الأحد، 27 صَفر 1446هـ| 2024/09/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

يا علماء المسلمين: إياكم والإسلام القُطري الوطني!

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

 

"يحذر تعالى عباده من نقض العهود والأيمان لأجل متاع الدنيا وحطامها فقال: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ تنالونه بالنقض وعدم الوفاء ﴿إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ من الثواب العاجل والآجل لمن آثر رضاه، وأوفى بما عاهد عليه الله ﴿هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من حطام الدنيا الزائلة ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾". (تفسير السعدي)

 

لا شك أن المسلمين بعد هدم دولتهم عام 1924م قد أصبحوا بلا راع ولا حام ولا مرجعية فكرية ولا سياسية، وصاروا مفرقين مشرذمين مشتتين في أقطار على شكل دويلات هزيلة وطنية تسمى ظلما وبهتانا بدول. وأصبحت بين هذه الدول حدود، وصار كل قطر يحكم جزءا من أمة محمد ﷺ، وجُعل لكل شعب علم ووطن وحاكم، وصار كل قطر يغني على ليلاه، وصار اهتمام المسلمين في هذه الدول بأنفسهم أولا ثم بعض التعاطف مع شعوب الدول الأخرى!

 

والعجيب في الأمر أن العلماء في هذه الدول تبعوا العوام، فصار علماء الأردن همهم الأردن، وعلماء الشام همهم الشام، وعلماء المغرب همهم المغرب، وعلماء تونس همهم تونس، وعلماء مصر همهم مصر، وصار علماؤنا لا يتدخلون في شؤون المسلمين في الأقطار الأخرى لأن هذا صار سنة ونهجاً يسير عليه علماؤنا في القطر الواحد!

 

وتحجج العلماء بأن أهل مكة أدرى بشعابها، وبأنهم لا يريدون أن يفتعلوا الفتن بتدخلهم فيما لا يعنيهم أو فيما لا يخصهم أو فيما قد يسبب امتعاضا لدى حكومات أو حكام الدول الأخرى فانصرف العلماء ليسلطوا جل تفكيرهم على القطر الذي يعيشون فيه هم، وصارت الفتاوى والأحكام تخرج وتصدر متعلقة بشعب ذلك القطر والبلد ولا تتعداه إلى غيره من الشعوب المسلمة التي تعيش خارج الحدود. وقد أصبح هذا الأمر مسلّمةً وقاعدة ونهجاً يسير عليها علماء المسلمين في البلاد الإسلامية!

 

بمعنى آخر فإن علماء المسلمين في كل قطر قد تكيفوا وكيّفوا الدين والفتاوى لتتناسب مع المعطيات الجديدة التي نشأت عليها الدول القطرية وأنظمتها السياسية بعد هدم الخلافة العثمانية عام 1924م. ومن أكثر الأمثلة وضوحا في هذا المقام: تحديد يوم الصيام في شهر رمضان أو تحديد يوم العيد في شوال. فيفتي المفتي دون حرج مثلا أن يتم أهل درعا في الشام شعبان ثلاثين يوما بينما أهل الرمثا في الأردن قد أعلنوا رؤية الهلال في الأردن. وهذه الحالة تحدث بين كثير من الأقطار المتجاورة التي لا يفصل بينها إلا خط سايكس وبيكو ويكاد يحدث ذلك كل عام! لماذا؟ ليس كما يدعي البعض لاختلاف المطالع، وإنما لأن الفتوى والدين الإسلامي في كل قطر قد كيف وغلف في غلاف ليتناسب مع القطر والوطن والنظام السياسي هناك!

 

وهذا المثال المذكور أعلاه هو غيض من فيض وقطرة من بحر للتدليل على الدين الوطني القطري الذي ارتضاه حكام المسلمين لشعوبهم، وهو نفسه الذي صادق عليه معظم علماء القطر، وصاروا يقضون به ويفتون به ولا يتورعون عن إيجاد الإدلة على صحة هذا الدين الوطني وأنه مأخوذ من الإسلام الحنيف الذي نزل على محمد ﷺ!

 

ومن المضحك والجالب للسخرية، أنه إذا أراد حاكم القطر للعلماء أن يتدخلوا في شأن دولة لسبب سياسي ما تجدهم عندها يدوسون كل ما قالوه من قبل، ويبدؤون بإظهار الأدلة الأصلية التي تدعو لنصرة الشعب المراد نصره ضد حاكمه، ثم إذا تعدل الوضع السياسي وتصالح الحاكمان أو النظامان فيما بينهم رجع حكام القطر إلى حالة الأصل من عدم التدخل في شؤون القطر الآخر، وخير مثال على ذلك الثورة السورية، التي فضحت هؤلاء العلماء وعرتهم وبينت بكل وضوح ذلك الدين الوطني القطري الذي يتبدل ويتغير مع تغير الرياح السياسية ورغبات النظام ومن خلف هذا النظام من الدول الاستعمارية التي تسيره وتتحكم بحباله من واشنطن أو لندن أو باريس...

