- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الكتاب
الصبر كنز لا ينضب
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وقال ﷺ: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».
لقد طرأ تشويش وغشاوة على مفهوم الصبر ومعناه عند عموم المسلمين في أرجاء المعمورة، وصار الصبر يختلط بالسكوت عن المنكرات والظلم والظالمين وتوطين النفس على التعايش مع الظلم والظالمين من باب أن نهاية كل صبر فرج، وأن الله حتما سيرفع الظلم كثواب لهم على صبرهم الطويل على ظلم الظالمين!
ولتبيين مدى خطورة هذا الفهم، نضرب مثالا على هذا، حال أمتنا اليوم، مقسمة وممزقة وتعيش في قرابة 56 دولة، وفي كل دولة حاكم ظالم مارق يحكم بما لم ينزل الله سبحانه، ويشرع وفق الدساتير الغربية، فنشر الفساد والربا والمحرمات، وجوع الناس وأفقرهم ومكّن دول الغرب من خيراتهم وثرواتهم بينما هم لا يستطيعون سداد احتياجاتهم الشخصية.
فهل معنى الصبر الذي طلبه الله منا، أن نتعايش مع هذه الظروف والأوضاع والمحرمات والفساد الذي شيده لنا هؤلاء الحكام المجرمون؟! هل معنى الصبر أن نسكت على هؤلاء الحكام ونتركهم يعيثون في الأرض فسادا وإفساد؟! هل معنى الصبر أن نراهم يتخلون عن المقدسات وعن أحكام الله ثم نسكت عنهم ولا نغير عليهم ونكتفي بالسكوت وندعي أن هذا هو الصبر الذي أراده الله منا وأن نهاية هذا الصبر سيكون فرجا قطعا؟!
والجواب على ذلك هو أن هذا السكوت عن المنكر ليس صبرا بل هو عون للظالم على ظلمه، وهو تعايش مع الظلم والمنكر، وهو نوع من أنواع الرضا الذي تم بالسكوت. فالسكوت علامة من علامات الرضا. فليس معنى الصبر القعود عن القيام بالواجبات والفروض إطلاقا، فلا يجوز الصبر على حرام. فالقعود عن الواجبات حرام، والسكوت عن المنكر حرام.
ولكن الصبر يكون بالقيام بالواجبات وبالابتعاد عن المحرمات والصبر على هذا كله وعلى نتائجه. فتقوم الأمة للتغيير على حكامها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم تصبر على ما تلاقيه من بطش حكامها ومواجهتهم لها. وعندها يكون قد تحقق معنى الصبر، فالصبر يكون على الطاعات وليس على المحرمات والمنكرات. ولذا كان من الضروري إزالة الأتربة عن معنى الصبر، فالصبر يكون بمداومة الالتزام بشرع الله ولا يكون بترك شرع الله أو بالسكوت عن ترك شرع الله. فالصبر يكون في طريق الحق وليس في طريق الباطل، فالسكوت عن المنكر هو طريق الباطل.
والصبر على الحق كنز لا ينضب، ففيه يكون كشف الغمة والفرج والرحمة والرزق والتمكين في الأرض وعمارتها وإرثها.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. فهل صمت موسى عليه السلام والمؤمنون معه على ظلم وبطش فرعون وادعوا الصبر بصمتهم؟ أم أنهم تصدوا لفرعون وظلمه وجبروته واعتصموا بربهم وصبروا في طريق الحق؟ وانظر ماذا كانت نتيجة صبرهم في طريق الحق وعدم صمتهم عن الباطل وخنوعهم له، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
فالصبر كنز لا ينضب. جعلني الله وإياكم من الصابرين في طريق الحق. اللهم آمين
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح