الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نحب الله ونشتاق إليه.. فكيف لنا أن نعصيه؟!

 

 

يقول الله في كتابه العزيز: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 

ونحن نقول إننا نحب الله ورسوله، وندعوه أن يرزقنا جل وعلا لذة النظر إليه، ونشتاق لهذا اليوم الذي نراه في الجنة، ولكن هل نعمل بمقتضى ما نقوله وندعو به؟

 

فالذين يحبون الله تعالى ويشتاقون له يجعلون حبه سبحانه وحب رسوله ﷺ فوق كل شيء، فوق حبهم لأنفسهم وأزواجهم وأولادهم وأموالهم وآبائهم وأمهاتهم والناس أجمعين، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه﴾. وما يتبع هذا الحب والشوق من إيمان وطاعة واعتزاز بالدين وحرص على نيل رضوانه وغير ذلك مما يقربنا إلى الله ورسوله.

فنتساءل هنا: هل نحن فعلاً كذلك؟ هل نتبع الله كما أمرنا؟ هل نتبع أوامره ونجتنب نواهيه؟

 

وإذا كنا كذلك، فكيف لنا أن نعصيه ونحن نحبه؟! فهل الإنسان يحب من يعصي، ويعصي من يحب؟! لماذا نعصيه في النهار وندعوه في الليل؟ ألا نخجل؟!

ألا نخجل من الله ونحن ندعوه ونعصيه؟ ألا تجب التوبة أولاً ثم الدعاء ثانياً؟

 

فكلما سألت ما واجبنا تجاه ما نعيشه ويعيشه المقهورون من ضنك عيش وظلم وذلّ قالوا: عليك بالدعاء.. فالكل يدعو وهناك أكثر من مليار مسلم يدعون لإخوانهم المسلمين لكن الله لم يبدل حالهم؟!

 

 فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ندعو ولا يُستجاب لنا؟! أو على الأقل لا يتحقق ما نريد على الوجه المطلوب؟! ونحن مبشرون وننتظر النصر بإذنه تعالى، ننتظر تحقيق وعده وبشرى رسوله ﷺ.

 

ندعو الله صباحَ مساء سرا وعلانية بالنصر والعزِّ والتمكين وتغيير حال المسلمين، وربما انقطع صوتُ الواحد منّا بالدعاء وخشع قلبُه وجاشت نفسه بالبكاء، ولكن نجد استمرار الحال على ما هو عليه بل ربما زاد، فما هو السبب؟!

 

السبب أننا لم نجعل مع دعائنا شيئاً من القَطِرَان، أي لم نقم بما يلزم لتغيير الحال والنصر على الأعداء. قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ». أي لا بد من الأخذ بالأسباب للنصر على الأعداء. فلا يكفي منّا الدعاء بلا عمل، فلا تجعلوا من دعائكم (اللهم أشغل الظالمين بالظالمين وأخرِج المسلمين من بين أيديهم سالمين) باعثاً على عدم القيام بإنهاء عهد هؤلاء الظالمين أينما كانوا، لا تجعلوه باعثا لعدم العمل لتغيير الواقع الذي لن ينصلح إلا بعودة تحكيم شرع الله على الأرض.

 

إذن علينا دوماً تجديد العهد مع الله جل وعلا، علينا أن نكون دائمي الصلة به سبحانه، راغبين إليه وخائفين منه وراجين ثوابه، علينا أن نطيع الله ورسوله ونطبق أحكام شريعته ونخضع لأوامره ونواهيه، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، بعقيدة لا تهزها الريح العاتية، فذاك والله سلاح المؤمن ونجاته، سلاح لا تملكه يهود ولا النصارى ولا شتى كفار الأرض. علينا أن نطبق الفكر السليم على أرض الواقع، فالثغرات في السلوك ليست بالأمر الهين، علينا معالجتها وتنقيتها من الأدران وصقلها في بوتقة الإسلام مع الحرص كل الحرص على مراقبة النفس وتربيتها وتزكيتها بعمل الخيرات والخضوع لشرع الله عز وجل. علينا الرجوع إلى أحكامه سلوكاً وليس فقط قولاً. علينا بالتوبة الصادقة، والاعتماد على الله عز وجل وحده مع الأخذ بالأسباب.

 

لقد أخذتنا الدنيا عن الآخرة، وكأننا نعمر الفانية ونهجر الباقية مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾، نعم لقد ألهى كثيراً من الناس التكاثرُ والتفاخرُ بالمال والولد عن طاعة الله وعبادته حق العبادة، وأشغلهم عن تعلم الإسلام والعمل به، والدعوة إليه ونصرته، ومنعهم حرصهم على الدنيا وشهواتها ونعيمها الزائل من الحرص على الآخرة الباقية ذات النعيم المقيم، فحبهما لا يجتمعان في قلب مسلم، قال ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى». هذا هو الميزان الصحيح للربح أو الخسارة. فإن مات العبد فلا رجعة للدنيا، ويوم العرض لا ينفعه إلا عمله فإن كان خيراً فخير وإن كان شراً فلا يلومنّ إلا نفسه، فلا ينفعه والده ولا ولده ولا ماله ولا جاهه ولا سلطانه، ولا ينفعه من اتبعهم من سادة وحكام، بل سيتبرأون جميعاً منه يوم القيامة.

 

نعم، لقد أصاب الوهَنُ القلوبَ، والوهن هو حب الدنيا وكراهية الموت، وهو مرض خطير تقاعسَ الناس بسببه عن عبادة الله حق عبادته، فترى المقصرين فيما افترضه الله؛ فهنالك من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة "دع الخلق للخالق"!! ومنهم من يتقاعس عن صلاة الجمعة والجماعة أو يمنع الزكاة أو يقطع رحمه، ومنهم من يرتكب ما حرمه الله فتجد من يتعامل بالربا والرشوة، وتجد من يغش ويحتكر ويسرق ويأكل حق أمه وأخواته في الميراث تكالباً على الدنيا الفانية، ترى من يقعد عن العمل لإقامة حكم الله في الأرض ونصرة دينه أو نصرة إخوانه خوفاً على حياته وحرصاً على دنياه، أو من يفضل أو تفضل أمور دنياها من زيارات عائلية ومناسبات وعمل وإدمان على مواقع التواصل على دورها الأصلي كربة بيت وأم عليها مسؤولية التربية الإسلامية الصحيحة، فأصبحنا نرى ما نراه من تفكك أسري وأخلاقي وتمرد وجحود وضعف في العلاقات العائلية والأسرية، وأصبحنا في ذل وهوان وصَغار لا يليق بنا كأمة محمد ﷺ.

 

ألا يكفي ما نحن فيه من ذل وهوان؟! ألم يحركّ فينا الشوق للجنة أن نبيع الدنيا ونشتري الآخرة ونجعل أرواحنا رخيصة في سبيل الله؟! ألا نستشعر معاني العزة والكرامة فنسارع إليها فنعتز بالله فيكرمنا الله بالعزة والنصر والتمكين في الأرض؟! ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾. فلنعد إلى ديننا ونجدد عهدنا مع الله ونعتصم بحبل ربنا، ولنعمل أن نكون شخصيات إسلامية فكراً وعقلاً وقلباً ونفسيةً وسلوكاً. ولنعمل بجد وإخلاص لله وحده لاستئناف الحياة الإسلامية حتى يرفع الله الذلَ والمهانة عنا، ويكرمنا بخلافة على منهاج النبوة إنه على كل شيء قدير، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾. بذلك كله نكون قد أحببنا الله ورسوله وعملنا للقائه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع