الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

متى تنتهي أزمة كورونا؟

 

لقد عانى البشر على مرّ تاريخهم الطويل من أوبئة كثيرة نالت من سلامتهم الجسديّة وأثرت على تناميهم عدديّا أو عمليّا لسرعة انتشار هذه الأوبئة وظهورها بطريقة مفاجئة وسريعة بحيث لا تمنح للناس فرصة لمقاومتها وصدّها إلا بعد أن تحصد آلاف الأرواح وبعد أن تحدث اضطرابا وبلبلة في المجتمعات. ولو استعرضنا تاريخ الأوبئة من حيث الزمان والمكان لوجدنا أنّ الأمم لم تخلُ من ظهورها وانتشارها كالطاعون ومنه الطاعون الأسود والإنفلونزا بأنواعها وخاصة الإسبانية التي أودت بحياة 75 مليون شخص عبر العالم والكوليرا والإيبولا والسارس وغيرها وصولا إلى كورونا...

 

ولعلّ تواصل اجتياح فيروس كورونا لدول العالم والعجز عن مواجهته أو اكتشاف لقاح يمكن أن يوقفه رغم الجهود الحثيثة للحدّ منه، ورغم الإجراءات الصارمة للحكومات لحصر انتشاره، مع فشل دول كثيرة كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وأمريكا أمام هذا الوباء الذي لا يُرى بالعين المجرّدة، واستسلام دول أخرى كإعلان لشبه هزيمة لمواجهته، مع تكشّف ضعف الأنظمة الطبية حتى على مستوى دول متقدمة، جعل أسئلة كثيرة تتردّد إلى أذهان الناس: متى تنتهي أزمة كورونا؟ ومتى سيستعيد الناس حياتهم الطبيعية؟

 

لأنّ هذا الوباء ما زال يستفحل حسب تقارير طبية رسمية، وما زال يتمدّد ويطيح بمزيد من ضحاياه، وهو يُصيب المسلم والكافر في مشارق الأرض ومغاربها، لكنّ الفرق هو في طريقة النظرة إليه كابتلاء والتي يتفرّد بها المسلم المؤمن بعقيدته والذي يُحسن ظنّه بربّه، فتُرشده هذه النظرة إلى التصرّفات الفضلى وعياً ومواجهة ليتجاوز هذه الأزمة على خير بمنأى عن الإحباط واليأس والتوجّس والخيفة التي يُعاني منها الغرب الذين يحسبون كلّ صيحة عليهم.

 

قبل أن نتساءل متى تنتهي أزمة كورونا؟ يجب أن نقف أولا على نقطة مهمّة وهي أنّ الأوبئة سُنن ماضية لن تبقى ولن تدوم، وستمضي هذه الأزمة كما مضت أوبئة كثيرة من قبل، بإذن ربّها، لأنّه ما من شيء أزليّ في هذا الكون، ولكلّ بداية ونهاية قدّرها الله له، والتاريخ خير دليل على ذلك، فكما أسلفنا سابقا أن الأوبئة حلّت بأمم كثيرة من قبلنا ولكنّها مضت.

 

 فعقليّة المسلم الذي يؤمن بمحدودية هذا الكون وهذه الحياة وكل الظواهر التي تحلّ عليه، يجعله مطمئنّا بأنّ لكلّ أجل كتاباً وأنّ الأوبئة أقدار ماضية يُصيب الله بها من يشاء من عباده.

 

ومن جانب آخر، فإنّ انتهاء أزمة كورونا مرتهن باكتشاف لقاح للفيروس كما كان العمل مع أوبئة أخرى، قد يأخذ الأمر وقتا، لكن سيأتي اليوم الذي يُعلن فيه عن ذلك، وهذا ما تُثبته أحاديث رسول الله ﷺ؛ ففي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أَصَابَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ». وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ».

 

وثانيا، فإنّ الإيمان بالقدر خيره وشرّه من الله يزيد من راحة العبد المؤمن وطمأنينته عند المحن والأزمات، ذلك أنّ مفهوم القضاء والقدر يدفع عن الناس القلق والجزع، ولنتذكّر جيدا وصية نبينا ﷺ لابن عباس كما هي وصيةٌ للأمة كلها: «أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ». ولو كتب الله لنا نصيبا من هذه الجائحة فلن تمنعنا عنها حصون ولا أبراج، وما أصاب العالم اليوم يجعلنا ندرك جيّدا عجز البشر أمام أقدار الله، فلم تُغن عنهم أموالهم ولا أسلحتهم ولا علومهم ولا سلطانهم! وهذا لوحده كفيل بأن نستشعر عظمة الله وضعف البشر، فنقدّره حقّ قدره ونحسن الظنّ فيه ونُصدّق وعوده ونُكبره سبحانه.

 

ثالثا، كيفيّة التعامل مع هذه الجائحة:

 

إنّ من أهمّ ما يقوم به العبد المؤمن في هذه الظروف هو أخذه بالاحتياطات اللازمة والالتزام بالتعليمات والإرشادات وتثقيف نفسه ومحيطه بكيفيّة التصدّي لمثل هذا الوباء وعياً ومواجهة، ومع الأخذ بالاحتياطات الماديّة والمعرفيّة فإنّه لا يستغني أبدا عن الدعاء فهو من أنفع الأدوية، وهو عدوّ البلاء، يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يُخفّفه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن.

 

 رَوَى الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

 

ومن أهمّ الأعمال التي يقوم بها العبد المؤمن عند وقوع الأوبئة والأسقام، هي المحاسبة!

 

ولعلّي بهذا أقصد محاسبة الحكومات البائسة في البلاد الإسلامية التي تماهت في إذلال شعوبها في مثل هذه الظروف القاسية، فلم تُحسن رعايتهم صحيا ولا ماديا ولا حتى توعويا، وانجرفت في تتبّع سياسات دول العالم الغربي بالحجر الكامل والعزل الشامل رغم اختلاف الظروف والبيئات، فكانت قراراتها المرتعشة سببا في تعميق الأزمة داخل الشعوب، مع توقيف الحياة الاقتصادية وحجز الناس في بيوتهم وفوق ذلك العجز عن رعاية مصالحهم وأرزاقهم وتوفير أبسط مقومات حياتهم! بالمقابل نجد تهافت هذه الحكومات على تعطيل الأحكام الشرعيّة من صلاة في المساجد وحج وعمرة بحجّة منع التجمّعات، حتى وصل الأمر بالإفتاء بجواز الإفطار بسبب كورونا أو عدم تحرّي هلال شهر رمضان التزاما بالحجر!

 

وقد كانت الاستماتة في تعطيل الأحكام الشرعية واستهدافها بشكل مباشر لدى بعض الحكومات العربية التي جعلت من هذا الوباء متنفّسا لها لمزيد من التضييق عن المسلمين في التزاماتهم الشرعية، وفي مقابله نرى توانيها وتماطلها في توفير حاجيات الناس الصحية والمعيشية.

 

إنّ دور العبد المؤمن في هذا الظرف، ونخصّ حامل الدعوة، هو محاسبة هؤلاء الحكام على استهانتهم بأرواح الناس ومصالحهم وأرزاقهم، لا سيّما أن كورونا قد عرّت كل أوراق التوت عن سياساتهم الفاسدة وفضحت بالمكشوف هشاشة الأنظمة الصحية والمؤسسات القائمة عليها، رغم ما يبذله الأفراد من أطباء وممرضين ومهندسين وغيرهم من جهود حثيثة، إلا أنّنا استشعرنا هذه المرة أكثر من كل مرة حاجتنا لدولة حقيقية تحفظ أرواح الناس وتسعى لحماية مصالحهم وأرزاقهم ورعاية شؤونهم وتبذل كل الجهد والوسع للتصدّي لمثل هذه المصائب وتُحسن التعامل مع الأزمات الاقتصادية والصحية ويكون لها السّبق في توفير العلاج وإيجاد اللقاح، لا أن تبقى في انتظار الغرب كي يمنّ عليها ويذلّها (مثل ما اقترح طبيب فرنسي بتجريب لقاح فيروس كورونا على الأفارقة كما فعلوا في بعض الدراسات حول الإيدز).

 

إنّ حاجتنا في مثل هذه الظروف لتحكيم شرع ربّنا بإقامة دولة عزيزة منيعة، يكون فيها الحاكم خادما لدينه وأمته، يحفظ بيضة الإسلام والمسلمين، ويخاف الله فينا ويرحمنا، هذه الأعمال التي ترفع العبد درجات وتُقرّبه إلى ربه فينال بها المؤمن شرف الدنيا ونعيم الآخرة.

 

أما متى تنتهي كورونا؟ فالمسلم عليه أن يتكيّف مع هذا الوباء باعتباره بلاء من الله، ويتقبّل أقدار الله برضا وطمأنينة دون سخط ولا قلق، وليتجمّل بالصبر ويتحلّ بالرضا ويحتسب الأجر، فالتكيّف مع الوباء يُخفّف من وطأته وحينها سيتوقّف عن هذا السؤال لأنّ الابتلاء طبيعة ملازمة لخلق الله.

 

ولينظر فيما كلّفه الله بعمله لدفع هذه الأوبئة من أعمال فرديّة أو روحيّة أو سياسيّة، خصوصا وأنّنا في مثل هذا الشهر العظيم شهر الرحمة والخير، فلنغتنم شهر التقوى بأحسن الأعمال وأرفعها وهو إقامة شرع الله كاملا في أرضه فننال خيري الدنيا والآخرة.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نسرين بوظافري

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع