- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تصنع فكرة التشجيع للدول الكبرى مجداً للأمة الإسلامية؟!
انقسم الناس في السودان وغيرها على إثر الحرب الدائرة في أوكرانيا، فمنهم من يساند روسيا ومنهم من يشجع أمريكا!
كما الحال في واقع كرة القدم فقد انخرط الناس شبابا وشيبا في تشجيع كرة القدم، بل أصبحت دوريات الكرة على مدار السنة من دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني والإنجليزي محطات يفرغ فيها الشباب والكبار جل وقتهم بل لا يعرفون للحياة طعما إلا في انتصار الفريق الذي يشجعونه، لتتحول ليالي السمر والنقاش حول انتصار أو هزيمة (برشلونة، ريال، مدريد...إلخ) وهكذا دواليك، إلى انتصارات فارغة ودوران حول الحلبة دون أن يحدث أحدهم نفسه ليكون هو البطل.
فظلت الأمة مخدرة وجمهور من الناس تحولوا إلى (كومبارس) مشجعين وبالعقلية العجيبة ذاتها تحول جمهور الناس مشجعين للذئاب الكبار أمريكا وروسيا أثناء الحرب أو السلم. وطموح الناس أن ينتصر الذئب على الآخر ليفترسه. ليتحول الذئب المنتصر ليفترس فريسته التي ظنت نفسها بأنها فريسة وهي ليست بفريسة تؤكل.
لقد أدار الغرب لعبته القذرة وذلك بتعميم مبدئه الفاسد الذي رسم طريقة عيش للناس كافة في جميع أنحاء العالم وبناء مجده على جماجم البشر ونهب ثروات الأمم، وهندسة الدنيا وتشكيلها. فجعل الناس لا يعرفون طعما للحياة إلا بعقليته وتفكيره ومنهجه دون أن يلتفت الناس لأنفسهم ويعرفوا قدرها وخاصة المسلمين الذين يحملون مبدأ عظيما هو الإسلام. وإن جمهور الناس الذين انقسموا إلى فريقين لتشجيع أمريكا أو روسيا هم المناط بهم التغيير الجذري والخروج بالعالم من عنق الزجاجة وهم منجاة العالم من جور الأديان إلى عدل الإسلام، إنها أمة الحبيب سيدنا وقائدنا إلى الأبد محمد ﷺ.
لقد استطاع الغرب أن ينتصر مرتين؛ الأولى على المسلمين وذلك بتغييب دولتهم الخلافة وتبعا لذلك غاب منهج تفكيرهم العظيم وهو النظر إلى العالم من زاوية واحدة هي زاوية الإسلام وإخراج الناس من جور المبدأ الرأسمالي الفاسد إلى مبدأ الإسلام.
ثم انتصر الغرب مرة ثانية على المبدأ الاشتراكي الشيوعي الذي لا يعرف للحياة والكون والإنسان خالقا فانتصرت الرأسمالية بفكرة الحل الوسط التي اعترفت بوجود الخالق ضمنا فساقت العالم اليوم بمبدئها الفاسد الذي يحمل في أحشائه بذرة فنائه لولا أسلوب الترقيع الذي يطيل أمد بقائه، والتضليل وطمس الحقائق؛ السمة البارزة عند أصحاب هذا المبدأ لولا ذلك لأفل نجمه.
إن أمريكا، رأس رمح المبدأ الرأسمالي أحست بعظم الانفراد بالدنيا، وتربعها على عرش العالم، بل تذوقت الطعم العجيب، فتريد أن تحافظ على هذه المكانة العالية وهذا المجد فتريد أن تؤمنه وأن لا يزحزحها أحد ولا تطمع فيه دولة، لذلك تريد أن تحقق انتصارا كبيرا على روسيا والصين وإضعاف أوروبا.
وذلك بفكرة التحالفات الدولية وبفكرة التوازن الدولي والمؤتمرات، فإن هذا الصراع هو صراع خطير والتنافس فيه حول مركز الدولة الأولى في العالم، فأين نحن من هذا الزخم الدولي؟ أنكون أمة مصفقة ومنتظرة للفائز؟ أم نكون أمة تقلب الطاولة على الجميع لتعلن أنها أمة ذات مبدأ وليست أمة على الرصيف تُستخدم عند الحاجة لمساعدة الظالم وتقويته لتتقهقر إلى الوراء وتنزوي وتنظر دورها من جديد؟
كلا وحاشا، إنها أمة القرآن أمة الصلاة والطهر والعفاف، أمة إغاثة الملهوف، أمة الكرامة والعزة والسؤدد. لقد آن أوانها أن تعرف قدر نفسها وترجع إلى مبدئها الإسلام الذي يقودها للتفكير العميق لتدرك الأمور بوضوح تام وتخاف ألف مرة خوف احتراس وليس خوف جبن؛ بأن الذئب الذي تشجعه الآن هو ذئب وليس حملاً وديعاً، بل عرفته فترة انحطاطها الآن. وقد افترسها مرات عديدة لكن أسلوب التغييب وسياسة طمس الحقائق وسياسة التغبيش قد أعمت بعض أبناء الأمة.
روسيا لم تترك لنا جنبا ننام عليه؛ لقد قتلت وهجرت المسلمين في جزيرة القرم ومكنت بشار أسد وجاءت بكل ما تملك من أسلحة واستخدمت سياسة الأرض المحروقة في حلب وارتكبت الجرائم في حق المسلمين، كما استخدمت السياسة نفسها في غروزني في الشيشان، واحتلت أفغانستان من عام 1979 إلى 1989 وقتلت ما يقارب 4 ملايين مسلم، والآن تمارس سياسة الأرض المحروقة في أوكرانيا في مدينة ماريوبول. لقد سكتت روسيا عن جرائم حكومة بورما ضد مسلمي الروهينجا وسكتت عن جرائم الصين ضد مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية والآن شركتها الأمنية فاغنر في أفريقيا الوسطى ومالي تقتل المسلمين، لقد ساعدت عملاءها في آسيا الوسطى لقمع المسلمين الذين صدعوا بالحق في أوزبيكستان وطاجيكستان وكازاخستان، إنها روسيا اليوم؛ وريثة الاتحاد السوفيتي فلم تغير جلدها تجاه الأمة الإسلامية، فكيف تشجَّع لتمارس دورها القذر في حق الشعوب لتؤمن أمنها فتقتل البشر والحجر؟!
أما أمريكا فالحديث يطول عن حقدها على الإسلام، فهي أم الذئاب المفترسة للعالم أجمع، فلا تعرف إلا أن تكون أمريكا أولا وأخيرا ضد كل البشر، وعينها على الإسلام فهو الذي يهدد وجودها الكوني، فهي تعرف ذلك فعلام يشجع الكبار الفاسدين الظالمين؟ ما موقف رسولنا الكريم عندما كانت الفرس بجواره والروم بجواره ماذا فعل سيدنا محمد ﷺ؟ هل كان ينظر إليهما نظرة المتفرج؟ أم نظر إليهما من زاوية محددة وهي زاوية الإسلام العظيم؟
نعم كان سيدنا محمد ﷺ يريد أن تكون دولته هي الدولة الأولى في العالم، وأن تزاحم الفرس والروم، فخطا خطوات عملية عندما أعلن دولته في المدينة. وقامت السرايا بدورها في إظهار قوة المسلمين والقضاء على صناديد الكفر، وقام بأعمال سياسية توضح مدى وضوح الغاية وهي نشر الإسلام وتأمين الدولة من الأعداء المتربصين بها فعقد صلح الحديبية وتمكن من إخضاع يهود لدولته بل كان رسولنا الكريم ﷺ يرنو إلى أبعد من ذلك وهو الذي جمع بين النبوة والحكم. فأرسل الرسائل إلى الملوك وأمراء العالم خارج الجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام مستخدما الرسائل وسيلة إعلامية لإظهار الإسلام دينا ونظام حياة تجسده دولته المبدئية فانطلقت مواكب رسل رسول ﷺ تحمل بشائر وأنوار الهداية للناس، فمنهم من جهلها ومنهم من انتظرها مثل قيصر.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي - وهو غير الذي صلى عليه - وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل. فكانت الرسائل موجهة إلى النجاشي ملك الحبشة والمقوقس عظيم القبط في مصر وإلى كسرى ملك الفرس وإلى هرقل عظيم الروم وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وغيرهم من الملوك والأمراء، هذه هي أول دولة أسسها سيدنا محمد ﷺ لأمة الإسلام، فخط لنا السياسة الخارجية التي تقوم على أساس نشر الإسلام وكسر شوكة الأعداء.
إن الدول اليوم أشبه بالدول الكبرى في عهد رسول الله ﷺ فإن تصرفات هذه الدول تخضع العالم اليوم بالجبروت وتعمل على انحطاط قيم الإنسان. فالدول الكبرى أمريكا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا يتصرفون في العالم وكأن العالم حديقة خلفية لهم. يمارسون سياسة الاستعمار الممنهج لإخضاع من يتمرد عليهم فتعس العالم وشقي وباتت الشعوب حيرى من أمرها كما العالم في عهد رسول الله ﷺ الذي كان يتأذى من تصرفات الروم والفرس بحياة الناس ومصائرهم وكانت الحروب العبثية تدور من حين لآخر بغرض الوصول إلى مكانة الدولة الأولى في العالم.
فكان التفكير المستنير من الحبيب سيدنا محمد ﷺ في إدارة الشؤون وسياسته الخارجية القائمة على الجهاد ومصالح الأمة لإنقاذ العالم من براثن الفوضى وانتشال العالم من الجهل وأطماع الدول الكبرى كان قرارا حتميا وقضية مصيرية منذ أول يوم أقيمت دولة الإسلام بأن تكون الدولة الأولى في العالم ليس من باب الجبروت ونهب ثروات الأمم والشعوب بل إدارة العالم بالرحمة المهداة والنعمة المزجاة دين الإسلام العظيم مؤسس العدل في ربوع الدنيا.
واليوم بدل أن تتفرج الأمة وتنتظر من ينتصر من الذئاب لتصبح ضحية الكبار الذين لا رحمة فيهم ولا شفقة يتحكمون في مصائرنا ونحن أمة الحق فهي أحق بسيادة الدنيا لإعادة العدل والرحمة للعالمين.
ففكرة التشجيع هذه لا تشبه الأمة الإسلامية ولا تصنع لها مجدا ولا رفعة بل تتركها في ذيل الأمم مثخنة الجراح منهوبة الثروة هينة ضعيفة. والذي ينقذها هو العودة إلى جذور الإسلام العظيم الذي به يفكر المرء تفكيرا مستنيرا يعرف الحق ويتبعه ويعرف الباطل فيتجنبه بل يكون همه الأول والأخير حمل مسؤولية العالم لإعادة سلطان الأمة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحقق تطلعات البشرية إلى الرحمة والعدل ولمثل هذا فليعمل العاملون.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الشيخ محمد السماني – ولاية السودان