- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الذّهب الأصيل لا تزيده النّار إلاّ نقاء وصفاء
والمسلم لا يخشى إلّا الله
أكثر النّاس تعرّضا للأذى هو المسلم الذي يدعو إلى تحكيم شرع الله واستئناف الحياة بالإسلام لأنّه بذلك يحارب النّظام القائم الذي يعمل على إخراج النّاس من نور الإسلام إلى ظلمات أحكامه الفاسدة. الذي يعمل على إعادة الإسلام نورا يضيء درب البشريّة بأحكام ربّ البريّة، فهو يجاهد في سبيل إعلاء كلمة الحقّ لا يخشى في الله لومة لائم راجيا أن يكون ممّن يحبّهم الله عزّ وجلّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
لقد وعت ثلّة من المؤمنين واجبها ومسؤوليّتها في هذه الحياة: حمل الأمانة بإعادة الإسلام نظاما لحياة الأمّة والبشريّة والحفاظ عليه وإعلاء كلمته. صار هذا هو شغلها الشّاغل الذي تبذل في سبيله الغالي والنّفيس وتضحّي من أجله بدنياها لتفوز بالآخرة وبحبّ الله لها. فجعل هؤلاء الدّعوة ونصرة دينهم على رأس قائمة أولويّات حياتهم ولا شيء أحبّ إلى قلوبهم من حبّ الله ورسوله يخشون الله ويخافون أن يكونوا ممّن قال فيهم ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.
قال بعض العلماء: "القلب في سيره إلى الله كالطّائر تماماً: المحبّة رأسه والخوف والرّجاء جناحاه، فمتى سلم الرّأس والجناحان فالطّائر يجيد الطّيران ومتى قُطع الرّأس مات الطّائر، ومتى فقد جناحيه, فهو عرضة لكلّ صائد وكاسر". وعليه فلا بدّ من اجتماع محبّة الله وتعظيمه والخوف ومنه ورجائه في قلب المؤمن حتّى يسير على الطريق المستقيم ولا يحيد عنه.
إنّ ما يلقاه الدّاعي إلى شرع الله من دعاة الظّلمات عظيم وما يكيده هؤلاء للإسلام وأهله كبير ولكنّ المؤمن يلتزم بالحقّ يقوله ولو كان مرّا، يقوم لله شهيداً بالقسط ولو على نفسه لا يخشى إلّا الله ولا يحابي أحداً ولا يداهن لأنّه آمن بالله ربّا وبالإسلام دينا وعلم علم اليقين أنّ طريق الحقّ واحد وإن كان صعبا وإن ملأته الأشواك. وعلى المسلم أن يستمدّ قوّته من إيمانه بالله ومن يقينه أنّ الله معه وأنّه ناصره كما نصر من قبل رسله وعباده الصّالحين. فيتغلّب على الضّعف والخوف من الظّالمين ويصبر على الابتلاءات والمحن التي لا تفتنه عن دينه ولا تردّه عن إيمانه بل تقوّيه وتثبّته وتزيده إيمانا ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾.
من مظاهر قوّة المؤمن شجاعته في مواطن البأس، وثباته في مواضع الشّدّة، فلا تزلّ له قدم، ولا يتزعزع له ركن، لأنّه لا يخشى النّاس ولا يبالي بالأعداء يسير في هذا الطّريق لا يخاف على نفسه إلّا من ذنبه ومن سخط ربّه عليه. قال عليه أفضل الصّلاة والسّلام: «لا يخافنّ العبد إلّا ذنبه، ولا يرجونّ إلاّ ربّه» فالمسلم يستمدّ القوّة من إيمانه بربّه ويقينه بأنّه وكيله ونصيره فلا تزيده الشّدائد إلاّ عزيمة مع عزيمته، وقوّةً مع قوّته فيصير كالذّهب الأصيل، لا تزيده النّار إلاّ نقاءً وصفاءً. يرمى به في سجون الطّواغيت وينكّل به ويعذّب ويخرج أكثر ثباتا ويقينا وإن كتب الله له أن ينتهي أجله فموت في طاعة خير من حياة في معصية وبإذن الله نحسبه شهيدا عند ربّه وقد قال كلمة حقّ عند جائر وظالم!
فالمؤمن القويّ يسير بمعونة من الله وينظر بنور منه ويرمي بقوّة منه ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءاً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. والمؤمن قويّ لأنّ فكرته واضحة ولأنّ منهجه سليم وصحيح وهو ثابت عليه فلا يغريه وعد ولا يثنيه عن السّير فيه وعيد كما لا ينحرف عنه طمعا ولا خوفا... يسير وهو يدعو لهذا الخير فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويهدي لهذا الطّريق المنير الذي أكرمه الله به.
فيقينه أنّ النّاس لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلّا بشيء قد كتبه الله له، وإن اجتمعوا على أن يضرّوه بشيء لم يضرّوه إلاّ بشيء قد كتبه الله عليه، وأنّ الله سبحانه وتعالى بيده مقاليد السّماوات والأرض، وإليه يُرجع الأمر كلّه ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾. كلّ هذا يقوّيه ويشحذ همّته فلا يخاف عدد الأعداء ولا قوّتهم فـ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةاً كَثِيرَةاً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ولا كثرة مالهم وعتادهم فـ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةاً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ ولا مكرهم وكيدهم ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. يمشي في طريق الحقّ ثابتا متيقّنا بنصر ربّه وتمكينه.
إنّ ما أصاب المسلمين من ضعف ووهن مردّه سوء فهمهم للإسلام وبعدهم عن أحكامه فأصبح إيمانهم إيماناً وراثيّاً، يأخذونه عن آبائهم كما يرثون الأراضي والأموال، لا تأثير له في حياتهم ولا حيويّة «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» بيّن لنا رسول الله e سبب الوهن وسرّ ضعف المسلمين: الرّكون للدّنيا والعيش لها والخوف من الموت وكراهيّته وهو ما جعلهم يحيون حياة ذليلة يخيّرونها على الموت الكريم يؤثرون الحياة في ظلمات الجهل والكفر والابتعاد عن شرع ربّهم على الموت من أجل نور الله ودينه الذي ارتضاه لهم فجعلهم به خير أمّة.
للصَّدْعَ بالحقّ تبعات لا يستطيع تحمّلها إلّا عباد الله المخلصون العاملون على نيل رضاه بتحكيم شرعه ورفع راية دينه. هذا الحقّ يخالف هوى أصحاب النّفوذ ويهدّد مصالحهم لذلك يعلنون حربهم عليه وعلى الدّاعين له ويسعون جاهدين للحيلولة دون ظهوره للنّاس بالتّشويه والادّعاءات والأكاذيب والافتراءات... وبالتّخويف والتّنكيل والتّرهيب والتّقتيل حتّى يلجموا هذه الأصوات الدّاعية للخير. ولكن رغم كلّ ذلك يصدع هؤلاء المخلصون بالحقّ دون خوفٍ أو تردّدٍ، ويبذلون النّصح للمسلمين خاصّتهم وعامّتهم ولا يتوقّفون عن قول الحقّ والدّعوة إلى طريق النّور والمناداة بسلوكه وجعله منهجا للحياة كلّها يدفعهم في ذلك شعورهم بالمسؤوليّة وبالأمانة وحبّ الخير للنّاس في شتّى بقاع الأرض. فعلى المسلم المحبّ لله أن يغار على دينه ويحول دون أن تنتهك حرماته فحبّه هذا يجعله يحبّ أن يكون الخلق كلّهم عبيداً لله طائعين له لا يعصونه ولا يتجاوزون حدوده. قال بعضهم: وددت لو أنّ لحمي قرض بالمقاريض، وأنّ أحداً لم يعص الله عزّ وجلّ.
عن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله e وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرّجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثمّ يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدّه ذلك عن دينه والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه ولكنّكم تستعجلون».
ليكن قلب كلّ مسلم مملوءا بالثّقة بنصر الله وتأييده وتمكينه! ليكن كلّ مسلم متوكّلا على الله وحده ولا يخشى أحدا سواه! ليكن كلّ مسلم صوتا للحقّ جاهرا به يقف في وجوه الطّواغيت المجرمين ويعمل على اقتلاع هذا النّظام الرّأسماليّ الفاسد القابع على صدور النّاس! ليكن كلّ مسلم ثابتا قويّا لا يضرّه ما يلحق به من أذى في سبيل ذلك لأنّه ابتلاء من ربّه يمحّص به قلبه ليجعله من عباده الذين صبروا حين أوذوا وهم يذودون عن دينهم ويعملون لرفع رايته وإعلاء كلمته ولم يبدّلوا تبديلا. ليكن كلّ مسلم صبورا فلا يستعجل النّصر فالنّصر بيد الله وحده! ليكن كلّ مسلم على يقين أنّ العاقبة للمؤمنين ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت