- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
كي لا تتكرر مأساة الطفل ريان!
دقائق بعد الإعلان عن انتشال الطفل ريان من البئر التي سقط فيها قبل 5 أيام، أعلن عن وفاته.
لقد جنّدت الدولة إمكانيات مهمة في محاولة لإنقاذه، وحبس المسلمون أنفاسهم ترقُّباً للخبر السعيد، ولكن ما إن تنفّس الكل الصعداء بعد الإعلان عن انتشاله، حتى سقط عليهم خبر الإعلان عن وفاته كالصاعقة.
نسأل الله أن يرحم الطفل ريان، وأن يُلهم والديه وأهله الصبر والسلوان، ولعل عزاءهم ما أخبر عنه نبينا ﷺ في حق موتى أطفال المسلمين، حيث قال: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ! فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» رواه الترمذي. وعن رسول الله ﷺ أيضا: «أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أحمد والحاكم والبيهقي.
لقد حظيت هذه الواقعة بتغطية إعلامية كثيفة، وقيل عنها الكثير، وما يهمنا هنا هو استخلاص العبر.
1- هل قامت الدولة بكل ما يجب وعلى الوجه الأكمل؟ لا شك أنها قامت بجهد كبير تقني ولوجيستي، إلا أن العبرة ليست بكمِّ العمل ولكن بملاءمته لطبيعة الغاية التي يُراد تحقيقها والعقبات المصاحبة لهذا العمل. فهل كان يمكن القيام بالعمل على وجه أفضل؟ هل يوجد من الإمكانيات التقنية ما كان يمكن أن يساعد على الوصول إلى الطفل في أجل أقرب وإنقاذ حياته؟ الأرجح نعم، فقد انتشرت مقاطع فيديو لحوادث مشابهة في أماكن أخرى في العالم، وتم انتشال الضحايا في وقت أقصر وبجهد أقل، لماذا نهجت الدولة طريقا واحدا؟ لماذا لم تسر على أكثر من طريق بالتوازي؟ لماذا لم يتم استقدام كفاءات أو أجهزة متخصصة من الخارج؟ لماذا لم يتم استعمال الحفارات اللولبية العمودية أو حفارات الأنفاق الأفقية أو... وهي آليات متوفرة محلياً ويمكن أن تحقق تقدما أسرع بكثير! من الواضح أن الدولة تفتقر إلى الخبرة في التعامل مع مثل هذه الحوادث وأن شيئا من الارتجال شاب العملية.
2- ما الذي جعل الدولة تُسخِّر كل هذه الإمكانيات في هذه الحادثة بالذات، علماً أن حوادث كثيرة أكثر فداحة لم تنل معشار هذا الاهتمام؟ لعل آخرها غرق 28 عاملاً في أحد مصانع طنجة في شباط/فبراير 2021، ما الذي جعل الدولة تولي هذه الحادثة كل هذا الاهتمام علماً أن الناس لا تزال إلى يومنا هذا تعاني من البرد القارس والعزلة في جبال الأطلس، ومن الوضع المزري في عشرات الأحياء الصفيحية في طول البلاد وعرضها ومن ومن...؟ والجواب أن الدولة اضطرت للاهتمام بالموضوع ليس حرصاً على حياة الطفل، وإنما مسايرة لما أثاره الموضوع من اهتمام على وسائل التواصل، وخصوصاً بعد أن تلقفته وسائل الإعلام الدولية، وصار شغلها الشاغل. إذ لا يمكن لأحدٍ أن يُصدّق أن هذه الدولة فجأة أصبح لديها فائض من الإنسانية جعلها تُجنِّد كل هذه الإمكانيات لإنقاذ طفل، وهي نفسها التي تتسبب عمداً ونتيجة الإهمال بمآسٍ أكبر وأفدح!