 

وهذا الدين القطري الوطني، وهذا النهج المقيت الذي يسير عليه علماء المسلمين في أقطارهم هو الذي جعل عصبة منهم تحلل السلام مع كيان يهود في مصر والأردن وتركيا والبحرين والإمارات والسودان ومؤخرا من حكومة ترأسها حركة إسلامية في المغرب! والله المستعان على ما يصفون.

 

أيها العلماء الأفاضل: ليست القضية كما يظن بعضكم أنها قضية خروج بعض العلماء السيئين في كل قطر عن الصف العام للعلماء في ذلك القطر، ليست المسألة كذلك إطلاقا. فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر، إن المشكلة هي في المنهج الذي رُسم لعلماء كل قطر بعد هدم دولة الإسلام، إن المسألة والمشكلة تكمن في النهج الوطني والقطري الذي تم اختزال وحصر فهم الإسلام من خلاله، فالاستعمار قد هدم دولة الإسلام، وأسس كيانات قطرية لإمعان الفرقة بين المسلمين وللحيلولة دون عودتهم أمة واحدة، ومن أجل ذلك صاغ دور العلم الشرعي في كل بلد بشكل يتماشى مع الكيانات الجديدة المراد استمرارها. هنا تكمن المشكلة وهذا هو أس البلاء.

 

أيها العلماء الأفاضل: ليست القضية قضية إخلاص فقط، وإنما هي قضية وعي على ما يحدث، وعي على هذا المنهج القطري الوطني في تخريج العلماء والشرعيين من مؤسسات العلم. لقد حرص أعداء الأمة على تخريج أفواج العلماء وطلبة العلم ليكونوا خدماً وحماة للدول القطرية والوطنية وأنظمتها. وهذه هي المشكلة وهذا هو سبب استمرار وجود هذه الدول وتلك الكيانات اليوم. قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

 

أيها العلماء الأفاضل: لقد حاول الغرب تغيير القالب الذي يصاغ فيه الإسلام وشرع الله، فبدل أن يكون في دولة خلافة راشدة وضعوه وصبوه في قوالب وطنية وقطرية، فصار الإسلام في هذه البلدان موجودا ولكنه خال من المضمون الذي أراده الله. لأن الإسلام ببساطة لا يمكن أن ينتج ويؤتي أكله إذا كان محصورا في كيانات وصناديق وأقطار. إن هذا الدين كما تعلمون هو دين الأخوة والتعاون والوحدة والجهاد والتوسع والإغاثة والنصرة والسيادة على الأمم والشعوب، فكيف يمكن حصره وخنقه في كيانات هزيلة وقطرية ووطنية؟!

 

يا علماء الدين الأفاضل! ألا تذكرون حين بنى المنافقون مسجدا ضرارا، مع أنهم قالوا بأنهم يريدون به نصرة الإسلام والمسلمين، تذكروا رحمكم الله ماذا قال الله عز وجل لنبيه مبينا حالهم: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.

 

أوليست الدول التي أسسها الإنجليز والفرنسيون والأنظمة والدساتير التي وضعوها والحكام والمناهج والقوالب التي صاغوا فيها دين الإسلام على الشكل الوطني والقطري هي مساجد ضرار اليوم؟

 

أيها العلماء الأفاضل: إن هذا النهج الوطني والقطري في التعامل مع دين الله قد دمر الأمة الإسلامية وأدى إلى إذلالها وشرذمتها وفرقتها واحتلال بلادها وتطاول أعداء الله عليها. فهل أنتم مستمرون في هذا النهج؟ أم أنكم عائدون إلى النهج القويم السليم؟

 

أيها العلماء الأفاضل: إن هذا عهد الله وإن هذا دينه العظيم وإن هذا شرعه الحنيف، إنه دين لكل المسلمين وليس لجزء منهم، وهو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية فكيف يحصر في دول قطرية ووطنية؟!

 

أيها العلماء الأفاضل: الله الله في دينكم، الله الله في أمتكم، الله الله في عهد الله، إنما عند الله هو خير لكم، إنما عند الله هو خير لأمة محمد ﷺ، إنما عند الله هو خير للبشرية.

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الدكتور فرج ممدوح

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع