- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾
وعى الغرب الكافر جيّداً - وعبر الأزمنة والقرون - أنّ أمّة الإسلام إذا اتّحدت تحت راية دينها في دولة واحدة فالغلبة لا محالة لها، وأنّ المسلمين منتصرون على أيّ أمّة مهما بلغت من قوّة ومهما علا سلطانها، وأنّ الإسلام هو الأخطر على مصالحهم وهو البديل الحضاريّ القويّ والثّابت للبشريّة جمعاء. لذلك عمد الغرب الصّليبيّ إلى فصل الأمّة عن دينها وأوجد حالة من الإحباط واليأس لديها فنزع ثقتها بدينها وشكّك في نجاعة أحكامه وفي عدل دولته وقوّتها، بل نزع ثقة الأمّة الإسلاميّة بنفسها فطمس تاريخها العظيم وغيّب أمجاد وبطولات المسلمين السّابقين منهم وحتّى اللاّحقين. قال الحقّ تبارك وتعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
لأنّه على يقين أنّ استمرار هيمنته وسيطرته على العالم هي رهن بقاء حالة العجز والإحباط لدى الأمّة عمد الغرب إلى التّأثير على المسلمين قبل الثّورات العربيّة وبعدها عبر وسائله المتعدّدة كالإعلام وما ينفثه من سموم في نشراته الإخباريّة ومسلسلاته الهابطة وما يبثّه من برامج كرويّة وبهلوانيّة يستنفدون بها طاقات الشّباب الجبّارة وعبر صناعته للعملاء بلبوس الإسلاميّين تارة ولبوس الحقوقيّين تارة أخرى وتغيير الوجوه الحاكمة بما يتناسب مع الأوضاع، كما نشر مفاهيم ورفع شعارات برّاقة في صفوف الشّعوب المسلمة كالدّيمقراطيّة والحرّيات ليفتح أمامها أبوابا للعيش في ظلمات نظامه الوضعيّ وتبتعد عن هدي ربّها ونوره. كما عمل على إيجاد حالات من التّخبّط السّياسيّ وعلى صناعة الأزمات وبثّ الفوضى فكانت العمليّات "الإرهابيّة" في تونس ومصر، وكان الاقتتال والحرب في اليمن وليبيا، وكان الاستبداد والانقلاب في مصر... فانتشر الخوف والفزع والخصاصة والجهل وعمّ الظّلم والقمع؛ ما دفع بالشّعوب المسلمة للقول "إنّ العمل للتّغيير لن يزيد الوضع إلّا سوءاً".
نتج عن هذا صدام الشّعوب مع كلّ من يسعون للتّغيير خاصّة أولئك الذين رشّحتهم وأعطتهم ثقتها ليحكموها على أساس الإسلام فخذلوها وانساقوا وراء وهم الدّيمقراطيّة ونفّذوا أجندات مملاة عليهم من الغرب وخانوها. بعد تجربتها هذه والتي خاضتها بعد الثّورات فقدت الشّعوب ثقتها بمن يسعون للتّغيير على أساس الإسلام (كما حصل في تونس ومصر وغيرهما)، ولم تع أنّ كلّ ذلك نتج عن خبث الغرب ومكره ودهائه ومؤامراته ليفرض عليها إحباطا بعجزها عن التّغيير ويجعلها تتيقّن بفشلها في القيام به لترضى بما هي عليه وبسيطرة الغرب وحكمه.
غاب الوعي السّياسيّ عن الأمّة وغاب عنها ما يُحاك لها من أعدائها حتّى بات بعض المسلمين يعُدّ الغرب الكافر وأدواته المنقذَ من الأزمات ومن التّخلّف وأنّه لن ينهض المسلمون إلّا وهم يسيرون بهدي الغرب وأحكامه، وتناسى هدي خالقه ونوره، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
علّمنا الإسلام العظيم أنّ الباطل مهما صال وجال ومهما قويت شوكته فإنّ الحقّ منتصر لا محالة ما دام المسلم قد أدرك أنّ النّجاة والعزّ والتّمكين لا يكون إلاّ بمعيّة الله عزّ وجلّ وأنّ علينا حتّى ننهض بأمّتنا ونعيد مجدها أن نكون دائما مع الله في غايتنا التي نريد تحقيقها وفي طريقتنا التي نسلكها وفي عملنا الذي نخطّط له. لذلك - وحتّى يمكّننا الله وينصرنا - علينا أن نتّبع هذا السّبيل الذي يمرّ بستّ مراحل حتّى نتمكّن من مواجهة الغرب الكافر وأشياعه وأتباعه:
أوّلا: التّواصل مع الأمّة بكلّ الوسائل المتاحة ودفعها للنّهوض فكريّا وتجلية الأمر لها وتوضيح واقعها: بأنها مستضعفة منتهكة منهوبة مسفوكة دماؤها، وفي الوقت نفسه كشف عورات الغرب ونظامه وفساده وفضح فشله وانحدار أفكاره.
ثانيا: إيجاد وعي سياسي لدى أمّة الإسلام لتدرك به حقيقة وضعها.
ثالثاً: حملُها لمشروع سياسي يكون بديلا حضاريّا عن أنظمة الكفر.
رابعاً: وضوح المشروع والطّريق لإيجاد هذا المشروع: فالإسلام عقيدة ونظام منبثق عنها ينظّم الحياة.
خامساً: الإخلاص لله وحده وهمم تناطح السّحاب.
سادساً: يقين بوعد الله بالنّصر والتّمكين لا يفتر مهما تكاثرت الأزمات.
إنّ الله تعالى بشّرنا بالنّصر والتّمكين والاستخلاف شرط الالتزام بتقوى الله والسّير على هدي الله القويم ونوره الكريم والله ناصرٌ عباده المخلصين ولو بعد حين. قال الحقّ تبارك وتعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
أ. سندس رقم