- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى المسلمات في الكويت قبل تطوعهنّ بالجيش
قرر نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في الكويت، حمد جابر العلي، تأجيل إقامة أولى دورات المتطوعات بالجيش، انتظاراً لفتوى رسمية، وذلك بعد جدل في البلاد، شهد رفضاً لقرار إلحاق المرأة بالسلك العسكري، واستجواباً للوزير في هذا الصدد. وقد التقى العلي مجموعة من علماء ومشايخ الدين في البلاد، أكدوا "ضرورة مراعاة الضوابط في عمل المرأة ببعض الوظائف الخاصة بالسلك العسكري"، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية. وأفاد وزير الدفاع خلال اللقاء أن "التمسك بالأحكام والضوابط الشرعية لديننا الإسلامي الحنيف لا مجال فيها للأهواء والآراء والرغبات الشخصية". ووجّه "بتأجيل الدورة للمتطوعات للجيش لحين مخاطبة هيئة الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في هذا الشأن"، حسب المصدر ذاته.
بالرغم من أن دولاً خليجية قد أتاحت التحاق النساء بجيوشها، مثل السعودية عام 2021، وقطر 2018، وهي موجودة في سلك الشرطة في معظم البلاد الإسلامية، إلا أن هذا الأمر لا يزال يعتبر مستهجناً من عموم المسلمين، كون المرأة لم تخلق للحروب والأعمال الخشنة المشابهة، بل إنها في نظر الشريعة الإسلامية أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان. ويرى البعض أن إدخالها في السلك العسكري سيخرجها عن الفطرة التي فطرها الله عليها. وعلق البعض الآخر بأنه لا يظن أن الكويت بحاجة للنساء في الجيش، فلديها من الشباب والرجال من يقومون بالواجب وزيادة. وقال آخر: أعتقد أنه لا مانع من الدخول في الأمور الإدارية العسكرية، والمجال الطبي (طب، تمريض) والمهام اللوجيستية، أما المهام العسكرية المباشرة فأعتقد أن المرأة الكويتية بعاداتها وتقاليدها وطبيعة فطرتها، لن تقبل وبشكل عام الانخراط في هذا المجال. وعلق آخر: أول ما كان يفترض النظر فيه هو واقع ووضع المجندات في الدول الأخرى وعلى رأسها أمريكا. هناك تقارير قضائية وإعلامية تتحدث عن تحرش واغتصاب واسع النطاق في أوساط الجيش الأمريكي، ويذكر تحقيق حقوقي حكومي أن نسبة من يرفعن دعاوى من المجندات لا تكاد تذكر، والسبب تواطؤ واستهتار القيادات بدعاوى كهذه، ومؤخراً فقط أتيح للمجندات أن يتقدمن بالشكوى إلى القضاء المدني مباشرة. واقترح بأن تقام معسكرات خاصة بالنساء، إذا كان الغرض تأهيلهن للقتال.
تقول الرائد خلود الشحي: عندما أشرقت شمس الإسلام في الجزيرة العربية، ومنذ بواكير حروب الدولة الإسلامية لم تتأخر المرأة عن الجهاد ومزاحمة الرجال طمعاً بإحدى الحسنيين فكان لها دورٌ لا يغفل، فقد كانت تحمل السلاح وتقاتل كما يفعل الرجال، وكانت تقوم بالأعمال المساندة؛ كالتمريض، وعلاج الجرحى، ونقل الماء والسلاح، وإعداد الطعام للجيش، وحراسة الأسرى، وغير ذلك من الأعمال التي تستلزمها الحرب.
ففي غزوة الخندق سنة خمس للهجرة اشتغل رسول الله ﷺ وكل القادرين من الرجال في حفر الخندق، ومن ثم حصار بني قريظة، ثم حصار الأحزاب للمدينة وكل ذلك استمر حوالي شهرين تقريباً. وفي هذه الحالة والمشركون يحاصرون المدينة كان لا بد للمرأة أن تكون مشاركة في هذا الجهاد بشكل فاعل، ومما قامت به النساء في هذه الغزوة القيام بالأعمال التي كان يقوم بها الرجال المنشغلون مع الرسول بحفر الخندق ومجابهة الأعداء وكذلك تزويد الجيش بالمؤن والدفاع عن المسلمين من الجهة الخلفية ومراقبة الأوضاع الداخلية وتفقد أحوال المجاهدين.
ومن الأسماء التي برزت في هذه الغزوة ابنة بشر بن سعد، وزوجة جابر بن عبد الله، التي كان لكل واحدة منهما كرامة خاصة في إعداد طعام الجند في ذلك الوقت، ومنهم صفية بنت عبد المطلب التي قتلت يهودياً كان يطوف بأحد الحصون التي لجأ إليها بعض النساء والصبيان، وألقت برأسه إلى من كانوا معه أسفل الحصن، ففروا جميعاً ظناً منهم أن الحصن يحرسه الرجال، قتلته خشية أن يدل بني قومه على نساء المسلمين وصبيانهم فيغيروا عليهم، ورجال المسلمين مشغولون بالقتال. وكذلك كان الحال في غزوة بني قريظة، وغزوة الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين، كان للمسلمات حضور يشهد على اجتهادهن في القيام بما يمكن أن يقمن به من أعمال الجهاد مع الجيش المسلم، سواء بالقتال مباشرة، أو بالمساندة، أم بالمشورة وغير ذلك.
ويذكر الطبري أن عدد النساء اللواتي شاركن في فتح العراق، حوالي سبعمائة امرأة من النَخَع وألف امرأة من بُجيلة، وهذا إن دل فإنه يدل على حجم مشاركة النساء في هذه الحروب التي امتدت سنين طويلة، ووصلت إلى ما وصلت إليه من أرجاء المعمورة.
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ ولم يحرمهم من فضل الجهاد، وخصهم بأجر الحمل والرضاعة وتربية الأبناء، بل رتب الإسلام لها الأولويات، فجعل حسن تبعلها لزوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك استقامة لعمل المجتمع المسلم المتكامل، وفعالية الرجال والنساء فيه. جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن نائبة عن النساء إلى رسول الله تكلمه في أمر الجهاد قائلة: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، لقد بعثك الله إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومَقْضَى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضلتم علينا بالجُمع والجَماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفلا نشارككم في هذا الأجر والخير؟" فالتفت النبي ﷺ إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مُساءَلَتِها فِي أَمْرِ دِينِها مِنْ هَذِهِ؟» فقالوا يا رسول الله: ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا!! فالتفت النبي ﷺ إليها فقال: «انْصَرِفِي أَيَّتُها الْمَرْأَةُ وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّساءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِها (يعني حسن عشرتها له)، وَطَلَبَها مَرْضَاتِهِ، وَاتِّباعَهَا مُوافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ»، فانصرفت المرأة وهي تهلل.
وفي فتوى بهذا الخصوص صادرة عن الأزهر جاء فيها: إن عمل المرأة في الجيش أو الشرطة يجوز إذا كانت هناك حاجة ماسة إليها، فقد يُحتاج إلى المرأة الشرطية في الجوازات، أو في الجمارك لتفتيش النساء، ونحو ذلك، بحيث تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، بدلاً من أن تتعامل مع رجل. وأما عن الجيش، فالأصل أن الله سبحانه وتعالى خص المرأة بالرقة والضعف، لذلك يكون دورها مناسباً لهذه الخصائص، فيمكن أن تشترك وتؤدي بعض الأعمال فى الخطوط الخلفية مثل: "الإدارة والسكرتارية والطباعة على الآلة الكاتبة، والأعمال في المخازن والمستودعات"، وبذلك توفر أعداداً من الرجال للقتال في الخطوط الأمامية، كذلك يمكن أن تقوم المرأة بأعمال التمريض، ورعاية المرضى والمصابين، وهذا ما كانت تفعله المرأة قديماً أيام الرسول ﷺ تذهب إلى الجيش؛ لخدمة الجرحى وسقاية الجيش.
وبعد هذا البيان الشرعي لموقع المرأة في الجهاد وما يصاحبه من أعمال عسكرية نخلص إلى أنه يجب أن ينظر إلى الأمر من زاوية كون المرأة مسلمة وليس كونها كويتية أو باكستانية أو غير ذلك، فالأحكام الشرعية قد جاءت لها باعتبارها مسلمة وليس باعتبارها مواطنة في دويلات الضرار القائمة في البلاد الإسلامية.
وأنه يجوز أن تكون المرأة جندياً في الجيش الإسلامي النظامي أو الاحتياطي، وكذلك أجهزة الشرطة، وينبغي مراعاة الأحكام الشرعية ذات الصلة بحياة المرأة أثناء انخراطها في السلك العسكري تماماً كحياتها في السلك المدني، من حيث الاختلاط والخلوة والسفر وغير ذلك، مع مراعاة ملاءمة العمل لطبيعتها الأنثوية، ويجب أن لا يتعارض عملها في السلكين العسكري والمدني مع وظيفتها الأساسية كأم وربة بيت.
وكذلك يجب التأكد من أن المرأة في عملها اليوم تحت مظلات الدول الوطنية في السلكين العسكري والمدني على حد سواء، لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ذات الصلة، وإلا فإنه يحرم عليها ذلك.
وإننا ونحن على أبواب إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد للجيوش الإسلامية هيبتها والتزامها بأحكام دينها، تحت راية رسول الله ﷺ السوداء ولوائه الأبيض، رجالا ونساءً، وأن يعيد لنا أمجاد الفاتحين الأولين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة رولا إبراهيم