- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تصريحات وزير الشؤون الدينية مبنية على الجهل بأمور واضحة
لا يُعذر العاقل في الغفلة عنها وعدم التنبه إليها
قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني، نصر الدين مُفرح، الأربعاء، إن ثمة تقدماً كبيراً في المباحثات مع أمريكا بشأن رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فضلا عن تسوية 75% من القضايا العالقة، وقال في مقابلة مع "العين الإخبارية"، إن تقدما كبيراً أيضا شهده ملف الحريات الدينية، مشيراً إلى أن البلاد لم يبق لها الكثير للخروج من هذه القائمة السوداء، وتحدث عن قضية علمانية الدولة السودانية ورهن بعض الحركات المسلحة للانفصال وتقرير المصير بهذه القضية، وأوضح مُفرح بأن مثل هذه القضايا المصيرية حسمها فقط يكون في المؤتمر الدستوري، وأشار إلى أن الوثيقة الدستورية سكتت عن تفاصيل كثيرة من بينها الدين واللغة، وقال إن "الحكومة الانتقالية مهمتها تصريف الأعباء والتأسيس لدولة ديمقراطية قادمة"، وأشار إلى التقدم الكبير الذي أحرزه السودان في ملف الحريات الدينية، واستشهد بالتقرير الأمريكي الأخير، وتوقع أن تصدر قرارات مهمة في ملف حقوق الإنسان خلال الشهر المقبل، وتطرق إلى العنف السياسي والديني الذي كان يُمارس على النصارى، وأكد أن الوزارة على تواصل دائم مع مجلس الكنائس، وأوضح أنه وجه نداءً لجميع الكنائس التي تمتلك أوراقاً تثبت أنه تم التعدي على ملكياتها أن تدفع بشكوى للوزارة... (العين الاخبارية 7 أيار/مايو 2020م).
وزارة الشؤون الدينية والأوقاف هي ابتكار يعود أساساً إلى أكثر العصور انحطاطا عند المسلمين، حين بدأت الدول التي زعمت أنها (استقلت) لتوّها من الاستعمار آنذاك بتعيين مسؤولين دينيين، وتأسيس بيروقراطية منوط بها المسؤولية عن الأوقاف الدينية والأعمال الخيرية، وظلت الحكومات المتعاقبة تتحكّم بالهياكل الدينية الرسمية، لكن قدرتها على لَيّ عنق هذه المؤسسات الدينية لملاءمة أهدافها تبدو غير واضحة تمام الوضوح للناس، لكن اليوم وبتصريحات الوزير الحالي للشؤون الدينية يجب أن يعي أهل السودان أن وزارة الشؤون الدينية لا علاقة لها بالدين.
تطوُّر هذه المؤسسات الدينية الرسمية يعود بأصوله إلى عملية تشكُّل الدولة الحديثة التي ورثت الاستعمار وأصبحت هذه المؤسسات التي تفصل الدين عن الحياة ليست إلا مجرّد رجع صدى لصوت الأنظمة العلمانية التي تحكم المسلمين بوصفها ظل الغرب في بلاد المسلمين، لذلك لا غرابة أبداً في تصريحات الوزير، بل تعد صراحته في الطرح متفردة لم يستطعها من سبقه في هذا المنصب! بل كانت أدوار هذه المؤسسات الدينية الرسمية تشمل الانخراط في قطاعات الأوقاف، والبر والإحسان، والإرشاد، فتكسب ثقة العوام ما يؤدي لاستخدام الدولة لهذه المؤسسات باعتبارها أداة للسيطرة.
من يتأمل لقاء وزير الشؤون الدينية في السودان يتأكد تماماً أن الوزير هو مجرد موظف يقوم بما هو مطلوب منه في دولة تفصل الدين عن الحياة، فهو يتحدث عن مباحثات مع دولة محاربة فعلاً للمسلمين بعيداً عن أحكام الشرع الحنيف في التعامل مع الدولة المحاربة، بل ويستبشر بخروج بلده من قائمة أمريكا للإرهاب والتي يعلم القاصي والداني أن الإرهاب لا يطلق إلا ويراد به الإسلام!
أما التأكيد على مفهوم الحريات الدينية، وهو مبدأ يدعم حرية الفرد أو مجموعة في إظهار (دينهم) أو مُعتقداتهم أو شعائرهم الدينية سواء بالتعليم أو الممارسة أو الاحتفال، ويشمل المصطلح كذلك حرية تغيير الدين أو عدم اتباع أي دين، فإن هذه الحريات تتصادم مع الإسلام لأنها تساوي الإسلام بغيره ولا تعاقب من خرج عن الإسلام لأي دين، وهذا الأمر تقف وراءه الدول الغربية وتفرضه في اتفاقياتها لحقوق الإنسان التي بشر الوزير بالتقدم في ملفاتها وصدور قرارات مهمة بخصوص السودان الشهر المقبل، كيف لا والوزير يربط الأمن والاستقرار في البلد بمراضاة الجماعات المسلحة التي تصر على العلمانية؟! وهذا تلميح على أنه لا خيار إلا العلمانية.
ويعترف الوزير بأن حكومته تؤسس لدولة ديمقراطية، وهذا الاعتراف خطير حيث لا يختلف اثنان على تعريف الديمقراطية بأنها تعني حكم الشعب للشعب وأخذ حق التشريع وجعله للبشر الذين لا بد أن يتمتعوا بكامل الحريات المطلقة دون قيد باعتباره مبدأ مقدساً.
بيد أنه رغم ادعاء الحريات والحقوق فقد ركز على العنف السياسي والديني ضد الكنيسة وحماية أراضي الكنيسة، وكأنما الدين والحريات والحقوق فقط للكنيسة ولا دين غير دين الكنيسة! وهو ما يؤكد أنه يخطب ود الغرب النصراني المعادي للإسلام بهذه التصريحات، ولا ريب أن هذا تصور خاطئ مبني على الجهل بأمور واضحة لا يُعذر العاقل في الغفلة عنها وعدم التنبه إليها.
ليست مستغربةً تصريحات ممثلي المؤسسات الدينية الرسمية التي تغازل دول البغي والاستكبار في حربها ضد الإسلام لكن الواقع أن هؤلاء المسؤولين غير حائزين على رضا الأمة، وأصبح الوعي ينضج عند الأمة شيئاً فشيئاً، وعما قريب لن يمتلك مسؤولو الشؤون الدينية أي مكانة عند الأمة وهم يعلنون علمانيتهم الصريحة ويضعون أولوياتهم المختلفة البعيدة عن مصلحة الإسلام والمسلمين تلك الأولويات التي تصوغها أطراف دولية معادية للإسلام والمسلمين.
لقد ابتلي المسلمون في هذا العصر بقوم باعوا عقولهم للغرب ورضوا بأن يكونوا أدوات ومعاول هدم للإسلام الذي جعله الله خاتمة الرسالات بما يمتلكه من قدرة عظيمة على معالجة كل المشكلات التي تواجه الناس في معاشهم وكل ما قد يستجد من مشكلات تحتاج إلى حلول صحيحة تجعل من حياة الإنسان حياة مطمئنة وسعيدة، ولقد تطوع هؤلاء لإثارة الشبهات حول الإسلام وقدرته على معالجة مشاكل الإنسان معالجة صحيحة بتبنيهم للديمقراطية والرأسمالية، وحاولوا أن يدلسوا على الناس ويفسدوا عليهم دينهم، بل لم يتقوا الله عندما ساوَوْا بين النصرانية والإسلام وأسموها حريات دينية تحبس الإسلام في العبادات فقط وكأنهم يهتفون بالأمة أن تسير خلف الغرب حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب دخلت وراءه!
وأخيرا نؤكد على أن الإسلام لم يتأسس، لا من الناحية المبدئية، ولا السياسية على مؤسسة دينية تشبه مؤسسة الكنيسة، وبالتالي ليس وارداً في الإسلام أصلاً وجود طبقة كهنوتية تشبه طبقة الأكليروس في النصرانية تتعامل مع الدين وفق أهواء الطبقة الحاكمة!
إن هؤلاء العلمانيين يريدون فصل الدين عن الدولة فلا يبقى منه سوى مراسم الأعياد والمناسبات الدينية، وهذا هو قمة النفاق بعينه، وإن كانت النصرانية تقنع بهذا وينخدع أتباعها به فلا يقنع الإسلام ولا ينخدع به أبناء خير أمة ولا يجوز لدولة تحكم مسلمين فصل الدين عن الحياة يفعل فيها الحاكم ونوابه ما يشاؤون غير مقيدين بأمر الله ونهيه، فالإسلام مبدأ؛ أي عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام، ولا يمكن فصله عن الحياة والدولة والسياسة... عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله ﷺ يقرأ "سورة براءة"، فلما قرأ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ﴾، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ«.
ومنذ أن هدمت دولة الخلافة طبقت أنظمة الكفر في البلاد الإسلامية، ونُحّي الإسلام عن الحكم، وحل محله الفكر السياسي الغربي المنبثق عن عقيدة فصل الدين عن الحياة. ومما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية، أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة، وأن فصل الإسلام السياسي عن الحياة وعن الحكم، هو وأد لأنظمته وأحكامه، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)