- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أنت مصاب بمرض الفتور؟
التقاعس، الإحباط، اليأس، الإهمال، التراخي،...الخ كلها مرادفات لمرض واحد قد يصيب الإنسان في حقل الدعوة إلى الله، ألا وهو الفتور. هذا المرض هو من أخطر الأمراض التي تنهك جسد المؤمن وروحه.
لم يكن من السهل على الغرب هدم الإسلام في نفوس المسلمين ولا حتى هدم مشاعرهم الجياشة للدين العظيم، فهم يحاولون ولا يزالون يحاولون إنزال المسلمين عن المكانة التي يجب أن يكونوا عليها، ولكي ينجح ويبقى مستمراً في سيطرته رسم طريقاً معبّداً للمسلم ليسير عليه وفق ما يراه هو مناسبا، فقام برسم حياة بنظام وأفكار وتربية وإعلام وكل ما يخص المسلم.
أؤكد على كلمة المسلم لأن الهدف هو الإسلام وليس أي شيء آخر. فالغرب الكافر مستعد أن يفني عمره في دمار هذا المسلم، فعمل بجد ودون كلل ولا ملل إلى يومنا هذا، كالمريض بمرض يُشفى منه ولكن أوهمه الطبيب أن هذا مستحيل وأن مصيره الموت ويجب عليه أن يكون في المكان الصحيح الذي يلائم هذا المرض ألا وهي المصحة، فوضعوا كل جهدهم فيها وكل ما يلهي هذا المريض عن هدفه في هذه الحياة، فحياته وطريقة عيشه وطعامه وملبسه ورفاهيته وحتى عائلته تكون أفضل إذا بقي في هذه المصحة حيث يوجد فيها كل ما يلزم، ولكن بقوانين يجب عليك الالتزام بها حتى تبقى عندنا. فمن الطبيعي أن يخضع لكل الأوامر والتعليمات لأن صحته ستتدهور.
نعم وهذا هو حالنا؛ فقد وضعوا لنا قوانين ونظاماً وفرضوا علينا بالحديد والنار طريقة عيش لا تناسبنا كمسلمين؛ دخلوا بيوتنا وهدموا أسرتنا وعرفنا. دمروا أنسجة عقول أطفالنا فلا عدنا نستطيع أن نسيطر عليهم ولا أن نفهمهم أن هذه المصحة عبارة عن مصحة وليست مكاناً للرفاهية.
هل نجحوا؟ نعم. للأسف نجحوا بتفوق. فعندما طبقت الرأسمالية نظامها على الأمة الإسلامية ومزقتها كان موقف هذه الأمة العظيمة التصدي لها وعدم التفاعل معها، لكن السمة البارزة في هذه الأيام والتي جعلتني أكتب مقالتي هذه هي أنني أشم رائحة فتور وكسل في طريق التصدي لهذه الأفكار الخبيثة التي تأكل جسدنا ونحن نوهم أنفسنا أننا بخير.
لا نحن لسنا بخير، ولا أسرنا ولا أهلونا. فوالله لقد تعبنا من هذه الحياة، ومن أنظمتهم ومن القوانين الوضعية التي يحكموننا بها. ولا أدري كيف للمسلم الذي ميزه الله بهذا العقل أن يغفل عن كل ما نراه ونعيشه أمامنا؟ كيف اقتنعت بهذه المعيشة الذليلة؟! كيف رضيت وقبلت مع أنك متعب لم تعد تستطيع أن تسيطر على زمام الأمور في حياتك حتى في أمورك الشخصية؟! كيف تنام هانئ البال مع أنك مديون وفقير ومشرد ومهاجر ولاجئ؟!
كيف قبلت بأن تعيش ضمن هذه القوانين التي لا تناسب مصالحك، فعندما تقرر أن تخطو أي خطوة لأمورك الشخصية تبقى من دائرة لدائرة بذلّ وتذللٍّ، وهذا يريد ختما وذاك يريد مالاً، وفلان يريد رشوة وآخر يريد وقتا. وهلم جرا، فتنتهي ورقتك المطلوبة بعد شهر أو لا تنتهي!
فلا عادت تقوى تلزمنا، ولا قرآنا يحكمنا، ولا عملا يرفع بنا، ولا معيشة تسعدنا!
فإذا وقفت بصفتي حامل دعوة أمام هذه المشاهد أتساءل: كيف للفتور أن يتسلل إلى أنفسنا وكل شيء أمامنا يذكرنا بضنك الحياة؟! كيف لليأس أن يحيطنا ونرى أولادنا أمامنا مدمرين؟! كيف للتراخي أن يلعب بنا وبأسرنا وبيوتنا أوهن من بيت العنكبوت؟! كيف لنا كل هذا الرضا والله يقول لنا: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ أَي خالف أمري وما أنزَلته على رسولي، أَي ضنك في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره فهو في قلق وحيرة وشك من ضنك المعيشة؟! كيف لك أن تتغافله وتتناساه وأنت تقرأ هذا القرآن العظيم؟! وكيف لك أن تغمرك مشاعر الضعف وأنت قد أخذت مع الله عهدا أن لا تتوانى عن دعوتك مهما قست الدنيا عليك؟!
دعنا أخي حامل الدعوة من التبريرات التي لا تغني ولا تسمن من جوع! دعنا من الظروف التي لن تنتهي! بل بالعكس نحن هنا من أجل هذه الظروف التي فرضها الغرب علينا. سواء أكانت ضيقاً في المعيشة، أم حروباً، أم عدم استقرار. فهذا رزق من الله أن هدى فكرك إلى ما يحبه ويرضاه ليعلو صوتك أمام هؤلاء الطغاة الذين يضيقون على هذه الأمة، لا أن نقبل ونتعايش مع قوانينهم ونبرر تقاعسنا! فأنت ارتضيت لنفسك أن تكون قدوة يحتذى بها بالعمل لله.
نعم يمكن للإنسان أن يبعد قليلا وتجره مشاكل الحياة وأن يلتهي بهذه الدنيا الفانية لكن ساعة بساعة كما قال رسولنا الكريم عندما أتاه حنظلة الأسيدي كما ورد في الحديث الشريف: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا تَقُولُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيراً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَمَا ذَاكَ؟!» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ؛ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ فنَسِينَا كَثِيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ؛ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (رواه مسلم).
عد أدراجك أيها المسلم واستقم وكن صادقا في عملك ودعوتك لتحسن معيشتك ومعيشة غيرك. فتراخيك في حمل الدعوة قد يؤدي إلى أن يفوتك الركب وتشعر بالوهن أكثر فأكثر، فيحملك ذلك على ترك حمل الدعوة وهذا والله لطامة كبرى، أن تعلم الحق ولا تعمل به!
جدد النية وقل ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾، فأنت بحاجة كبيرة لانشراح الصدر، فهذه شيم الدعاة الصالحين لأنك وأنت على الطريق قد تصاب بحالات حزن شديد خصوصاً عندما ترى أقرب الناس إليك في ضلال وهم لا يستجيبون لنصحك وتوجيهك فتصيبك حسرة شديدة بسبب الخوف عليهم. فلا تتأثر بهم وكن أنت المؤثر فيهم، كن أنت مصدر الطاقة لهم.
فلا تخذل الله عندما وثق بك في أن استخدمك لهذه الدعوة ووضعك في هذه المكانة العظيمة في العمل! إذ الله تعالى يقول في كتابه العظيم: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾، فهذا الحزن الشديد قد يسبب لك حالة إحباط تؤدي إلى عدم رغبتك في عمل أي شيء ما يفوّت مصالح عظيمة، قد يترتب عليها فيما بعد هداية من تحبهم.
انهض وتابع نصرة الله وتأييد دعوته وأنت تضع نصب عينيك حديث رسولنا الكريم ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (رواه مسلم).
فكم أخ أمامك يريد يدك؟ وكم أخ لك يريد صوتك؟ وكم أخ لك يريد نصحك؟ فأنت مأمور أن تنصر أخاك، وأنت أحق الناس بالنصرة والتأييد.
ويأسك هذا إن كان من الناس أو من النصر فهو واحد لا فرق بينهما، لأن فقدان الثقة بالأمة وبقدرتها على التغيير هو ذاته فقدان الأمل بتحقيق النصر على الأعداء، وهذا لا يكون إلا إذا أضعنا طريقنا والهدف الذي نرنو إليه.
ولا أقول إنه لا أمل في هذا الجيل وأن الناس في هذا الوقت لا أمل فيهم ولا خير فيهم، فقد نهانا رسولنا الكريم عن هذا عندما قال ﷺ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ»، ولكن أقول علينا أيها العاملون أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نجعل الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا لنتابع عملنا الذي هو من أعظم وأرقى الأعمال التي فرضها الله علينا، فهل يتساوى هذا العمل بأي عمل دنيوي يشغلك عنه؟! هل هناك أرقى من إعلاء كلمة الله والدعوة لاقتلاع الطغاة، والسير في طريق عزة الأمة والهدى بنهج رسولنا الكريم وأنت على ثقة تامة بأن الله عز وجل يترصد هؤلاء الحكام الطغاة وأنه منجز وعده وربما تكون أنت مصعب بن عمير ويجري الفتح على يديك؟
فحذار من الوقوع في مستنقع الفتور واليأس الذي يسهل الطريق لأعدائنا ويمهد لهم الطريق للسير قدما لإنهاء الإسلام وتثبيت أنظمة الكفر.
إن الشفاء من هذا المرض هو بالتقرب إلى الله بالنوافل فإن صحابة رسول الله كان زادهم صلاة الفجر وقيام الليل.
أوصي نفسي وإياكم أن نحاول الالتزام بأخذ العلاج والتحلي بالهمة والنشاط ليلا ونهارا حتى نبقى شوكة في حلق أعدائنا وحتى نخلص الأمة من ضنك الحياة وحتى نصل إلى ما كنا قد هدفنا إليه، استمر ولا تقف فالحمد لله أصبح الآن للإسلام رأي عام، فنسأل الله أن يشد أزرنا ويسدد خطانا ويثبتنا لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وأن يمكننا بخليفة نبايعه على السمع والطاعة على أن يحكمنا بما أنزل الله ويقلب الطاولة على أنظمة الكفر ويوحد كلمة المسلمين.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دارين الشنطي