكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ»، فصار الواحد منهم والحكام في الدرجة الأولى كالعبد إن سبّه السيد أو ضربه لم يستطع أن يفعل شيئاً حيال ذلك. فستعود المهابة وخوف الأعداء ورعبهم منها، يقول عليه الصلاة والسلام يقول: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»، و«الإِسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعْلَى عَلَيْهِ»..

 

وسيأتي الإمام الجُنة الذي يُقاتل من ورائه، والذي سيعلن الجهاد لنشر الإسلام في العالم كافة. ويسيّر الجيوش لتحرير الأرض المباركة فلسطين وإعادتها إلى حضن الإسلام والدولة الإسلامية، أرض الإسراء والمعراج، أرض المحشر والمنشر. فإن كيان يهود ما كان ليوجد على أرض فلسطين لو كانت الخلافة قائمة. وكلّنا يعرف موقف الخلافة زمن العثمانيين ورفضها التنازل عنها وهي في أشد حالاتها ضعفاً.. هذا الإمام الذي سيحمي بيضة الإسلام ويحمي المسلمين في كل مكان ويرد عنهم العدوان والظلم ويحفظ أرواحهم وأموالهم وبيوتهم...

 

ستعود للأمة الإسلامية ثرواتها وخيراتها وأموالها التي نهبها الكفار وعملاؤهم تحت سمع المسلمين وبصرهم. ويزدهر اقتصادها. وتعود التجارة والصناعة والزراعة ومختلف الأعمال والعلاقات التجارية الداخلية والخارجية. ويصرف الخليفة الموارد في رعاية شؤون الأمة وقضاء مصالحها، ليعيش الناس في سعة ورخاء وبركة وهناء. ذكر ابن خلدون في مقدمته أن ما حمل إلى بيت مال المسلمين ببغداد أيام الخليفة العباسي المأمون ما يعادل اليوم 70 مليار دولار و1700 طن من الذهب. فكيف الحال اليوم لو كان للمسلمين خلافة راشدة على منهاج النبوة ورزقهم الله بخليفة يخاف الله، فهل يبقى في دار الإسلام فقير واحد؟!! ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي لم يجدوا في دار خلافته فقيراً واحداً يستحق الزكاة. وستُطبق أحكام النظام الاقتصادي الإسلامي وتختفي البنوك والربا والاحتكار والبطالة والمحسوبيات والواسطات، ويأخذ كل ذي حق حقه في العمل والمناصب.

 

سيعود للإسلام والأمة الإسلامية عزها ومجدها ومكانها العلمي في المقدمة، سيكون التعليم بكل درجاته متاحا للجميع وليس مقتصرا على الأثرياء وأصحاب السلطة، وسيكون لها تفوقها العلمي والتكنولوجي اللازمين للصناعات الثقيلة وأدوات الحرب الحديثة وغير ذلك من نواحي الحياة التي ستستخدمها الدولة في نشر الإسلام. وكل ذلك لن يتحقق إلا بوجود سلطان مخلص لربه، حريص على مصالح أمته، ولن يتم إلاّ بامتلاك تكنولوجيا نوعية، وعلماء مبدعين، وعند وجود دولة الخلافة راعية الإبداع سيعود علماء المسلمين المهاجرون في بلاد الغرب. ويعود التفوق العلمي والعسكري كما كان في الماضي حين استطاع المسلمون التغلب على التفوق العلمي والعسكري عند الروم والفرس، وبعد ذلك أبدع المسلمون باستخراج مكنونات هذه الأرض وكشف القوانين العلمية التي تحكمها وحققوا إنجازات رائعة في مجال الطب والهندسة والفلك والجغرافيا وغيرها، وكانت أوروبا ترسل طلابها ليتلقوا العلم عند المسلمين.

 

ستعود أحكام الله وحدوده للتطبيق وسيتم الضرب بيد من حديد على من يتعدى حدود الله، وستزول الغشاوة عن المفاهيم الإسلامية الصحيحة التي شوهها الغرب وأعوانه بمفاهيم الحضارة الرأسمالية العلمانية العفنة. وتعود للأسرة والمرأة مكانتها الحقيقية التي أعطاها إياها الإسلام، والتي شوهها أعداؤه والمضبوعون بثقافتهم، وأوهموها أنها نالت حقوقا سلبها منها الإسلام، وحققت إنجازات حرمها منها الإسلام، بينما الواقع عكس ذلك، فإن انحدارها وشقاءها سببه البعد عن أحكام الإسلام وانتهاج المنهج الغربي في البحث عن حقوقها..

 

فإن الخلافة الراشدة هي التي ستصون عرض الأمة، وهي التي ستحفظ المرأة، وهي التي ستُحرك لها الجيوش، فهذا ما فعله رسول الله e عندما تعدى يهودي على لباس امرأة مسلمة، وما فعله الخليفة المعتصم أيضا.. والخلافة الراشدة هي التي تصون الأسرة والمجتمع، وهي التي تطبق أحكام النظام الاجتماعي وتمنع الفسق والفجور والسفور والاختلاط. تمنع المنكرات والتعدي على أحكام الله أو حقوق العباد. تسيطر على الإعلام وتوجهه للصالح العام، تغلق فضائيات وبرامج الفساد والإفساد، وتراقب مواقع النت وتمنع المواقع الفاسدة والمسيئة أن تصل للناس.. فإن الموبقات وأسباب الفساد ما هي إلا نتيجة مباشرة لغياب الكيان السياسي التنفيذي الذي يطبق الشرع. فإن عز المرأة ومجدها ودرعها الحامي هي الخلافة والخليفة الراعي.. وما محاربة الغرب للباس الشرعي ولأحكام النظام الاجتماعي إلا حربا على الإسلام.

 

بعد هذا كله.. وبعد طول غياب عن تحكيم شرع الله في شؤون حياتنا بغياب دولة الإسلام التي يرعاها خليفة المسلمين وسلطانهم، أما آن للمسلمين أن يعودوا إلى مَعين عزتهم ومصدر قوتهم ووحدتهم، بعد أن رأَوا بأم أعينهم ما جرّت عليهم معصيتهم هذه من ويلات، وذلك ببعدهم عن دينهم وتخليهم عن دستورهم الخالد وأحكامه وتشريعاته؟!! وصدق الله العظيم القائل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾..

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع