الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مفهوم العصمة

 

إنّ موضوع العصمة هو واحد من المواضيع التي عنيت بها الثقافة الإسلامية. وسنتكلّم من خلال هذا البحث عن مفهوم العصمة وتعريفها لغةً واصطلاحاً وعلى ماذا تدل.

 

خلق الله تعالى الأنبياء عليهم ‌السلام الذين هم صفوة البشر، على الفطرة السليمة وقد هيأ لهم نشأة أعدهم بها لتحمل أمانة دعوة الخلق إلى التوحيد والعمل الصالح، ولذلك اختصُّوا بصفات دون غيرِهم من البشر ومن هذه الصفات العصمة فلا تصح نسبتها إلى غيرهم مطلقا لتحقيق مقْصود النبوَّة والرِّسالة، والاعتقاد بعصمتهم من لوازم الإيمان بهم فحين يُقال إن العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى، لا يعني أنه لا يوجد غيرها أشياء يجب الاعتقاد بها، بل يعني أن هذه هي الأساس وأن هناك أفكاراً أخرى تتعلق بالعقيدة منها عصمة الأنبياء، وهي داخلة تحت الإيمان بالأنبياء، والكفر بها كفر بالرسالة التي جاء بها النبي، وبالنبوة التي بعث بها.

 

لقد تعدّدت التعاريف التي عرضها المتكلّمون حول مسألة العصمة لغة واصطلاحا. فالعصمة في لغة العرب جاءت بمعنى الوقاية والمنع والحفظ، وأما اصطلاحا فقد أجمع كثير من المتكلّمين على تفسير العصمة بـاللطف الإلهي أو التوفيق الإلهي الذي تفضّل به الله تعالى على بعض عباده فعصمهم من خلاله عن ارتكاب الذنوب وترك الطاعات مع قدرتهم على ذلك.

 

وعلى هذا فكل نبي ورسول معصوم عن الخطأ في التبليغ، فهو لا يخطئ فيما يخبر عن الله تعالى ولا ينسى شيئاً مما أوحاه الله إليه إلا شيئاً أراد الله أن ينسيه إياه ولا يكتم منه شيئاً ولا يزيد عليه، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3] وقال تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [الأعلى: 6] وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: 44] وتكفَّل بأن يجمعه له في صدره؛ ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [الأعلى: 16]

 

أما ما ورد عنه من المعاريض الموهم ظاهرُها خلاف باطنها فجائز ورودُها منه في الأمور الدنيويَّة. لا سيَّما لقصد المصلحة كتوريتِه عن وجه مغازيه لئلا يأخُذ العدو حذْره، وكان يمازح ويداعب أصحابَه لكي يطيب قلوبهم وليدخل المحبَّة والمسرَّة إلى نفوسهم ولكن لا يقول إلا حقّاً، كما أن الأنبياء والرسل معصومون عن الكبائر مثلما أنهم معصومون بالتبليغ عن الله. فلا يفعل كبيرة من الكبائر مطلقاً لأن فعل الكبيرة يعني ارتكاب المعصية فإذا تطرقت المعصية إلى الفعل تطرقت إلى التبليغ وهذا محال، ومما لا شكَّ فيه أنَّ الكبائر تحطُّ من قدْر العبد عند الله وعند الناس، والنَّبيُّ منزَّه عن كل ما يحطُّ قدره وينقص من منزلته، فكلّ أفعاله وأقواله تعدُّ تشريعاً تأخذ بها الأمَّة إلى قيام الساعة، أما العصمة عن الصغائر فإنه قد اختلف العلماء فيها والصحيح أنهم معصومون عن كل ما يسمى معصية ويصدق عليه أنه معصية وما عدا ذلك من المكروهات وترك والمندوبات وخلاف الأولى فهم غير معصومين عنه لأنه لا يتناقض مع النبوّة والرسالة، ولا يقال إن العصمة أمر غير اختياري وأن النبي مسير بها، فالمعصوم كغيره من الناس يفعل أعماله وأفعاله عن إرادة واختيار فهو ليس مضطرّاً إلى فعل الطاعات أو ترك المحرّمات بل يطيع الله تعالى بإرادته واختياره لكنّه لعلمه الكامل وتقواه يختار الطاعة ويترك المخالفة، فإن وجود الغرائز والحاجات المطلوب إشباعها ليست علّة تامّة وملازمة لارتكاب المعصية حتى نقول بالملازمة فليست العصمة مانعةً من القدرة على فعل القبيح.

 

ودليل عصمة الأنبياء دليل عقلي وليس دليلاً سمعياً لأن كونه نبياً أو رسولاً يحتم أنه معصوم في التبليغ عن الله وهي من الصفات التي يحتم العقل وجودها في كل نبي ورسول. إذ لو تطرق الاحتمال إلى إمكانية عدم العصمة في مسألة واحدة لتطرق الخلل إلى كل مسألة وحينئذ تنهار النبوة والرسالة كلها فالعصمة ثابتة للأنبياء وميَّزهم الله بها على سائر البشر حتى تتحقَّق حكمة التأسِّي بهم وإلاَّ كان الأخْذ عنهم كالأخذ عن غيرهم وبالتالي يمكن نسبة الخطأ أو الزيادة أو النقص في التَّشريع وهذا غير ممكن، إلا أن هذه العصمة للأنبياء والرسل إنما تكون بعد أن يصبح نبياً أو رسولاً بالوحي إليه، أما قبل النبوّة والرسالة فإنه يجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر لأن العصمة هي للنبوة والرسالة، قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى﴾ [الضحى: 7] وقال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف: 3] وقال تعالى: ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: 52]

 

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

فارس الفارس

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية العراق

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع