الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

ارتفاع الأسعار سببه السياسات الرأسمالية الجشعة

التي تنتهجها الحكومة وليس التجار

 

قامت الحكومة الانتقالية بحملة واسعة في الأسواق ضد التجار وغيرهم، فقد كشفت وزارة الصناعة والتجارة ولاية الخرطوم، عن مشاركة 21 مفتشاً في الحملة إلى جانب مجموعة من الآليات. وأكدت مدير الإدارة العامة للتجارة وشؤون المستهلك بالوزارة، عضو اللجنة العليا لضبط الأسعار، سكينة محمد نور، أن الحملة التي يتم تدشينها يومي 28 و29 حزيران/يونيو الحالي تهدف إلى فرض هيبة الدولة وتتخذ كافة الوسائل لتحسين معاش الناس ومحاربة ظاهرة زيادة الأسعار التي وصفتها بغير المنطقية، مشيرة إلى أن الحملة تعمل على ضبط الأسعار للسلع الاستهلاكية بوضع ديباجات على السلع ومراجعة صلاحيتها، فضلاً عن السلع المهربة المعروضة للبيع في الأسواق والشوارع الرئيسية والأحياء ومحاربة جشع التجار. (كوش نيوز، 28 حزيران/يونيو 2021م).

 

من الواضح أن هذه الحملة قصد منها ضبط الأسعار وجشع التجار (كما يقولون)، غير أنهم نسوا أن الدولة بسياساتها الخرقاء هي السبب الرئيس في هذا الغلاء الذي طحن الناس طحناً، غلاء أوجد ركوداً في كل السلع كما هو مشاهد محسوس، فهذه الحملة هي ذر للرماد في عيون الناس، وإيهامهم أن الذين صنعوا هذا الغلاء هم التجار فقط، وهذا كذب. فالسبب الرئيسي هو الحكام، فمثلا الحكومة الانتقالية رفعت الدعم من الوقود خلال سنتين أربع مرات، فوصلت أسعار السلع إلى أرقام فلكية، فقد كان سعر جالون البنزين 28 جنيهاً قبل عامين والآن سعره 1440 جنيهاً! ومن المعلوم بداهة أن الجازولين والبنزين هما من السلع الاستراتيجية، فأية زيادة في سعرهما يؤثر في كل السلع فترتفع أسعارها تلقائياً، وكذلك رفع الدعم عن الغاز وعن القمح، هذا غير الضرائب الفلكية والجمارك، زائد التضخم الذي قفز إلى 363.14% في نيسان/أبريل المنصرم حسب رويترز عن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان.

 

أما ما طرحته الحكومة من حل بالتسعير فهو وهمٌ وليس بعلاج، بل هو تعقيد للمشكلة، فكيف تلزمون التجار بسعر معين؟! فالتسعير حرام وهو ظلم للناس، فإذا أردتم حل هذه المشكلة فحلها بيدكم أنتم وهو أن تزيلوا العقبات التي وضعتموها؛ الضرائب والجمارك التي تضاعف سعر السلع أضعافا، والتدخل لفك الاحتكار. إذ إن واقع التسعير أنه ضرر من أشد الأضرار على الأمة في جميع الظروف، سواء أكان ذلك في حالة الحرب، أم في حالة السلم، لأنه يفتح سوقا خفية، يبيع الناس فيها بيعا مستورا عن الدولة بعيدا عن مراقبتها، وهو ما يسمونه السوق السوداء. فترتفع الأسعار، ويحوز السلعة الأغنياء دون الفقراء، ولأن تحديد الثمن يؤثر في الاستهلاك، فيؤثر في الإنتاج وربما سبب أزمة اقتصادية. وفوق ذلك فإن الناس مسلطون على أموالهم، لأن معنى ملكيتهم لها أن يكون لهم سلطان عليه.

 

وفوق كل ذلك فإن التسعير حرام شرعاً، روى ابن ماجه عن أبي سعيد قال: قال ﷺ: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ». ولكن لما كانت الدولة مظنة التسعير على الناس، فقد حرم الله عليها أن تضع أسعاراً معينة للسلع، تجبر الناس على البيع والشراء بحسبها؛ ولذلك جاء النهي عن التسعير. والتسعير هو أن يأمر السلطان، أو نوابه، أو كل من ولي من أمور المسلمين أمرا، أهل السوق أن لا يبيعوا السلع إلا بسعر كذا، فيمنعوا من الزيادة عليه حتى لا يغلوا الأسعار، أو النقصان عنه حتى لا يضاربوا غيرهم، أي يمنعوا من الزيادة أو النقص عن السعر المقرر لمصلحة الناس، وذلك بأن تتدخل الدولة في الأسعار، وتضع للسلع أو لبعضها أسعارا معينة، وتمنع كل واحد من أن يبيع بأكثر من السعر الذي عينته، أو بأقل منه، لما ترى في ذلك من مصلحة المجموع.

 

وقد حرم الإسلام التسعير مطلقا، لما روى الإمام أحمد عن أنس قال: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْتَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ». ولما روى أبو داود عن أبي هريرة قال: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ، فَقَالَ: «بَلْ أَدْعُو»، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ، فَقَالَ: «بَلْ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ». هذه الأحاديث تدل على تحريم التسعير، وأنه مظلمة من المظالم التي ترفع الشكوى على الحاكم لإزالتها، وإذا فعلها الحاكم أثم عند الله، لأنه فعل حراما.

 

وتحريم التسعير عام لجميع السلع، لا فرق في ذلك بين ما كان قوتاً، وما لم يكن كذلك؛ لأن الأحاديث تنهى عن التسعير مطلقا، فهي عامة، ولا يوجد ما يخصصه بالقوت أو بغيره، فكانت حرمة التسعير عامة، تشمل تسعير كل شيء.

 

أما ما يحصل من غلاء الأسعار في أيام الحروب، أو الأزمات السياسية فإنه ناتج إما من عدم توفرها في السوق بسبب احتكارها، أو بسبب ندرتها. فإن كان عدم وجودها ناتجا عن الاحتكار، فقد حرمه الله، وإن كان ناتجا عن ندرتها، فإن الحاكم مأمور برعاية مصالح الناس، فعليه أن يسعى لتوفيرها في السوق بجلبها من أمكنتها، وبهذا يكون قد منع الغلاء.

 

وعمر بن الخطاب في عام المجاعة، الذي سمي عام الرمادة، لما حصلت المجاعة في الحجاز فقط لندرة الطعام في تلك السنة، وقد غلا من جراء ندرته، لم يضع أسعارا معينة للطعام، بل أرسل وجلب الطعام من مصر، وبلاد الشام، إلى الحجاز، فرخص دون حاجة إلى التسعير.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع