- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة الانتقالية في السودان تعلن الحرب على الإسلام
تتمثل مشكلة السودان في الظلم الذي طال كل مفاصل الحياة، وهو نتيجة حتمية لغياب أحكام الإسلام عن الحياة، يقول سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾، فلما ضاق الحال بالنظام العلماني البائد، ثار الشباب عليه، فبدأت التحركات للتغيير منذ التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2018م في مدينتي عطبرة والدمازين، ولم يكن الثوار يعلمون كيف يكون التغيير، بل كان شعارهم محاكمة البشير وطرد سدنته عن سدة الحكم، وظنوا أن مشكلة السودان سيئون وليس مشكلة نظام.
ولحصر القضية في الأشخاص كان من الطبيعي أن يبقى النظام موجودا وتبقى المخططات الاستعمارية موجودة، فيتم استبدال أشخاص آخرين أكثر سوءاً، ويمكن تصوير حال الإنقاذ مع أمريكا والمجتمع الدولي بأدواته الاستعمارية (صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئات حقوق الإنسان والأمم المتحدة) أنها انقادت لأوامر الكافر المستعمر، فقادت عربة البلاد نحو الهاوية، ولكنها كانت تضع رجلها على المكابح (الفرامل) حتى استنفدت قواها فسقطت الحكومة.
وما كان الثوار يظنون أن يأتي أفراد بالنظام السابق نفسه وينفذوا كل ما لم تكمله الإنقاذ من مؤامرات، فقد تميز الحكام الجدد بأنهم يركبون عربة يسير بها الاستعمار إلى الهاوية ولكنهم يسقطون مباشرة في هوة الاستعمار (قعر جهنم) ولكنهم تميزوا بأنهم لا يضعون أرجلهم على المكابح.
لقد بدأ الانقلابيون الجدد الذين زعموا أن حكمهم حكم انتقالي بتغيير الدستور والقوانين في البلد وتطرقوا إلى قوانين تتعلق بعقيدة أهل البلاد وشريعتهم، وأخذوا يطرحون الردة عن الإسلام بطرح العلمانية، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، وعندما أنكر البعض، صرح رئيس الوزراء عبد الله آدم حمدوك في بداية طرح تغيير القوانين، بأن هذه القوانين لا يمكن تغييرها إلا بواسطة مجلس تشريعي منتخب، ولكنه لم يلتزم بتصريحه وسار بناء على نص الدستور الموقع عليه بين المكون العسكري وقوى التغيير الذي جعل التشريع المؤقت يقوم به المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء برأي الأغلبية. وذلك حتى إنشاء مجلس تشريعي يقوم بالتشريع على الطريقة الغربية؛ برأي الأغلبية وليس من كتاب الله وسنة رسوله. لقد وجدوا الوقت مواتيا لتمرير كل الجرائم الممكنة لعلمنة كل القوانين، في ظل الفراغ السياسي، وبذلك جعلوا التشريع المؤقت تشريعا دائميا.
إن بيت القصيد هو أن الحكم الانتقالي يسير في تنفيذ القوانين والشرائع والسياسات التي طالبت بها أمريكا وما يسمى بالمجتمع الدولي. ويجدر بنا أن نتطرق إلى الأحداث السابقة التي كان نظام الإنقاذ قد بدأ بالفعل في تغيير الأحكام والشرائع التي لها علاقة بالإسلام، فقد عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي طلبته أمريكا من السودان، وانطلق المؤتمر في 2015/10/10 برعاية أمريكية خالصة، وأصدر حزب التحرير كتابا مفتوحا في 2015/10/17 يمكن أخذ هذه المقتطفات منه:
[أولاً: خلفية الحوار وحقيقة صاحب الدعوة:
بتاريخ 13 آب/أغسطس 2013م كتب كل من المبعوث الرئاسي الأمريكي السابق للسودان (برنستون ليمان)، ومدير برنامج القرن الأفريقي التابع لمعهد السلام الأمريكي؛ جون تيمن، كتبا ورقة بعنوان: (الطريق إلى الحوار الوطني في السودان)، أصدرها معهد السلام الأمريكي بالرقم (موجز سلام رقم 155)، ومما جاء في هذه الورقة: "لقد حان الوقت لأن يشرع السودان في حوار داخلي حقيقي، وعملية إصلاحية تؤدي إلى حكومة ممثلة لقاعدة واسعة، وديمقراطية، وقادرة على السعي نحو عملية مصالحة مجدية بين السودانيين".
إن هذه الورقة تعبر عن السياسة الأمريكية؛ التي تريد إصلاح الحكم في السودان، عبر دعوة كافة الفرقاء للحوار، بعد أن أوصلت الحكومة الأمريكية رسالة مفادها، أنها لن تسمح بإسقاط النظام عبر العمل المسلح، وذلك عبر الرجل نفسه المذكور سابقاً عندما كان مبعوثاً للسودان، حيث قال ليمان، في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2011/11/03م: "بصراحة لا نريد إسقاط النظام، ولا تغيير النظام، نريد إصلاح النظام بإجراءات دستورية ديمقراطية"، وقال: "كما قلت، ليس في مصلحتنا إسقاط النظام في السودان، وزيادة المشاكل، تكفينا المشاكل الحالية. مصلحتنا هي تطوير النظام ديمقراطياً. نعم، ساعدناهم في الماضي بما فيه مصلحتنا، ومصلحتنا الآن هي استقرار في السودان، وفي جنوب السودان". (الشرق الأوسط: السبـت 3 كانون الأول/ديسمبر 2011 العدد 12058).
وفي السياق نفسه، أرسلت الولايات المتحدة، الرئيس الأمريكي الأسبق (كارتر)، ليلتقي بالبشير يوم الثلاثاء 2014/01/21م حيث صرح كارتر عقب اللقاء قائلاً: "ناقشنا آفاق حوار وطني شامل وديمقراطي وانتخابات 2015 وصياغة دستور جديد". ولبدء صافرة الحوار، قام البشير بعد ستة أيام فقط من هذا اللقاء، في 2014/01/27م بدعوة كافة القوى السياسية وحاملي السلاح إلى حوار وطني!
وفي 2015/08/25م قام المبعوث الأمريكي الحالي للسودان وجنوب السودان دونالد بوث، بزيارة إلى الخرطوم، حيث التقى بالمسئولين في الغرف المغلقة، وأحيط لقاؤه بسياج محكم من السرية، وتناول اللقاء بحسب البيان الصادر عن دونالد بوث، "ضرورة إجراء حوار سياسي وطني مفتوح لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات الداخلية المستمرة في السودان، بالإضافة لتحقيق ترتيبات لحكم أكثر شمولاً"، وذلك قبل أن يسافر إلى باريس ليلتقي، بمعية المبعوث البريطاني، والنرويجي، ومبعوث الاتحاد الأوروبي، ورئيس قسم الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الفرنسية، ليلتقي بقيادة الجبهة الثورية (الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور)، في الفترة من 8-10 أيلول/سبتمبر 2015م، بغرض ضمها للحوار الوطني. (سودان تربيون 2015/09/11م).
من كل ذلك نخلص إلى أن هذا الحوار أمريكي المولد والمنشأ، فكيف يكون الحوار وطنياً، وقد أُتي به من وراء البحار، بل من العدو اللدود للأمة الإسلامية؛ أمريكا؟!! وهي التي تريد تحقيق مصالحها من خلال هذا الحوار، كما صرح بذلك ليمان، وذلك بإصلاح النظام القائم ومنع سقوطه؟!
ثانياً: ماذا يراد من الحوار الوطني؟
بالنظر إلى القضايا الأربع (الهوية، والحريات، والفقر، والسلام)، التي أثارها خطاب الوثبة، وحديث القوى السياسية عن التحول الديمقراطي، وحديث الساسة الأمريكان عن الديمقراطية والدستور، بالنظر إلى كل ذلك تتضح معالم ما يراد إنضاجه بطبخة الحوار الوطني وهو:
1- التأسيس لنظام علماني يحارب كل مظاهر الإسلام. وإن النظام الذي طالما ادعى أنه يعمل لتطبيق الإسلام عاد الآن يشكك في هوية البلد الإسلامية ويجعلها موضع نقاش بين أخذ ورد! مع أن أهل البلد مسلمون لا يرضون عن الإسلام وأنظمته بديلاً... إن هذا النظام يريد السير بالبلد للتحول نحو العلمانية المحرمة شرعاً وينخرط في تناغم عجيب مع أمريكا في حربها على الإسلام ووصفها إياه بالتطرف والإرهاب.
ويأتي تبني النظام لأفكار العلمانية؛ من نظام الحكم الديمقراطي؛ الذي يجعل التشريع للبشر بالأغلبية الميكانيكية، بدلاً عن المحجة البيضاء؛ تشريع رب العباد، الذي يؤخذ من النصوص الشرعية بقوة الدليل، ومن ذلك أيضاً، تقديس النظام لفكرة الحريات التي تعبّد الإنسان لشهواته ورغباته وأهوائه، بدلاً من فكرة التقيد بالحكم الشرعي، التي تعبّد الإنسان لخالقه اللطيف الخبير! لذلك فإن أمريكا تريد من المتحاورين، صياغة دستور علماني توافقي بإجماع أوسع للقوى السياسية في السودان.
إن الحديث عن الحريات، والحديث عن الهوية في بلد جل أهله مسلمون، يؤكد أن الحكومة تريد أن تتخلى عن شعارات الإسلام التي رفعتها، والتي لا ترغب أمريكا في سماعها، وأن يكون النظام علمانياً، كما هو حاصل الآن، وبذلك تظن الحكومة أنها حفظت ماء وجهها أمام الجماهير، وفي الوقت نفسه نفذت مطلوب أمريكا في التخلي عن شعار الإسلام.
2- الاستمرار في سقي شجرة تمزيق البلاد، وجني ثمارها المُرّة، بعد أن فصلت هذه الحكومة جنوب السودان بفكرة حق تقرير المصير، إرضاءً لأمريكا، هذه الفكرة التي شكّلت أخطر سابقة في تاريخ السودان، ثم عادت أمريكا هذه المرة، لسلخ دارفور، عبر فكرة الحكم الذاتي الموسع للإقليم؛ التي نصت عليها اتفاقية الدوحة. إن قبول دخول الحركات المسلحة براياتها وشعاراتها، تحت مظلة الحوار الوطني، والبحث في وضع دستور توافقي، والاعتراف بهذه الكيانات وخصوصيتها، (لهو) خطوة تخطوها الحكومة نحو التمزيق، ولها سابقة فصل جنوب السودان، وهي تمهد لذلك بالوضع الخاص لدارفور، عبر الدستور التوافقي؛ الذي يراد أن ينص فيه على أفكار الحكم الذاتي والفيدرالية وغيرها. ومن ذلك مطالبة الحركة الشعبية قطاع الشمال بالحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، عقب اجتماعها في دار السلام - عاصمة تنزانيا في الفترة من 7-2015/10/12م (سودان تربيون 2015/10/15م).
3- إعادة إنتاج النظام العلماني الحاكم بصورة أكثر شمولاً، بتدعيمه بوجوه وأحزاب جديدة، وقواعد جديدة، ليتمكن النظام من السير في إكمال مخططات أمريكا، وكل ذلك تحت لافتة إصلاح الحكم والدولة.] انتهى الاقتباس.
هذا ما تريده أمريكا عبر هذا الحوار الوطني: العلمانية، ومزيداً من التمزيق!!
وهذا كله ينسجم مع مخطط أمريكا القاضي بتقسيم السودان إلى كيانات متعددة متنازعة فيما بينها.
إن كل الذي حذر منه حزب التحرير قد وقع، فقد نفذت حكومة الإنقاذ جزءا من المخطط لكنها لم تكمله لسقوطها، ثم عادت أمريكا بعملاء جدد يواصلون تنفيذ مخططها الإجرامي في السودان:
ففي شباط/فبراير 2020 أجاز مجلس الوزراء مشروع قانون التعديلات المتنوعة (إلغاء وتعديل الأحكام المقيدة للحريات) للعام 2020، ومن ثم تمت إجازتها من قبل المجلسين، حيث ألغيت المادة 126 (الردة) واستعيض عنها بمادة أخرى تجرم تكفير الأشخاص أو الطوائف أو الأفراد، ويجرم ختان الإناث، وألغيت المواد 152 زي فاضح، و153 ضبط العروض الفاضحة، و154 ممارسة الدعارة والاتجار بالخمر من القانون الجنائي السوداني... وكذلك المادة 60 من قانون الجوازات والهجرة لسنة 2015 التي تفرض على المسافرين استمارة الاستيفاء أو تأشيرة الخروج، لتعارضها مع حرية التنقل والإقامة، حسب زعمهم.
واعتمد مجلسا السيادة والوزراء في 2021/4/19م قانون الاستثمار ومشروع قانون التعديلات المتنوعة التي ترتكز على اعتماد نظام مالي مزدوج يعمل على تكوين نافذتين في البنوك، وقال عضو مجلس السيادة محمد الفكي في تصريح صحفي يعمل على تكوين نافذتين في البنوك الأولى نافذة للنظام الإسلامي والأخرى للنظام التقليدي. وأجاز الاجتماع مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما أجاز مشروع قانون إلغاء قانون مقاطعة كيان يهود المسمى بـ(مقاطعة إسرائيل).
وصادق مجلس الوزراء على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في يوم الاثنين 2021/4/27م، وذلك لتتم المرحلة النهائية حسب التشريع الوضعي لتُجاز عن طريق مجلسي السيادة والوزراء (المجلس التشريعي المؤقت)، كما أجيزت القوانين السابقة.
لقد تحفظ مجلس الوزراء كما ذكر في الإعلام على المواد (2)، (16)، (1/29) وتشمل تلك المواد سن التشريعات للمساواة بين المرأة والرجل في الزواج وكافة التشريعات العائلية وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للتحكيم في أي خلاف بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية. لقد تم هذا التحفظ رغم أن المادة 28 من الاتفاقية تنص على عدم الأخذ بالتحفظ في أي أمر متعلق بموضوع الاتفاقية.
وفي 2021/5/2م أصدر مجلس الوزراء قرارا بتعيين أركو مناوي حاكما عاما لإقليم دارفور.
هذه القرارات السريعة التي يتخذها الحكم الانتقالي إنما يعمل بها على تركيز النظام العلماني الذي بدأته الإنقاذ من فصل الجنوب وتهيئة السودان للتمزق أكثر وأكثر، وهذا يؤكد ما بينه الحزب في نشراته ومتابعته للأوضاع القائمة والتي يراد بها شرا لأهل البلاد، وهم اتخذوا الـ39 شهرا لتركيز هذه القوانين الغربية العلمانية بل تم (تصفير العداد) بعد اتفاقية جوبا للسلام في تشرين الأول/أكتوبر 2020م.
إن هذه القوانين التي تم تعديلها هي باب لولوج الاستعمار والتدخل في كل مفاصل الحياة؛ فبسنه قوانين حماية الردة يكون الباب مفتوحا للتدخل في كل مفاصل الحياة على غير الإسلام (قانون فراك وولف الأمريكي) وبقانون الاستثمار وإلغاء قانون مقاطعة كيان يهود يعني فتح البلد على مصراعيه أمام الاستعمار لنهب ثروات السودان، وبقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون المصارف المزدوجة يعني السيطرة الاقتصادية الكاملة على النمط الغربي الذي تسيطر فيه الرأسمالية والشركات العابرة للقارات على كل أنشطة البلد الاقتصادية. وباتفاقية السلام في تشرين الأول/أكتوبر الماضي وتعيين حاكم عام لإقليم دارفور يعني القفز بالزانة لفصل دارفور وغيرها عن السودان...
إن البرهان وحمدوك لم يكتفيا بالتصريح باعتماد العلمانية للسودان بل أخذ الحكم الانتقالي برمته يعمد على فصل الدين عن الحياة في كل تفاصيل الحياة ومن أهمها علاقة الرجل بالمرأة المصونة بأحكام الإسلام، فكان التقنين للإجهاض والزنا والدعارة والشذوذ وزواج المثليين... والتقنين لتعطيل كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج والطلاق والقوامة والوصاية، إنه دخول لتدمير كل حياة المسلمين المتبقية عن طريق إلزامية القانون ونشر الفجور والكفر بقوة القانون بل وإلغاء أحكام الجهاد في سبيل الله.
إن الواجب علينا هو إيقاف هذا الزحف المستمر ضد الإسلام والمسلمين، فإن هذا الدين هو ديننا ويجب علينا أن نحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، قال سبحانه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾.
ولن يوقف هذ الزحف إلا العمل الجاد لإقامة نظام الخلافة الذي يحق الحق ويبطل الباطل، فكان لا بد من غذ الخطا حتى نقبل عند الله ويحقق الله عز وجل فينا نصره الذي وعد، وذلك يكون باستمرار التلبس في أعمال الكتلة من تثقيف فردي وجماعي وكشف وتبنٍّ حتى يهيئ الله لنا أنصارا يمكنون لدين الله في الأرض.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله عبد الرحمن (أبو العز)
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان