- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السيولة الأمنية لتدمير الدول في مسبح الديمقراطية
يتداول الناس، وأهل الإعلام والسياسيون، في الوسائط وغيرها، عن مقتل طالب جامعة أم درمان الإسلامية داخل مباني الجامعة، وهي ليست الحادثة الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في ظل الأنظمة الديمقراطية التي تفرط في حياة الناس وأمنهم وعلاجهم ومعاشهم. فحوادث سرقة الهواتف بالدراجات النارية من دون لوحات، وتهديد الناس ونهبهم، والنشل في المركبات العامة، بل وتهديد الناس داخل بيوتهم، وترويعهم وسرقة ممتلكاتهم، وظاهرة حمل السلاح الأبيض (السكين) عند الكثير من الشباب، وخاصة طلاب المدارس والجامعات، كل هذه الظواهر الخطرة على حياة الناس، دفعت برجال الشرطة إلى القيام بحملات لجمع هذه الدراجات، فضلا عن اضطرار بعض الناس للقيام بحرقها علناً في الشوارع. فهل هذه الظواهر المتفشية في قلب العاصمة هي مخططة لتدمير الدولة، أم هي أعمال عادية تتعلق بأفراد؟
قبل سنوات قليلة كانت بعض المراكز المعنية بالتخطيط الاستراتيجي تناقش قضية "ما بعد ثورات الربيع العربي" والآثار الارتدادية العكسية التي نتجت عنها، خاصة في مصر واليمن وسوريا وليبيا وما تعيشه تونس من حالات الشد والجذب، فقد جرى في حلقات نقاش استعراض ما كتبه يوري بيزمينوف عميل الكي جي بي السابق عن كيفية تدمير دولة دون أن تطلق طلقة واحدة! وكيف يتم تخريب الشعوب وتدميرها وخلخلتها والتحكم فيها. وما يهمنا الآن هو المقاربة بين عملية تدمير الدولة، مع ما يحدث في السودان عقب التغيير الذي حدث في 11 نيسان/أبريل 2019، حيث تتطابق مراحل التدمير مع كل ما ذكر عند كل الخبراء الاستراتيجيين والمفكرين وأهل السياسة، حيث تقوم النظرية ذات الأربع مراحل بالقضاء على الدولة وتماسكها وجعلها في مهب الريح، ففي المرحلة الثالثة؛ وهي مرحلة ذات مدى زمني قصير تسمى مرحلة (الأزمة) تستمر من شهرين إلى ستة أشهر وربما تزيد، حيث تنتشر الفوضى السياسية، والانفلات الأمني، ونذر المواجهات، والحرب الأهلية، وإضعاف مؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة والقضاء، واعتساف القانون وتدمير نظم الإدارة، بجانب ارتفاع الأسعار، وغياب الخدمات الضرورية وإفقار المجتمع، وجعله قابلاً للتدمير. فإذا أسقطنا هذه العملية على ما يجري في السودان الآن، فإن السيناريو والمخطط في مراحله الأخيرة، وهو ينذر بذهاب السودان باعتباره دولة إلى واد سحيق، وهذا الأمر لا يحتاج إلى جدل حوله.
إن الأمن باعتباره من الحاجات الأساسية للمجتمع، إذ إنه من الأولويات التي يحتاجها الناس والذي يجب على الدولة أن توفره لهم، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ مُعَافىً فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا»، وروى أنس بن مالك في الأدب المفرد للبخاري، قال: كان رسول الله أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: "لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْراً. أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ".
إن الإسلام قد حرص على إيجاد الأمن والطمأنينة والاستقرار بأحكام شرعية تقطع الطريق أمام من يعبث بأمن الناس واستقرارهم، فجاء بحكم قطع يد السارق، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وشرع حكم الحرابة لاستقرار الناس وطمأنينتهم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ للحفاظ على وحدة البلاد والدولة وتأديب كل من يخرج على الدولة أو قانونها. وهكذا نجد أن أحكام الإسلام العظيم تحافظ على أمن الناس بالتوجيه والتشريع، فجعل التقوى هي الأساس للتقيد بالأحكام فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وإذا لم يلتزم المسلم بدافع التقوى، فهناك عقوبات تنفذها الدولة، وقد قيل إن أمن الناس من عرض السلطان، ففي أواخر الخلافة العثمانية عندما فقدت أسرة نصرانية ابنتها ورجعت يخيم عليها الحزن، فإذا بطارق يطرق الباب بالليل، فتدخل عليهم ابنتهم ومعها شرطة العسس! ففرحوا لعودة ابنتهم وشكروا أولئك النفر من الشرطة، ففهّمهم الشرطي بأن لا تشكرونا لأن أمن ابنتكم من عرض السلطان، هكذا يكون الأمن في ظل دولة المسلمين الخلافة.
نعم، عالج الإسلام موضوع الأمن، وألزم الدولة بالقيام بأقصى ما يمكن لتوفيره للناس، لكن الحكومة الانتقالية العلمانية تتخبط في معالجاتها، وتوجد الأزمات تلو الأزمات. فبدل معالجة هذه السيولة الأمنية، قامت بجمع الأسلحة البيضاء ومصادرة الدراجات النارية، مع العلم أن هذه الإجراءت قد اتخذت من قبل في مدن عدة منها نيالا في دارفور وغيرها، ولا تزال المشكلة تزداد سوءاً، ويمكن تلخيص أسباب الأزمة الأمنية في نقطتين:
1- غياب فكرة حفظ الأمن عند الدولة؛ فالنظام الرأسمالي المطبق في البلاد يجعل الصراع حول الرغيف، آكله أنا لا أنت، بحيث يجعل التنافس على الحياة وفي سبيلها تباع كل القيم، بل التنافس الاستعماري على البلاد عبر جيوشهم كما في البحر الأحمر أو عبر منظماتهم الأخطبوطية (منظمات بريتون وودز، البنك والصندوق الدوليين) لكل ذلك يوجد عدم الاستقرار ويزعزع الأمن، وهذه سياسة أمريكا في العالم بما تسمى بالفوضى الخلاقة التي تنفذ من خلالها لتحقيق مصالحها.
2- تكاثر مليشيات مسلحة داخل العاصمة بأسلحتها وقياداتها المفصولة عن الدولة، نتيجة لاتفاقيات السلام المبرمة مع الحركات المسلحة، مما يشكل تهديداً للأمن، وينذر باشتباكات، فقد حصل اشتباك بالفعل بمنطقة بري. نقلت صحيفة الجريدة الصادرة يوم الجمعة الماضية 2021/3/19 أن رئيس الجبهة الثالثة تمازج الموقعة اتفاق سلام جوبا الفريق محمد علي قرشي أورد تفاصيل اشتباك مع مجموعة تنتحل شخصية تمازج من بينهم أشخاص يرتدون زيا عسكريا فتمت مداهمتهم بواسطة قوة من تمازج، وعندما سئل لماذا قمتم بالاشتباك معهم فهذه من مهام الشرطة؟ قال تأخرت الشرطة والاستخبارات في التدخل لحسم القوات. (فكان الهرج والمرج وإرهاب الناس). فوجود مليشيات متعددة في البلد هو خطر أمني. أما في الإسلام فالأصل أن تكون القوة واحدة؛ الجيش ومنه الشرطة تتولى مهام الأمن الداخلي كما هو مفصل في مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير، تقول المادة (70): "تتولى دائرة الأمن الداخلي إدارة كل ما له مساس بالأمن، ومنع كل ما يهدد الأمن الداخلي، وتحفظ الأمن في البلاد بواسطة الشرطة، ولا تلجأ إلى الجيش إلا بأمر من الخليفة. ورئيس هذه الدائرة يسمى (مدير الأمن الداخلي). ولهذه الدائرة فروع في الولايات تسمى إدارات الأمن الداخلي، ويسمى رئيس الإدارة (صاحب الشرطة) في الولاية".
فإذا استمر الحال هكذا ولم يتحرك الناس للتغيير الحقيقي على أساس الإسلام، ستنجح مخططات الكفار في بلاد المسلمين، وسيتم تفكيك هذه البلاد المفككة أصلاً، ولا مخرج من هذا الهرج والمرج إلا بنظام الإسلام الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة القائمة قريباً إن شاء الله، وحينئذٍ يقال لخليفة المسلمين: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت".
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ إبراهيم مشرف
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان