الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يا حيف على دويلات الخراب!

للمستعمر البريطاني عسل المغرب، ولأهله لسعات نحله!

 

ما كان الغرب فينا إلا وحشا ضاريا، وما كانت أنظمته الوظيفية الجاثمة على صدورنا إلا مخالبه وأنيابه، وفي كَلَبِه وافتراسه استعرت حمى تصارع وحوشه الضارية وهي تعيش خريف عمرها وتحيا على وقت مستعار وثروة مسروقة، ولا ترى في العالم إلا غابة داروينية مادية، وبشره مادة إبادة وقتل، وثرواته مادة افتراس ونهب.

 

والنكبة كل النكبة أن في الأرض كفاية كل ما عليها ومن عليها، شمسا وهواء وطعاما وشرابا وجمالا ولكن بطريقة ونظام خالقها وبارئها، لا بطريقة وفوضى أنظمة الرأسمالية الكافرة البائسة، التي جعلت من النهب والجشع والشره والإغراق في الكنز والغلو في الادخار والإسراف في الجمع والتكالب عليه والاحتيال والقساوة والبخل، والغبن والاحتكار والربا وغمط الحقوق وسرقة الجهود والاستعمار وطمع في كل شيء حتى في الطمع ذاته، وكل هاته الرذائل وغيرها أنظمة حياة، ثم صيرتها الرأسمالية كذلك أنظمة اقتصاد بها تجمع وتعدد الرذائل.

 

ما كان الغرب في البشرية إلا حالة مرضية ينكسر عندها الرأي ويبتلى بها الحس، وما كان استعماره واقتصاده الحر إلا ذلك الورم الخبيث الذي ينخر أحشاءه، وما كانت أنظمته إلا فلسفة للموت واسما آخر للقبر. ولقد ترجم الغرب حقيقة الشر والمعنى الحقيقي لارتكاس الفطرة وتعفن الطبع وفساد الأخلاق، في جعله حيازة الدنيا حقا مفردا لحفنة من رأسمالييه وحكرا عليهم، حتى بات السفيه المتخم منهم في ترفه وبذخه ينفق في شهوة ولذة يوم قوت بلد! فكان بحق مادة فساد وإفساد وهلاك وإهلاك للحرث والنسل أينما تولى أفسد وأهلك.

 

ولنا في طرابلس الغرب والدماء الطاهرة المسفوكة لأهلها ثمنا لنهب نفطها وغازها، وما يجري على أرض المغرب واستنزاف ثرواته وإفقار أهله، خلال هذا العقد بينة وبرهان. أما حال طرابلس الغرب وأهلها مع المستعمر الغربي فخبرها أشهر من نار على علم، أما ما يجري على أرض المغرب فذلك الذي سنسعى لتجليته.

 

معلوم لدى العالمين بالواقع السياسي لبلاد المغرب والواعين سياسيا على أحواله أن بلاد المغرب من أدناه إلى أقصاه مستعمرة أوروبية خالصة، لبريطانيا اليد الطولى عليها بعد الضعف الشديد الذي طرأ على المستعمر الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية واحتلال ألمانيا لفرنسا سنة 1940 وسقوط العاصمة باريس مركز الجمهورية الفرنسية، وما تلاها من ضعف شديد على السياسة الخارجية الفرنسية جراء خروجها من الاحتلال منهوكة القوى، وما جد على الموقف الدولي من تغير وحكر الموقف الدولي على أمريكا والاتحاد السوفياتي، فسقطت بعدها فرنسا من حسابات السياسة العالمية وتم عزلها عن الموقف الدولي. وكذلك اندحار الاستعمار الإيطالي عن ليبيا وسقوط دولته الفاشية. هذا التحول والتغير في الموقف الدولي وما تبعه في ميزان القوى كان له الأثر في تعاظم النفوذ البريطاني في غرب البلاد الإسلامية على حساب المستعمر القديم الفرنسي وإن كان لهذا الأخير بقية من نفوذ بهذه البلاد.

 

وما يجري على الساحة المغربية هو الترجمة السياسية لمدى تغول المستعمر البريطاني في بلاد المغرب. فخلال هذا العقد وما استجد معه من اختراق ونفاذ المستعمر الأمريكي لأهم معاقل المستعمر البريطاني في غرب البلاد الإسلامية (ليبيا)، احتدم الصراع الاستعماري الأمريكي البريطاني عليها. ثم كان البريكست وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ضربة قاسية للسياسة الخارجية البريطانية، فبخروجها خسرت بريطانيا إحدى أقوى أوراقها التي كانت تستغلها وتوظفها في تقوية موقفها في صراعها مع أمريكا، فكان الاتحاد الأوروبي درع بريطانيا الذي تحتمي به وعصاها الغليظة التي تستعين بها في مواجهة أمريكا.

 

فوجدت بريطانيا نفسها في صراع مع الزمن، يدفعها إليه ما استجد من طوارئ على موقفها، وما اعتمل من ضعف جراء ذلك على استعمارها ونفوذها الخارجي، فسارعت خلال هذا العقد الثاني من هذا القرن وخلال نصفه الأخير للسيطرة التامة والشاملة على ثروات المغرب من نفط وغاز وذهب وفضة ومعادن نفيسة ومناجم، لربطه بسلاسل من فولاذ بالاستعمار البريطاني، وساعدهم على ذلك النظام الوظيفي بالمغرب فقد أضحت حكوماته المتعاقبة جزءا من إدارة مصالح المستعمر البريطاني، وحكامه عملاء موظفون لتسويق نهب وسرقة المستعمر البريطاني داخل البلد وخارجه في أفريقيا.

 

فباتت وظيفة النظام العميل وحكوماته المتعاقبة تحويل ثروات أهل البلد إلى أرصدة وأرباح في حسابات رأسماليي المستعمر البريطاني وحكر الثروة عليهم، بل إعفاءهم من التكاليف والمصاريف والتبعات القانونية لنهبهم، بل وفي خسة وحقارة وظيفته وفر النظام العميل جيوش العبيد الكادحين في المناجم والمعادن وشركات التنقيب بأبخس الأثمان للمستعمر البريطاني من أبناء البلد، وهيأ له المكاتب والمصانع والمرافق من أموال دافعي الضرائب المقهورين من أهل البلد، تحت خديعة تشجيع الاستثمار الخارجي ودفع عجلة الاقتصاد. وهكذا أضحى النظام العميل وحكوماته المتعاقبة الوظيفية جهازا إداريا للاستعمار وأداة من أدواته.

 

فخلال هذا العقد جعلت بريطانيا من المغرب قصعتها، وثروته مادة نهبها وافتراسها. فقد تم توقيع اتفاق تجاري يؤطر العلاقات بين بريطانيا والمغرب لما بعد مرحلة "البريكست" في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وكان كاتب الدولة البريطاني المكلف بالتنمية الدولية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أندرو موريسون زار المغرب قبلها في أيلول/سبتمبر 2019 على رأس وفد مهم في إطار الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي المغربي البريطاني الذي انعقد بالعاصمة الرباط، أكد وزير الخارجية ناصر بوريطة حينها أن "العلاقات البريطانية المغربية تتجه نحو إرساء شراكة استراتيجية حقيقية".

 

ثم تسارعت وتيرة الاتفاقيات والعقود والاكتشافات والتنقيب والاستخراج والتسويق عطفا على الاتفاقيات والعقود السابقة، سواء في قطاع الطاقة (النفط والغاز والزيت الصخري) أو المعادن النفيسة (الذهب والفضة والأحجار النادرة...) والمناجم...، وهكذا تسارعت وتيرة الاكتشافات للنفط والغاز بالمغرب من طرف الشركات البريطانية حصرا وقصرا.

 

فقد وقعت شركة "أوروبا للنفط والغاز" البريطانية اتفاقا مع المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بالمغرب في أيلول/سبتمبر 2019 منحها تصريحا واسعا للتنقيب في سواحل أغادير جنوب المغرب، وأعلنت الشركة البريطانية رسميا في الأيام الأخيرة عن وجود أكثر من ملياري برميل من المكافئ النفطي في منطقة إنزكان قبالة سواحل أغادير، على مساحة 11288 كلم مربع، وتستغل الشركة البريطانية حقول المنطقة بناء على العقد الاستعماري المعهود والمعمول به، حصة 75% من نصيبها و25% من نصيب المكتب الوطني المغربي.

 

كما أعلنت شركة الطاقة البريطانية "إس دي إكس إنرجي" التي تستغل حقولا للغاز الطبيعي شرق وغرب البلد منذ 2019، أنها تستعد لإطلاق برنامج جديد يقضي بحفر 12 بئرا جديدة للتنقيب عن الغاز الطبيعي بالمغرب، ولفتت أنها تستهدف احتياطات إجمالية تقدر بنحو 15 مليار قدم مكعب في سهل الغرب شمال العاصمة الرباط بالمغرب. فضلا على رخصتي التنقيب في المنطقة الشرقية التي تغطي مساحة 14500 كلم مربع، منها حقل تندرارة قرب مدينة فكيك شرق المغرب، والتي شرعت في تسويق وبيع غازه مؤخرا.

 

ثم هناك شركة "بريداتور للنفط والغاز" البريطانية التي عقدت اتفاقا مع المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، وبدأت أشغالها في حفر الآبار النفطية بمنطقة جرسيف شرق المغرب، كما دخل عقد التنقيب على الغاز مع الشركة نفسها حيز التنفيذ.

 

ثم هناك شركة شاريوت البريطانية للنفط والغاز المرخص لها باستغلال حوض الليكسوس شمال المغرب على مساحة تقدر بـ2390 كلم مربع، وقد أعلنت في تقريرها سنة 2019 أنها تجري محادثات بشأن تسويق وتوريد غاز المنطقة، وقدرت احتياطياتها بـ2 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وأضافت أن النتائج فاقت التوقعات، علما أن الميزة الحقيقية تكمن في كلفة الاستخراج المنخفضة. وأعلنت مؤخرا عن تفاوضها على شروط ترخيص جديد في المغرب للتنقيب في عرض البحر في عام 2021، ما يفسر تسريع النظام المغربي المفاجئ لترسيم الحدود البحرية للمغرب في شباط/فبراير 2020، والذي بموجبه تم ضم الجزر البركانية الغنية الواقعة بالساحل الجنوبي للمغرب، والتي تعتبر من أغنى المناطق بالغازات والمعادن النادرة من قبيل الكوبالت والتليريوم والأتربة النادرة، والتي تعتبر المادة الخام لتقنيات الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي والصناعات المصاحبة، وكل هذا ما كان إلا خدمة للمستعمر البريطاني.

 

وفي تموز/يوليو 2018 أعلنت الشركة البريطانية "كيفي للمعادن" عن فوزها بعقد امتياز لاستخراج الذهب والفضة من ضواحي ورزازات جنوب المغرب. فضلا عن الاتفاقيات السابقة مع شركة أكركول ريسورس البريطانية للتنقيب عن المعادن في موقعين بإقليم طانطان جنوب المغرب وعلى مساحة تصل إلى 280 كلم مربع، وتنص بنود الاتفاق على تولي الشركة البريطانية أشغال التنقيب، وفي حال اكتشاف مخزون معدني فإنها ستدفع للمكتب المغربي للهيدروكربورات والمعادن 2% من العائدات، وتبقي لها حصة 98% في شره استعماري خالص وخسة للنظام الوظيفي فاضحة، علما أن المنطقة معروفة سلفا بوجود معدن الكوارتز النادر، كما أبانت البيانات عن وجود الذهب والفضة والحديد ومعادن أخرى. وحددت الشركة البريطانية كذلك عدة مواقع للذهب بمنطقة جبال الأطلس الصغير جنوب المغرب.

 

فحاليا هناك 47 مشروعا في مناطق متفرقة من البلاد، منها 11 مشروعا خاصا بالمعادن النفيسة و9 مشاريع موجهة للمعادن الأساسية و7 مشاريع أخرى للصخور والمعادن الصناعية و4 للاستكشافات العامة، إضافة إلى 3 مشاريع خاصة بالطاقة الجيوحرارية والهيدروجين ثم مشاريع النفط والغاز. اقتطعت الشركات البريطانية لنفسها حصة الأسد.

 

ثم هناك مشروع الطاقة "إكس لانكس" البريطاني والذي يعتبر الأضخم من نوعه عالميا، رصدت له 18 مليار جنيه إسترليني لاستغلال حقول الطاقة الريحية بصحراء المغرب، وستربط حقول الصحراء المغربية الريحية بالجزيرة البريطانية عبر الكابل الناقل للطاقة المار في أعماق البحر وهو الأكبر من نوعه في العالم. كما تم توقيع اتفاقيات لوصول جميع المنتجات القادمة من الصحراء المغربية (الصيد البحري، الفوسفات، المعادن...) إلى السوق البريطانية وهو ما أكده السفير البريطاني السابق بالرباط توماس رايلي.

 

هكذا بات تنقيب الشركات البريطانية في كل الاتجاهات على الغاز والبترول برا وبحرا، وما تكتنزه أرض المغرب من ثروات باطنية من مناجم ومعادن، ومع كل هذا السُّعار الاستعماري ترى النظام الوظيفي المغربي يعفيها كلية من أي أداء ضريبي لمدة 10 سنوات، تكون حينها الشركة قد استغلت الحقل والمنجم واستنزفته وتحولت إلى آخر في مكر استعماري بمعية عمالة وظيفية.

 

بل ما كفى النظام الوظيفي الإعفاءات الضريبية بل وفر لها السيولة المالية من المكوس والضرائب المقتطعة من أموال أهل البلد تحت خديعة تشجيع الاستثمار، عطفا عليها تلك الصيغة الاستعمارية للعقود 75% للشركة الاستعمارية و25% للمكتب الوطني للهيدروكربورات، والذي ما كان إلا مكتبا لتلقي الرشى وعمولة العميل الموظف.

 

هذه السرعة في وتيرة الاكتشافات ثم سرعة الاستغلال والتسويق، تخرج الأمر من دائرة الاكتشاف إلى حيز الكشف عما كان موجودا أصلا ومعلومة خرائطه، ومخبوءا ومتسترا عليه كمخزون احتياطي للمستعمر الأوروبي وتحديدا البريطاني، واليوم وفي صراع محموم مع الوقت وتكالب وافتراس استعماري متوحش بين المستعمر القديم الأوروبي والمستعمر الجديد الأمريكي، تسعى بريطانيا لاستغلال ونهب ثروات البلد حتى آخر حفنة منجم وقطرة بئر، خشية أن تضع عليها أمريكا يدها إن تمكنت من انتزاع الإقليم منها.

 

يا حيف وجور هذه الأنظمة الوظيفية وخستها وحقارتها! لك أن تذهل وتتساءل عن مصير هذه الثروات وأنت ترى أهل المغرب من أفقر الناس! فقد رصد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لسنة 2019 الصادر عن الأمم المتحدة أن نسبة أهل المغرب الذين يعانون الحرمان الشديد بلغت 45.7%. وأظهرت إحصائيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب حاليا أن ثلث الأسر لا تملك مصدرا للدخل في ظروف الجائحة وما صاحبها من حجر، وقالت المندوبية إن معدل الفقر تضاعف 7 مرات خلال الجائحة.

 

وأعجب وأغرب من ذلك الارتفاع القياسي للدين العام لهذه السنة 2021، فقد قدرت المندوبية السامية للتخطيط ارتفاعه ليصل إلى حوالي 95.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 94.6% العام الماضي 2020، ما جعل البلد غارقا في الكساد لارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانخفاض الأجور والعطالة المتفشية وارتفاع اقتطاعات وتحصيلات الضرائب ثم فاتورة الفساد العالية الكلفة، ما أذكى نيران احتقان المجتمع.

 

هي رزيتنا بشر الرعاء الحطمة! ما كانوا فينا إلا أسباب فقر وجهل وضلال وانحطاط، فيهم قيل: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها *** فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟!

 

وإن أردت العجب فاعجب لحال المسلمين بضياع حكم إسلامهم وفقد خلافتهم! وقد تولى أمورَهم شرارُهم وفاضت لئامهم ونطق فيهم الرويبضة وملك أمرهم العدو الكافر، ضياع تتقاذفهم يد عميل خائن ليد خائن عميل، أرضهم جنة للعدو الكافر مسغبة عليهم، خيراتهم وثرواتهم نهب للكافر المستعمر وأذنابه ولهم قصعة سوداء خبزها من عرقهم وإدامها من دمهم.

 

آن وحان لكم معشر المسلمين أن تقدروا حقيقة التبعات الخطيرة المدمرة لهاته السنين العجاف من حكم الرويبضات وضياع إسلامكم وغيابه عن دفة الحكم والقيادة، تجاه أنفسكم وأمتكم والبشرية جمعاء. آن وحان لكم أن تنتزعوا سلطانكم المغصوب من هكذا رويبضات يسومونكم سوء العذاب، ببيعة إمام راشد على كتاب الله وسنة نبيه ﷺ يعمل فيكم بسيرة الراشدين "خلافة راشدة على منهاج النبوة" فهي والله خلاصكم وعزكم وحياتكم وطيب عيشكم وقبل كل هذا رضا ربكم.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع