- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الذهب في الإسلام ملكية عامة وفي الرأسمالية نهب للحكام والشركات
في ظل الأنظمة الرأسمالية تبحث الحكومات عن المال في كل مكان وتلهث لهثا من أجل حفنة من الثروات وتسعى لامتلاكها بأية كيفية كانت وتتصرف دون إذن من الشارع عز وجل فتعطي بعض الشركات الامتيازات بطرق ملتوية للتنقيب عن الذهب، فقد أكد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني جبريل إبراهيم على ملكية معدن الذهب للدولة وليست للأفراد. وأضاف: "رغم ذلك سمحنا للأفراد بالعمل في التنقيب عن الذهب وتصديره وهذا أمر غير موفق"، وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أوردت الحرة كوم، تحت عنوان (السودان تلال من ذهب في السودان.. ما قضية جبل عامر والبشير و"حلفائه الألداء"؟) جاء فيه: "تم اكتشاف الذهب في تلال جبل عامر من معدنين متجولين في نيسان/أبريل 2012، ليتحول إلى أغلى مورد طبيعي في البلاد، إلا أن رموز النظام السابق استغلوه لتحقيق ثروات ضخمة. وفي وقت كان الشعب يعاني من الفقر والبطالة والاقتصاد ينهار، سخر الرئيس المخلوع، عمر البشير، وحلفاؤه ذهب جبل عامر لمصالحهم الخاصة".
وأوردت أيضا وكالة سونا للأنباء في 2020/10/16 خبرا تحت عنوان: "السودان يمنح عقود امتياز تنقيب عن الذهب لسبع شركات ويستعد لطرح عطاء دولي لاستقطاب 8 شركات أخرى"، جاء فيه: "أعلن السودان، منح 10 عقود امتياز للتنقيب عن الذهب لست شركات محلية وواحدة صينية". وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا)، إن وزير الطاقة والتعدين خيري عبد الرحمن وقع العقود عن الحكومة مع مدراء الشركات، بحضور السفير الصيني في الخرطوم ماشين مين، وتشمل أيضا التنقيب عن المعادن المصاحبة للذهب. ووفقا للوكالة، كشف خيري عن عطاء دولي قريب للإعلان عن 16 عقدا جديدا للتوقيع مع 8 شركات أخرى.
من جهته، قال مدير عام الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية سليمان عبد الرحمن إن إجمالي المساحات الصالحة للتعدين بالبلاد تصل مليوناً وثمانمائة ألف كيلومتر. وأكد السفير الصيني ماشين مين سعادته بتوقيع الاتفاقيات، قائلا إنها ستدعم العلاقات بين البلدين. وفي 2021/03/15 أوفدت الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية بالسودان، فريقا متكاملا لاستئناف العمل في مشروع إنتاج الذهب بجبل عامر بشمال دارفور. وتأتي زيارة البعثة بعد تنازل شركة "الجنيد" عنه لصالح الحكومة السودانية ممثلة في وزارة المعادن. عن رئيس المأمورية الجيولوجي محمد الحافظ بانقا القول إنهم يتوجهون اليوم لمنطقة جبل عامر للبدء في إنتاج الذهب خلال هذا الأسبوع، بعد انتهاء عملية التسليم والتسلم بين شركة الجنيد والحكومة.
هكذا أصبح أمر الذهب في هذه البلاد يُعطى لشركات بعد تعاقدات من الحكومة معها فيمتلكها أفراد بعد إبرامهم اتفاقيات مع الحكومة مع توضيح نسبة الحكومة والشركة المنتجة، ورغم وجود هذه الثروات الضخمة من الذهب في هذا البلد الذي يعتبر من أكبر البلاد التي تنتج الذهب ولا يظهر هذا في حياة أهل البلد الذي ورث الفقر والعوز من هذه الأنظمة الرأسمالية، وليت هذه الأموال تنفق على أهل البلد في الصحة والتعليم والأمن بل تذهب إلى جيوبهم النتنة. وعلى حسب هذا الواقع يخرج علينا وزير المالية مدعيا أن الذهب ملك للدولة! فأصبح هذا المعدن النفيس ملكية للدولة وتارة تعطيه الدولة لشركات مع تخصيص نسبة للحكومة وليس لأهل البلد. وطبيعي أن تتعامل الدولة بهذه العشوائية في ظل غياب منهج راق يستند إلى عقيدة أهل البلد؛ الإسلام العظيم الذي فصل في هذه الملكيات تفصيلا دقيقا ولم يترك لعقل الإنسان القاصر أن يبدي فيه رأياً.
فالإسلام جعل الملكية في ثلاثة أصناف هم الأفراد والدولة وعموم الناس. أما ملكية الأفراد فقد ثبتت بأحكام كثيرة منها أحكام الميراث التي جعلت نصيبا للأفراد في مال الموروث، وأحكام الأجر على العمل والمنفعة، وأحكام الصيد والشركات وغيرها كثير. أما ملكية الدولة فقد ثبتت بأحكام كثيرة منها الجزية، وخمس الركاز، والخراج، والفيء والأنفال. وأما الملكية العامة فقد ثبتت بأحكام اشتراك الناس بالماء والكلأ والنار، والمعادن المتوفرة بشكل كبير كالحديد والمنغنيز والذهب وغيرها.
إن الإسلام جعل للفرد الحق في أن يتملك ما يقوم بحاجته وحاجة من يعول. والدولة بوصفها راعية لشؤون الرعية لا بد لها من مال تستعمله للقيام بواجبها تجاه الرعية وحماية الرعية والبلاد من الأخطار الداخلية والخارجية، والقيام على أمن الناس وسلامتهم. فجعل الإسلام للدولة الحق في تملك ملكيات معينة تعود عليها بالمال اللازم للقيام بواجباتها دون الحاجة لأموال الأفراد التي فرضها الله تعالى لهم. وكذلك فإن هناك حاجات للرعية لا يختص بها فرد دون غيره فهي حاجات للرعية بوصفهم جماعة من الناس وليس بوصفهم الفردي. وذلك مثل المراعي والغابات والأنهار وشواطئ البحار والطرقات ومراكز التعليم والتطبيب وغيرها. والإسلام قد خص الجماعة بملكيات خاصة بالجماعة تؤدي للحفاظ على الجماعة وعدم تفرقها والبقاء عليها دون الحاجة لمال الأفراد أو مال الدولة.
والملكية العامة تعرف بأنها إذن الشارع للجماعة في الانتفاع بالعين. وهذه الأعيان تتحقق في ثلاثة أنواع هي: الأعيان التي تعتبر من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر للجماعة تفرقوا في طلبها، والمعادن التي لا تنقطع، والأشياء التي طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها. فعن ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ». ما يعني أن الماء كالأنهار والبحار وشواطئها والأحواض المائية والمراعي الشاسعة في الجبال والسهول والمروج والغابات، والنار بمعنى مصادر النار كالغابات الخشبية ومناجم الفحم والغاز والنفط كلها ملكية عامة، أي تكون هي أو ما ينتج عنها من مال مملوكة لجميع أفراد الرعية سواء بسواء ويمكَّن الجميع من الانتفاع بها مباشرة أو من خلال تنظيم معين تقوم به الدولة. أما المعادن التي لا تنقطع أي التي تتوفر بشكل لا ينفد فقد روى الترمذي عن أبيض بن حمال «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ فَقَطَعَ لَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّمَا قَطَعْتَ لَهُ الْمَاءَ الْعِدَّ. قَالَ: فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ» والماء العد الذي لا ينقطع، فشبه الملح بالماء العد لعدم انقطاعه. ما يدل أن مثل هذا المعدن كمناجم المعادن المختلفة كالحديد والنحاس والفوسفات واليورانيوم والذهب وغيرها كلها من الأشياء التي لا يجوز أن تكون مملوكة للأفراد. أما الأشياء التي طبيعتها تمنع أن تكون مملوكة للأفراد فتشمل الطرق وترددات الأمواج اللاسلكية والممرات المائية والجوية ومدارس الدولة ومستشفياتها وجامعاتها فملكية الفرد للطريق أو الممر المائي والجوي ومستوصفات الدولة قد يحرم غيره من الأفراد الانتفاع بهذه الأعيان.
والذهب إذا كان بكميات كبيرة ولا ينقطع لا يجوز للشركات والأفراد أو حتى الدولة امتلاكها فهي ملكية عامة لجميع الناس فللدولة أن تنفقها عليهم في شكل خدمات أو تعطيها لهم نقدا. أما إذا كان بكميات صغيرة وليس عداً لا ينقطع فيجوز للأفراد تملكها.
هذا هو نظام رب العالمين الذي أنزله على نبيه محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، النظام الذي ساس الناس وأسعدهم ولم يظلم أحدا؛ نظام الخلافة الذي أعطى كل ذي حق حقه ولم يتعد على حقوق الناس.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان