- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسرة: سفينة تتقاذفها الأمواج فكيف السّبيل إلى برّ الأمان؟
تفشّت المفاهيم الفاسدة في المجتمعات فجعلت الرّوابط قائمة على المصالح والمنافع وداست على صلات الأفراد فجعلتهم غرباء فيما بينهم. ومن أهمّ نتائجها ما يحدث للأسرة من تفكّك وفصام بين أفرادها. فقد عصفت رياح هذا النّظام القائم - والذي يحكم العالم - بكلّ الرّوابط وغيّرت المفاهيم وجعلت "الميثاق الغليظ" الذي ربط طويلا بين الزّوجين مجرّد عقد تقوم بنوده على توفير مسكن جميل وسيّارة فخمة وزوج تعمل لتساعد زوجها على توفير متطلّبات الحياة اللّامتناهية والمكلّفة. وبسبب خلاف بسيط تافه تُفَكّ عُقد هذا الميثاق وتنهار الرّوابط وتتحطّم الأسرة فلا اعتبار للعشرة والصّحبة والبناء. لقد تحوّلت أسس اختيار الأزواج من "من ترضون دينه" ومن "اظفر بذات الدّين تربت يداك" إلى (من له قصر وسيّارة) وإلى (من تعمل وتساهم في مصاريف البيت) لتصبح أسسا واهية تنهار أمام أبسط العوائق والمشاكل.
صار العنوان الكبير والعريض الذي يحكم العلاقات هو (المصلحة والأرباح المادّيّة) وضُرب بالقيم الأخرى عرض الحائط فأصبح النّاس في ظلّ هذا النّظام الرّأسماليّ يلهثون وراء الحاجات التي لا تنتهي. يبحرون في بحار من الحاجات والشّهوات والرّغبات بل يغوصون فيها للحصول على أكبر قسط منها. هم أشبه بسفن تسير في بحار هائجة تتلقّفها أمواجها العاتية فتضرب بها هنا وهناك! ركّابها متعبون! يجمعون الأنفاس! ويبحثون عن شاطئ ترسو عليه سفنهم: شاطئ أمان! والقراصنة المجرمون يرقبون هذه البحار ويعملون على أن يغرقوا السّفن وركّابها بل ويتفنّنون في ذلك! وبعيون حائرة خائفة يتساءل الرّكّاب كيف ومتى الخلاص؟
بهذه الصّورة أرى المجتمعات وبهذه الكيفيّة ألحظ ما يحدث للأسر في ظلّ نظام متوحّش جعل الإنسانيّة تموت بالحروب والويلات أو بالفقر والمجاعات. نظام قراصنة يعمل على الفناء فلا يريد للنّاس العيش ولا البقاء. عمله متواصل ودؤوب. لا يكلّ ولا يملّ يقتّل ويسفك الدّماء وينهب ثروات الشّعوب تحت عناوين صنعها لتبرير جرائمه؛ فهو يحارب الإرهاب وأهله وهل غير الإسلام يعني؟ وينشر ثقافته في المجتمعات عبر الوسائل المتنوّعة والمختلفة؛ عملاء ينفّذونه ويسهرون على بقائه، إعلام يروّج لما يمليه، سياسة تعليم تقوم على ترسيخ مفاهيمه في النشء، منظّمات وجمعيّات تنشط لبثّ أفكاره المسمومة...
يسير نظام القراصنة هذا بخطا حثيثة ليهدم المفاهيم الإسلاميّة المتبقّية لتغرق الأسر في هاوية مفاهيمه الرّأسماليّة العلمانيّة الغربيّة التي تقوّض بناء الأسرة المسلمة وترمي بها في بحار مظلمة تجعلها تتخبّط ولا تهتدي لمرسى آمن!
ما يعانيه الآباء والأبناء من غربة مخيفة وجفاء كبير خيّم على العلاقات بينهم ينذر بخطر محدق يهدّد تلك الأواصر التي ربطت طويلا الأسرة المسلمة ليجعلها تسير على خطا ما تعانيه الأسر في دول الغرب من تفكّك وتشتّت! أصبح لكلّ فرد عالمه الخاصّ به لا يدري عن الآخر شيئا ولا تربط بينهم إلا وجبة طعام أو غرفة نوم - في أفضل الأحوال -.
مآسٍ كثيرة نراها وينفطر القلب لسماعها فما صار عليه أبناء المسلمين من تيه وضياع مؤلم يوجب حلولا عاجلة لإنقاذهم من براثن العلمانيّة المتوحّشة. فمن نشأة في طاعة الله حوّلتهم العلمانيّة المقيتة إلى نشأة في أحضان الموضة والجري وراء الشّهوات وتلبية الرّغبات وتجاهل كامل لأحكام الله والبحث فيها! من خفض جناح الذّلّ للوالدين والبحث عن رضاهما والدّعاء لهما بالرّحمة كما ربّياهم صغارا إلى عقوق وتجاهل لهما وربّما الرّمي بهما في ديار المسنّين!
من سعي متواصل لربط صلات الرّحم والتّسابق في نيل الخيرات والأجر إلى انتظار المناسبات للقيام بذلك! لقد صارت الأسر تنتظر المناسبات لتربط صلات الرّحم وتتزاور فيما بينها! أيّ حال هذا الذي وصلت إليه أمّة الإسلام بعد أن غاب عن حياتها دينها؟ أيّ حال هذا الذي بلغته لتسير على خطا ما يحدث في بلاد الغرب من تفكّك وتجاهل وعيش نكد؟!!
نداء استغاثة نطلقه لكلّ المسلمين: الأُسرَة! الأُسرَةَ! إنّها النّواة التي بصلاحها تصلح الشّجرة وبفسادها تفسد. كيف نتطلّع للعيش في ظلّ أحكام الإسلام واستئناف الحياة الإسلاميّة وأبناؤنا وشبابنا - الذين هم عماد التّغيير - تائهون ضائعون وسط هذه العواصف الهوجاء التي تحيط بهم من كلّ جانب؟! كيف نطمح في غد مشرق ينيره شرع الله بأحكامه العادلة وخيوط العناكب السّامّة تحيط بأبنائنا ونسائنا وتحكم قبضتها عليهم لتجعلهم فرائس سهلة لمخطّطاتها؟
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ e قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»: فأنت أيّها الزّوج/ الأب راع. وأنت أيّتها الزّوج/ الأمّ راعية. الكلّ راع وأوّلهم الأمير الذي هو مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ يرعاها وينفّذ أحكام الله فيها فيصلح حالها. لكنّ الأمّة اليوم بلا دولة تجمعها وبلا راع يذود عنها ويحميها فكيف سيصلح حال الرّجل والمرأة والأبناء؟ فمهما حاول الأفراد إصلاح ما طرأ على الأسرة فسيعجزون أمام هذا التّيار الجارف وأمام هذه العواصف التي هبّت لتغرق الأسر في بحار العلمانيّة العكرة. الكلّ مسئول عن إعادة دولة الإسلام التي تحمي الأسر وتدفع الكلّ ليقوم بمسؤوليّاته خوفا من الله وطمعا في نيل رضاه.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير
زينة الصّامت