3- ما الذي جعل وسائل الإعلام العالمية تولي هذه القضية كل هذا الاهتمام؟ لقد كان مثيراً فعلاً كمية الاهتمام التي أولته القنوات الإخبارية العالمية لهذا الموضوع وعلى رأسها قنوات الجزيرة والعربية والبي بي سي، وفرنسا 24 و... ليس الأمر انتقاصاً من قيمة الطفل ريان، ولكن هذه القنوات عوّدتنا على أن تسليط الأضواء على قضية دون أخرى ليس أمراً اعتباطياً، وأن الخلفية الإنسانية ليست هي التي تتحكم فيه وإن حاولوا إيهام الناس بخلاف ذلك، والأمثلة على ذلك كثيرة أهمها التغطية الضعيفة أو المنعدمة أو المتقطعة لمعاناة المسلمين في الشام في مخيمات اللجوء، ولمعاناة المسلمين في العراق وفي ميانمار وفي تركستان الشرقية، ولمعاناة المسلمين من اختطاف أبنائهم في السويد على أيدي الأجهزة الاجتماعية، وهي مآسٍ دون أدنى شك أكبر وأقسى وأفدح مما جرى للطفل ريان. لقد حزَّ في أنفسنا دون شك مصير ريان رحمه الله، ولكن هذا لا يجوز أن ينسينا معاناة المئات بل والآلاف بل وعشرات الآلاف من أبناء المسلمين، ممن يستحقون أن يُلتفت إليهم، ولو أنهم نالوا جزءا من هذا الاهتمام المكثف لربما أُحرج المعتدون عليهم، وكفّوا الأذى عنهم. إن هذه القنوات تحاول أن تصرف الأنظار بعيداً عن الأمور التي تزعج القائمين عليها، وتستغلُّ هذا الحادث لتلميع صورتها والظهور بمظهر الإنساني المهتم بمعاناة الناس، ولكنهم ليسوا أكثر من منافقين ميكيافيليين حتى النخاع، كلُّ الوسائل لديهم مشروعةٌ إن كانت تؤدي إلى تحقيق غاياتهم.
4- لقد أثبت التعاطف والمتابعة الواسعة للمسلمين من شتى بقاع الأرض للحادث، أن المسلمين جسدٌ واحدٌ فعلاً، وأن هذه الحدود الاستعمارية اللعينة التي فُرضت عليهم، لا اعتبار لها في عقولهم ومشاعرهم، وأن المسلمين لا يزالون ينظرون إلى بعضهم بعضاً كإخوة، وأن عقوداً من المكر الاستعماري لتمزيق المسلمين على أسس عرقية ووطنية ومذهبية، وأن كل ما بُذل من جهود جبارة لتثبيت الحدود الاستعمارية في نفوسهم، كل ذلك سرعان ما يختفي أثره وقت اللزوم. وهذا يشجع العاملين ويبثُّ الأمل في نفوس المخلصين أن الفرج قريبٌ، وأن جهود توحيد المسلمين ستؤتي ثمارها بأسرع مما يتصور الكثير منا.
5- والسؤال الأهم: ما العمل كي لا تتكرر مأساة ريان؟ ما العمل لوقف هذا النزيف من الضحايا وهذا السيل العرم من المآسي التي تثقل كواهل المسلمين؟ إن مما يدركه أبسط مراقب أن دولنا لم تنشأ على أساس رعاية الناس وإغاثة الملهوف وتحقيق مصالحهم، وإنما نشأت لخدمة المستعمر وضمان استمرار أمرين: تدفق خيرات المسلمين نحو الغرب، وبقاء المسلمين في حالة ضعف وفرقة بعيداً عن أحكام دينهم. إذن فمجرد بقاء هذه الدول هو نذير شؤم على الأمة، وعلامة على أن المآسي مستمرة، لا تنجلي واحدة حتى تجثم أخواتها. فمن كان حريصاً فعلاً على عدم تكرار هذه المأساة فالطريق واحد، لا ثاني له، وهو الذي لم ولن نملَّ من التذكير به والدعوة إليه: الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
نسأل الله أن يرحم ابننا ريان ويشملنا جميعاً بعفوه، وأن يجعل هذه الحادثة حافزاً للمترددين من المخلصين ليغذُّوا الخطا مع العاملين لإقامة كيان يجعل من رعاية أبنائه عمله الأساسي، عملاً يُتقرب به إلى الله، وليس عملاً ميكيافيلياً لتحقيق أغراض دنيوية، أو لصرف الأنظار عن مخازٍ أكبر.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مناجي محمد
وسائط
1 تعليق
-
رحم الله ريان واسكنه فسيح جناته واجار اهله في مصابهم واخلفهم خيرا منها وحسبنا الله في كل الطغاة