الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هنيئاً لمن بنى في صرحها حجراً

 

يحلّ شهر رمضان المبارك هذا العام على الأمة الإسلامية وقد تفاقمت الأزمات على كافة الصعد وتشعبت المشكلات في مختلف الميادين، وما زال السياسيون القائمون في بلادنا الإسلامية يتوسلون لعلاج المشكلات ولتخفيف الأزمات بالاعتماد على الأجنبي المستعمر عدو الله ورسوله، الذي أدخل أفكار الكفر إلى أذهان المسلمين، فجعلوا الديمقراطية من الإسلام ودعوا إلى الحوار بين الأديان، وبهذا سهل عليه أيضاً تطبيق أحكام الكفر مثل قوانين العقوبات وقوانين التجارة وما شاكل ذلك. فسادَ نظامُ الكفر الديمقراطي الرأسمالي بلاد المسلمين، واستبدلت بشريعة الله عز وجل قوانين وضعية قائمة على مبدأ فصل الدين عن الحياة.

 

زهاء مئة عام والمسلمون يرزحون تحت أحكام قوانين وضعية تسومهم سوء العذاب والبطش والذل والمهانة، أفسدت عليهم حياتهم ومنعتهم من العيش حياة كريمة رشيدة ينظمها شرع اللطيف الخبير ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. وفي هذا يقول تعالى مبيّناً السبب الأساسي لذلك: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ [طه: 124]. فالمشكلة الأساسية التي يعاني منها المسلمون اليوم هي غياب تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً في حياتنا، ما أنتج كثيراً من المشاكل الجزئية الناجمة عنه (كالفقر المدقع، الغنى الفاحش، الظلم، الجهل، زواج الشاذين، الأخلاق الفاسدة، وتحكم العلاقات النفعية...) وغيرها الكثير مما هو كفيل بتدمير المجتمعات وتهديد بقاء النوع الإنساني.

 

وقد أخبرنا الله سبحانه كذلك أن حُكمه هو أحسن الحُكم، وأن شريعته هي أفضل الشرائع، وأنّ كل حكم غير حكمه هو حكم الجاهلية لقوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50] فالشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع أنزلها العليم الحكيم على نبيه محمد ﷺ فلا يأتيها خطأ ولا باطل، وهو أرحم الراحمين.

 

لذلك فإن الإسلام هو وحده الذي به إنهاء حالة ضنك العيش هذه، وهو الضمانة لحاجات الإنسان الأساسية والكفالة لحقوقه الطبيعية، إلا أنه لا يمكن تحقيق دور الإسلام الشامل في الحل إلا بعد تطبيقه تطبيقا شاملا كاملا. فالعيش بالإسلام يقتضي جعل أنظمة الحياة كلها قائمة على أساسه، أفكاراً وأحكاماً ومفاهيم، لأنه عقيدة روحية انبثق عنها نظام، أي شريعة هي منهج حياة ومعالجات كاملة لكل مشكلات الناس كما وصفها الله عز وجل ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾، فنعود خير أمة أخرجت للناس ارتضت لنفسها ما ارتضاه خالقها لها لتعيش الهناءة والطمأنينة في ربوعه، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً.

 

ومع وضوح هذه الحقيقة إلى حد البداهة إلّا أن هناك من يتجرأ على استمداد التشريع من غير شرع الله زاعمين أنهم يختارون الخير للناس! وهناك من يعتقد أن الإسلام مَرِنٌ يساير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في كل زمان ومكان وأنه يتطور لينطبق في أحكامه على مقتضيات الأوضاع العصرية والحداثة، بالإضافة إلى وجود عقلية التسويف وتأخير تطبيق الشريعة الإسلامية إلى حين بحجة أن الوقت غير مناسب وأن هناك تحديات كثيرة! وما ذلك كله إلا لسوء فهم الإسلام الذي أصاب المسلمين واستعمار البلاد الإسلامية بعد هدم الخلافة عام 1924م.

 

أطروحات وأفكار أوردت الأمة الإسلامية موارد الذل والهوان، وجعلتها في ذيل الأمم، تُقاد ولا تقود، كما أنها في مجملها طعن في دين الله واتهام للإسلام بالنقص والعجز عن علاج مشكلات الناس، وباب لإدخال أفكار الكفر إلى الأمة وتسويغها لدى الناس... إلا أن الجدير ذكره هنا أن العمل للدين وجعله موضع التطبيق ليس عملاً مؤقتاً بوقت ولا محدداً بزمان أو مكان وإنما هو وظيفة العمر كله، إنه أمانة الله التي يجب أن يحملها المسلم إلى كل مكان. فالعيش بمبدأ الإسلام هو قضيتنا جميعاً، فطريق الحق واحدة، وطرق الضلال متعددة، ولا يُمكن الوصول إلى إحقاق الحقّ وإظهار الدِّين إلا بالعمل الجاد والتأسي بطريقة الرسول لاستئناف الحياة الإسلامية، والتي ينتظرها أكثر من ثلاثة أرباع العالم، أي بِحُدود خمسة مليارات نسمة، هم ضالون عن الحق، تائهون في مسيرة الحياة يَتَلَمَّسون النهضة الصحيحة ولكن لا يهتدون إليها سبيلاً!

 

لذلك، أصبح الواجب علينا كأمة خير البرية العمل الانقلابي الجذري للتعجيل بتطبيق الشريعة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية بدولة الخلافة الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فبغير الخلافة لن تستطيع الأمة حمل الأمانة وتطبيق الإسلام ولن تستطيع رد الأذى عن نفسها، فالخلافة تاج الفروض وهي الطريقة الشرعية لتطبيق الإسلام وبالتالي للوصول إلى الحياة الإسلامية، والتي هي غاية الخلق وهي الرجاء لنصر المسلمين وعزهم ورضا ربهم، وبالخلافة تستطيع الأمة أن تقوم بعمل النبي ﷺ بحمل الرسالة إلى الناس والدعـوة إلى ديـن الله بحق، قال ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ»، قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» (رواه البخاري ومسلم).

 

إنّ أحب عمل يقرب إلى الله في مثل هذه الأجواء الإيمانية هو العمل لإظهار دينه وإعلاء كلمته، ولا يكون ذلك إلاّ بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي أظل زمانها كما يدل ويشير الواقع، وهنيئاً لمن بنى في صرحها حجراً، ولنسارع إلى جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، فوالله إن الوقت قد حان لنقتعد المكانة اللائقة التي اختارها الله لنا؛ خير أمة أخرجت للناس، فالله ناصرنا ومذل الكافرين إن نحن قمنا بأمره، قال تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع