السبت، 21 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا بد أن تسير في الأشبار التي أضيئت لك

 

 

 

إن لكل شيء سوقاً وسوق الآخرة رمضان. وإن الزمان أشرف من أن تُضيَّع منه لحظة، ومن هُيّئ له دخول السوق ليربح ثم انصرف عنه فهو من أعظم الخاسرين.

 

من أهم القواعد في السير إلى الله تعالى: "لا بد أن تسير في الأشبار التي أضيئت لك حتى يتبين لك بقية الطريق". أجل "فلا راحة بعد اليوم يا خديجة" هي شعار معلمنا الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه لكنه قام الليل حتى تورمت قدماه. وكان يستغفر ربه ويتوب إليه في المجلس الواحد مائة مرة. فالسير والمجاهدة رغم الصعاب، والنصب بعد التعب، خير من الانتظار الذي يُميت ويقتل العزيمة وتفتر به الهمم.

 

يقول ربنا سبحانه عن نفسه: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، وإن رحمة الله بعباده عظيمة، وليس أعظم منها علينا بعد الإسلام شيء كما رمضان، شهرٌ تُغلق فيه أبواب النيران جميعها، وتُفتح فيه أبواب الجنان جميعها وينادي منادي الله في كل ليلة «يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ»، ولله في كل ليلة عتقاء من النار. شهرٌ تصفد فيه الشياطين وتتنول الرحمات وتحتفل به ملائكة السماء. هذا شهر مبارك قال عنه رسول الله ﷺ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».

 

في حاشية مسند الإمام أحمد وفي صحيح مسلم عن ابن عباس، عن رسول الله ﷺ، فيما روى عن ربه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحِيمٌ، مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشَرَةً إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَةً أَوْ يَمْحُوهَا اللهُ، وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ تَعَالَى إِلَّا هَالِكٌ».

 

لكل ما سبق وكل ما لا يسع المقام لذكره من رحمة الله للمؤمنين بهذا الشهر الفضيل وما فيه من بركات، كان من دعاء جبريل عليه السلام "خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يُغفر له". فسبحان الله إنه بحق لا يهلك على الله إلا هالك! نسأل الله السلامة.

 

ورد في تفسير الطبري عن قوله سبحانه ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ "أَيْ: بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّ مِنْ ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَإِنَّ مِنْ جَزَاء السيئةَ السَّيِّئَةَ بَعْدَهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ﴾ أَيْ: عَمّا كَانَ مِنْهُمْ مَنَ الْفِرَارِ ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ أَيْ: يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويحلُم عَنْ خَلْقِهِ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ". فالشيطان يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر، يتربص لك في الطرقات، ينصب لك الفخاخ، وكلما هممت بالتوبة جاء يذكرك بمعصيتك ليثبطك ويصرفك عن السير إلى الله، توهمك نفسك الأمارة بالسوء أنك يجب أن تكون ملائكياً حتى تكون من الصالحين، يوهمك الشيطان أن ذنبك يطردك من رحمة الله فلا أمل لك في العودة، فتيأس من نفسك وتنصرف عن الطاعة وقد وقعت في الفخ!

 

فلا تنس يا عبد الله أن الله سبحانه قد قال: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾، وقد قال في الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» إننا يا أخي نعبد رباً يفرح بعبده التائب كما يفرح الناس بعودة غائبهم، وإن التائب إلى الله بمكان لا يباريه فيه أحد. وها قد جاء شهر القُرَبِ فتفقد قلبك فإنما سبق العباد بما في قلوبهم قبل أن يسبقوا بالصلاة والصيام. فالله لا يريدك معصوماً، لقد خلقك بشراً تذنب وتتوب وتستغفر فيغفر لك على ما كان منك ولا يبالي. الله يريد أن تسير إليه ولو بأثقال طينك، وها هو ينادينا في هذا الشهر: «يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ».

 

فقم لله، اصدق يصطفي، جدد العزم وسل الله صدق الهم وعلو الهمة، فإن الليل يغشى حتى يأتي بعده ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾، وتذكر: "لا بد أن تسير في الأشبار التي أضيئت لك حتى يتبين لك بقية الطريق". وعطاء المرء على قدر يقينه، والتيسير على قدر عطاياك، فـ﴿مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ جزاؤه ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.

 

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، نستودعك قلوبنا وجوارحنا، سلّمنا لرمضان وسلمه لنا وتسلمه منا كما تحب وترضى، وأكرمنا بدولة الإسلام التي فيها حكمك إنك خير مسؤول وأكرم مجيب، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع