- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمة الوسط يجب أن تكون مستعدة للتضحية بما تحبه في سبيل الله
(مترجم)
سيواجه المسلم العديد من الاختبارات والصعوبات والتحديات والإغراءات والانحرافات في طريق حمل الدعوة لإقامة نظام الله سبحانه وتعالى على الأرض. الشخص الوحيد الذي يتوق للجنة ولرضا الله أكثر من أي شيء في هذا العالم هو الوحيد القادر على التضحية بكل ما هو مطلوب على حساب مصالحه أو رغباته وطموحاته وحياته للاستجابة لأمر الله الذي ألزمه هو أو هي - أن يحمل مهمة الأنبياء، المتمثلة في إقامة دين الإسلام وإرجاعه قوة عظمى في هذا العالم.
التضحية تعني التخلي عما هو عزيز علينا - سواء أكان ذلك من وسائل الراحة لدينا أو الوقت والثروة أو الملذات أو الرغبات أو الطموحات أو المصالح - من أجل ما يتوق إليه قلبنا أكثر. رمضان هو تذكير كبير لهذا المفهوم، لأننا كمؤمنين نترك هذا الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للإنسان - الطعام والشراب - من أجل رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنة، مع إدراك أن هذا يفوق متع الحياة وملذات هذا العالم.
ومع ذلك، لتحقيق دور "الأمة الوسط"، والالتزام بأن نكون كما يصفنا الله سبحانه وتعالى شهداء على الناس، يتطلب النضال والتضحية... وأكثر بكثير من مجرد تضحية عادية لعدد قليل من الرغبات. في الحقيقة، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162]، لذلك فإن المسلم الذي يفهم حقاً مدى خطورة واجبه في أن يكون شاهداً على الناس ويصل إلى أعلى مراتب الجنة، يقدر أيضاً أن هذا سيتطلب منه التضحية بما قد يكون عزيزاً عليه، مما قد يكون سهلاً أو مريحاً سواء في الوقت أو الجهد أو النوم أو الثروة، من أجل الله سبحانه وتعالى. الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92]
نرى هذا المستوى من "البر" في حياة الصحابة والصحابيات، مثل مصعب بن عمير الذي ضحى بأسلوب حياته الفخم كشاب، ومكانته العالية في المجتمع، وكل وسائل الراحة التي تمتع بها من أجل الإسلام وحمل رسالته إلى الناس؛ رأيناها مع سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام، ضحت بحياتها من أجل النطق بكلمة حق في وجه أعداء الإسلام؛ ورأيناها مع أبي بكر الصديق الذي ضحى بكل ثروته من أجل معركة تبوك لتعزيز هيمنة الإسلام في العالم. في الواقع، كان بسبب التضحيات العظيمة لأصحاب النبي eوالمؤمنين الأوائل أن الإسلام انتشر في جميع أنحاء العالم، مما أدى بنا إلى أن نعتبر أنفسنا مسلمين اليوم.
ومع ذلك، فإن هذا المستوى من التضحية ليس سهلاً. لتحقيق ذلك يتطلب أن نتوق للجنة حقا ولرضا الله سبحانه وتعالى وتفضيل ذلك على جميع الأشياء الأخرى في الحياة. لا يمكن ببساطة أن يكون هذا شيئاً تعبر عنه ألسنتنا - بل يجب أن يكون واضحاً في أعمالنا وحياتنا. يتطلب إدراك أن حياتنا لا يمكن أن تكون حياة عادية يتم قضاؤها ببساطة من خلال السعي لتحقيق الملذات والراحة في هذه الدنيا أو الروتين العادي للحياة، أو حيث يكون تركيزنا الأساسي أو أولويتنا أو اهتمامنا على زيادة ثروتنا وممتلكاتنا أو تزيين منازلنا، أو بناء مكانة عالية لنا ولأطفالنا في المجتمع، أو الاستمتاع بترفيه وملذات هذه الدنيا. قال النبي e، بعدما فهم المهمة العظيمة التي كلفه بها الله سبحانه وتعالى لتبليغ دينه سبحانه وتعالى للبشرية، لزوجه خديجة رضي الله عنها: «لَا رَاحَةَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَا خَدِيجَةُ» وفي ذلك تأكيد على حقيقة أنه بالنسبة للشخص الذي يهتم بهذه الدعوة، كما هو واجب على كل مسلم، فقد انتهى وقت الاسترخاء والاستغراق في وسائل الراحة والثروة والطموحات الشخصية والأفراح المؤقتة لهذه الحياة - لأن هناك مخاوف أكبر بكثير يجب أن تستهلك الطاقات والتفكير والقلق - مكانة الإسلام في هذا العالم وموقعه بالنسبة للإنسانية. يتجلى هذا الشوق الحقيقي للجنة وكسب رضوان الله في كل شيء في مثال الشاعرة الخنساء، التي وقفت مع أبنائها الأربعة في معركة القادسية وحفزتهم على القتال في سبيل الله. وعندما سمعت أن الأربعة قد استشهدوا في المعركة، قالت: الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وإني لأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
سبحان الله!
ومع ذلك، فإن بهرجة هذا العالم، والخوف من فقدان وسائل الراحة لدينا أو اهتماماتنا يمكن أن تصرف انتباهنا، أو حتى تمنعنا من تحقيق هذه المهمة الهامة في الحياة المتمثلة في السعي لإقامة نظام الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض. مما يمكن أن يحجب تلك الرؤية والتوق لدينا للوصول لمكانة عالية، الجنة. إذا كان هذا هو الحال، فعلينا أن نتذكر أن كل شيء في هذا العالم ليس سوى زخرفة هشة وضعها الله سبحانه وتعالى أمامنا، لمجرد اختبارنا في إيماننا - بشأن ما إذا كنا ننشغل بها أم لا، كما يقول في الآية التالية: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾. [الكهف: 7] وبالتالي، هذا هو التذكير بأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن جميع بهرجة هذا العالم هي مجرد ديكورات ويجب ألا تحتل في أعيننا وزنا أكبر مما تستحق، بحيث تمنعنا من طاعة ربنا سبحانه وتعالى. قال سبحانه وتعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ [الكهف: 46]
علاوة على ذلك، أحد أعظم خداع الشيطان هو تضخيم سحر وملذات هذه الحياة في أعيننا بحيث تبدو أنها أكثر قيمة مما هي عليه في الواقع، حتى ننصرف عن مسرات الجنة وإهمال أوامر ربنا سبحانه وتعالى. يقول الله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر: 5]
علينا أيضاً أن نفكر دائماً في حقيقة أننا جميعاً مدركون تماماً الطبيعة المؤقتة والقصيرة لجميع وسائل الراحة والملذات في دنيا والتي ستنتهي. في الواقع، هذه الحياة تشبه قطعة من الثلج تركت في الشمس فسوف تذوب وتتلاشى قريباً، في حين إن الآخرة التي خصصها الله سبحانه وتعالى بالنسبة لنا هي أبدية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20]
ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ﴾ [الرعد: 26] لذا فإن أفراح هذه الحياة ليست سوى متعة عابرة ومضللة. هل نرغب حقاً في التضحية بالمسرات الأبدية للجنة بسبب الخوف من فقدان بضع لحظات مؤقتة من الراحة والسرور في هذه الحياة التي تشغلنا أو تعيقنا أو تمنعنا عن الوفاء بواجبنا الحيوي المتمثل في العمل على إقامة نظام ربنا سبحانه وتعالى، والخلافة على هذه الأرض؟
علاوة على ذلك، نحن بحاجة إلى أن نقدر حقاً كيف تقارن مباهج الدنيا غير المهمة والصغرى بالنعم الدائمة التي لا يمكن تصورها والتي تنتظر عبد الله الصالح في الجنة، حيث سيتم إعطاؤهم كل ما يمكن لقلبهم أن يتمناه وأكثر إن شاء الله. يقول الله تعالى: ﴿أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ [التوبة: 38] ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ [الإنسان: 20]
الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبي e مم بنيت الجنة؟ فأجاب: «لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ»؛ وقال النبي e أيضاً، «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ».
بعد النظر في كل هذا، يجب أن نسأل أنفسنا بالتأكيد... ما الذي نحن على استعداد للتضحية به من أجل رضا الله سبحانه وتعالى وأن نستحق هذه المسرات الأبدية؟ ماذا فعلنا من أجل قضية دينه، الإسلام، لكسب الحق في مثل هذه النعم التي لا يمكن تصورها؟ وكيف يمكننا أن نتحمل الخسارة لمثل هذه الفرصة الذهبية بالحصول على مكانة عالية في الجنة وعد أولئك الذين يحملون الدعوة لإقامة نظام الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض؟ قد نأسف على ضياع فرص في الدنيا، ولكن لا يمكن أن يكون أي أسف بالتأكيد أكبر من الخسارة في الآخرة، بسبب اهتمامنا باقتناء أو الحفاظ على بهارج هذا العالم الفاني، الخادعة والمضللة!
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ذات مرة: "إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَاكُمُ الدُّنْيَا لِتَطْلُبُوا بِهَا الآخِرَةَ، وَلَمْ يُعْطِكُمُوهَا لِتَرْكَنُوا إِلَيْهَا، إِنَّ الدُّنْيَا تَفْنَى، وَالآخِرَةَ تَبْقَى، لا تَبْطَرَنَّكُمُ الْفَانِيَةُ، وَلا تُشْغِلَنَّكُمْ عَنِ الْبَاقِيَةِ، آثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ".
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير