- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
التطعيم (Vaccine) بالمعنى الحديث للكلمة استُخدم على نطاق واسع في عهد الخلافة العثمانية
قبل فترة طويلة من ولادة إدوارد جينر - تصحيح السجل التاريخي!
(مترجم)
نشرت وزارة الصحة التركية "نبذة تاريخية عن التطعيم (vaccine) في تركيا" على منصة معلومات التطعيم ضد كوفيد-19، والتي تقول إن "التطعيم (في الواقع، التجدير) تم في الممارسة العملية بين سكان إسطنبول" ووصفته زوجة السفير البريطاني، قبل حوالي 80 عاماً من تطوير إدوارد جينر للتطعيم (vaccine). يواصل الموقع وصف مدى الجدية التي أخذ بها الخلفاء العثمانيون موضوع العدوى والتطعيم، ويذكر السلطان عبد الحميد والتزامه المالي الكبير للويس باستور نحو إنشاء معهد باستور وتدريب ثلاثة متخصصين من الدولة العثمانية، والتي بدأت العمل على لقاح داء الكلب بعد 3 سنوات من تطويره في معهد باستور. كما وصفت صفحة وزارة الصحة التركية التطورات المستمرة حتى تاريخها الأخير ما بعد العثمانيين. من المفترض أن وزارة الصحة نشرت هذه المعلومات على موقعها الخاص بـكوفيد-19 لتشجيع قبول التطعيم (vaccine) من الأتراك الذين ربما كانوا مترددين بعد سماع الكثير عن نظريات المؤامرة المجنونة المستوردة من صفحات وسائل التواصل الإلكتروني الغربية التي تحذر من الآثار الجانبية الخطيرة للتطعيم (vaccine). في الواقع، تمت ترجمة نظريات المؤامرة التي نشأت في الغرب وانتشرت على نطاق واسع في العديد من البلدان الإسلامية، وقد سعت بعض صفحات وسائل التواصل على فيسبوك إلى مواجهة نظريات مؤامرة التطعيم (vaccine) من خلال تذكير المسلمين بأن الخلافة العثمانية اهتمت بشؤون الناس وتولت الممارسة الطبية والبحث بجدية شديدة. بمعنى آخر، الثقة بالله لا تعني: انتظر حتى تصاب بفيروس كوفيد-19 عندما تكون هناك وسائل فعالة للوقاية من هذا الوباء.
وضع فيسبوك علامة خاطئة على عدد من منشورات الصفحة هذه حول التطعيم خلال العهد العثماني على أنها "معلومات خاطئة تم التحقّق منها بواسطة مدققي الحقائق المستقلين"، وما يسمى بمدقق الحقائق يأتي من مؤسسة الإعلام الفرنسية AFP (انظر AFP Indonesia وAFP MENA)، وهو ما يوضح: "أطلقت وكالة فرانس برس خدمتها للتحقق الرقمي في فرنسا في عام 2017 ونمت لتصبح المنظمة العالمية الرائدة في مجال التحقق من الحقائق... مع التركيز على العناصر التي يمكن أن تكون ضارة ومؤثرة وتمّ التلاعب بها".
السؤال المهم هو، من الذي يتحقق من حقيقة مدققي الحقائق المجهولين الذين يعملون بأنفسهم على "التلاعب" بطريقة "ضارة ومؤثرة" بالعقليات الإسلامية من خلال إبعاد الثقافة الإسلامية عن التقدّم العلمي، وتخصيص العلم كشيء خاص بالغرب وغريب عن دين الإسلام؟ لا يمكن المبالغة في تقدير مدى خطورة هذا الاتجاه. بينما يمكن القول إن نجاحات وإخفاقات الماضي هي مجرد تاريخ أكاديمي، فإن محاولة التلاعب بعقول المسلمين لقبول الجلوس في أحد معسكرين متعارضين: محب للإسلام أو عاشق للعلم، هو شكل من أشكال الاستعمار الثقافي الموجود اليوم، ولهذا السبب يجب على المسلمين ألاّ يقبلوا تسليم الكلمة الأخيرة في تاريخهم لمنظمة "تدقيق الحقائق" الفرنسية. فما هي حقائق هذا الأمر؟
الطبيب البريطاني إدوارد جينر يُدّعى ويُزعم على نطاق واسع، أنه مخترع التطعيم أو مقدّمه عام 1796، ولو بشكل سطحي. ولكن بالمعنى الحديث، فهو ليس مخترع التطعيم ولا مقدمه! فالتطعيم بالمعنى الحديث هو التعرض الوقائي المسبق لمسببات الأمراض، أو جزء مشتق من المرض، والتي تحفز استجابة مناعية وقائية ضد العدوى اللاحقة. تم استخدام التطعيم بهذا المعنى لحماية الناس من مرض الجدري الفيروسي الفتاك في مختلف أنحاء العالم، وأصوله الدقيقة غير واضحة، لكنه أصبح شائعاً في إنجلترا من خلال كتابات الزائرين الإنجليز إلى الأراضي العثمانية (كما تم تلخيصه في نهاية هذه المقالة) حيث تمّ استخدام هذه الممارسة بنجاح كبير. أشاد الفيلسوف الفرنسي فولتير، في كتابه "رسائل تتعلق بالأمّة الإنجليزية" 1733، بالسيدة ماري مونتاجو ووصفها بأنها "امرأة رائعة، عبقرية، وتتمتع بقوة ذهنية لا تقل عن أي من جنسها في الممالك البريطانية"، التي علمت بالتطعيم في القسطنطينية (حيث كان زوجها سفيراً لبريطانيا)، وعرّفت عن هذه العملية في إنجلترا".
إذن بأي معنى تافه يمكن وصف جينر بأنه مؤسس التطعيم؟ أراد جينر، مثل العثمانيين من قبله، حماية الناس من الجدري. يُطلق على الفيروس المسبب للمرض اسم "Variola" من الكلمة اللاتينية التي رُصدت في إشارة إلى الآفات الجلدية التي تسببت فيها، وممارسة التطعيم باستخدام كمية صغيرة من الجروح أو القشور المطحونة من شخص مصاب وخدش هذه المادة في كون الجلد المريض غير مصاب في ذلك الوقت يسمى "Variolation" نسبةً إلى اسم المرض. تسببت هذه الممارسة في ظهور أعراض خفيفة لدى معظم الأشخاص، وكانت الوفيات أقل بكثير من الأشخاص المصابين بشكل طبيعي بالجدري.
كانت مساهمة جينر تتمثل في الترويج، من خلال التجارب العامة في عام 1796، لاستخدام القروح والجرب من مرض ذي صلة يسمى جدري البقر، والذي يسببه الفيروس المسمى لقاح Variola حيث يمكن للفيروس الذي يسبب جدري البقر في الأبقار أن يصيب البشر دون التسبب في أعراض خطيرة، ولأنه مشابه جداً للفيروس المسبب للجدري فإنه قادر على حماية الناس من الإصابة اللاحقة بالجدري؛ بدون المخاطر المصاحبة لاستخدام فيروس الجدري كتطعيم (vaccine). إنّ الكلمة اللاتينية التي تعني بقرة هي "فاكا" واستخدم جينر كلمة تطعيم "Vaccination" ببساطة للتأكيد على أن تطعيمه (vaccine) جاء من الأبقار، وبالتالي كان بديلاً وأكثر أماناً لتطعيم Variola الأصلي المشتق من الجدري البشري. لذلك، يمكننا القول إن جينر روج لاستخدام سنور الأبقار بدلاً من البشر لحماية الناس من الجدري، ومن ثم تمت تسمية تطعيمه (vaccine) باللغة الإنجليزية بعد الكلمة اللاتينية للبقرة: "فاكا".
بعد ذلك، استخدم لويس باستور كلمة تطعيم "Vaccine" لوصف لقاح داء الكلب الخاص به، ولذا جاءت كلمة تطعيم "vaccine" للإشارة إلى الحماية من أي مرض باستخدام التعرض المسبق. في هذه الحالة، هذا بالضبط ما كان العثمانيون يفعلونه قبل قرن على الأقل. إذا أراد مدققو الحقائق في وكالة فرانس برس الإصرار على أن جينر هو من اخترع التطعيم، فعليهم أن يقولوا إن التطعيم انتهى في عام 1980 عندما أعلنت جمعية الصحة العالمية القضاء على مرض الجدري. من ناحية أخرى، إذا كان التطعيم بالمعنى الذي استخدمته لويس باستور هو المقصود، فإن التطعيم بالجدري، كما مارسه العثمانيون، هو تطعيم بالمعنى الحديث نفسه مثل أي تطعيم آخر. الغريب أن أقدم عينة مؤكدة من اللقاح تعود إلى عام 1902، وقد تمّ تسلسل الحمض النووي الخاص بها مؤخراً لإظهار أنه يأتي من حصان وليس بقرة: "لا يزال لغزاً يستخدمه القائمون بالتحصين المبكّر للفيروس ومصنعو اللقاح كلقاح ضد الجدري... في الواقع،CPXV هو فيروس جدري البقر "لم يتم اكتشافه جزيئياً في أي لقاح ضد الجدري" وفقاً لـBrinkmann et al (2021).
ما يهم ليس هو اسم فيروس معين أو مصدر لقاح معين، بل إن المستعمرين الغربيين حذفوا أو قللوا من العلم في التاريخ الإسلامي، من أجل عزل المسلمين عن ماضيهم ورؤية الانقسام الزائف فقط وهو أن المستقبل هو الاختيار بين الإسلام أو العلم. في الواقع، العلم ليس نتاجاً فريداً للفكر الغربي، كما أن الفكر الغربي ليس نتاجاً حتمياً للعلم.
ملخص التقارير الإنجليزية عن التطعيمات في الدولة العثمانية
في عام 1718، قامت السيدة مونتاجو، التي كان زوجها سفيراً في تركيا، بتلقيح ابنها البالغ من العمر ست سنوات في عاصمة الدولة العثمانية. حيث كتبت وأرسلت إلى صديقة لها قائلةً "... سأخبرك بشيء أنا متأكدة من أنه سيجعلك تتمنين لو كنت هنا، يُعد مرض الجدري، قاتلاً جداً، وهو منتشر بيننا، وأصبح يعتبر غير فتّاك بعد إيجاد اللقاح، وهو المصطلح الذي يطلقونه عليه. هناك مجموعة من النساء المسنات يجعلن عملهن أخذ اللقاح كل خريف... كل عام الآلاف يخضعون لهذه العملية... ولا يوجد من مات بسبب هذا اللقاح. وأريدك أن تعرفي بأنني راضية تماماً عن سلامة التجربة... وبسبب وطنيتي لبلدي سأتحمل عناء جلب هذا الاختراع المفيد لكي يتم نشره في إنجلترا؛ ولن أتوانى أو أتراجع عن الكتابة إلى بعض أطبائنا بشكل خاص حول هذا الموضوع". لم تكن السيدة مونتاجو وحدها تتمنى لجميع صديقاتها حظاً طيباً بالاستمتاع بفوائد الحياة في الدولة العثمانية، ففي عام 1714، تم تعميم رسالة كتبها إيمانويل تيمونيوس في جميع أنحاء أوروبا تفيد بأن اللّقاح ضد الجدري كان يستخدم بشكل فعال للغاية "بين الأتراك وغيرهم في القسطنطينية". بعد قراءة هذه الرسالة، رد كوتون ماذر، الذي كان وزيراً نصرانياً في أمريكا الشمالية، بأنه كان لديه عبد أفريقي جاء مما تسمى الآن ليبيا والذي "خضع لعملية جراحية أعطته شيئاً من الجدري وسيحميه منه إلى الأبد؛ مضيفاً أنه غالباً ما كان يستخدم بين قومه".
وقد تمّ استخدامه على نطاق واسع في شمال أفريقيا قبل عام 1700 وفقاً لرسالة باللغة العربية كتبها سفير طرابلس قاسم الجيدا آغا "يموت أقل من اثنين بالمئة من بين مائة شخص يتم تلقيحهم؛ في حين إنه على العكس من ذلك، من بين هؤلاء الأشخاص الذين أصيبوا بطريقة طبيعية بالجدري، يموت حوالي ثلاثين بالمئة من الأشخاص تقريباً. وهو قديم جداً في ممالك طرابلس وتونس والجزائر، حيث إنه لا أحد يتذكر متى ظهرت، وهي تمارس بشكل عام ليس فقط من سكان المدن، ولكن أيضاً من عرب البادية". هناك أيضاً سرد مطول للدكتور باتريك روفيل نُشر في عام 1768 يصف انتشار المعرفة بالتطعيم ضد الجدري بين العرب في حلب، حيث "يتذكر أولئك الذين بلغوا السبعين عاماً وما فوق أنهم سمعوا الحديث عن التطعيم كعادة شائعة لأسلافهم".
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. عبد الله روبين