الإثنين، 04 شعبان 1446هـ| 2025/02/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

خطبة الجمعة

 

في الذكرى الأليمة الرابعة بعد المائة لهدم الخلافة

في 28 رجب 1342هـ - الموافق 3 آذار/مارس 1924م

 

الخطبة الأولى

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

 

أما بعد:

 

عباد الله، ففي هذه الفترة الزمنية التي نعيشها، شهدت أمتنا أحداثاً عظيمة ومؤلمة في آن واحد، تأملنا في الأحداث التي غيرت ملامح أمتنا، أحداث عظيمة تنوعت بين مواقف مُشرّفة جسدت الثبات والإيمان، وأخرى مؤلمة كشفت عن قلوبٍ قست وضمائر خُذلت. رأينا كيان يهود يعتدي على أهلنا في غزة بلا تردد، في ظل تمالؤ وتواطؤ دولي وإقليمي يكشف حقيقة النفاق في أقبح صورة، لكننا في الوقت ذاته شهدنا ثباتاً وعزيمة لا توصف من أهلنا في غزة وكل فلسطين، الذين جسدوا معنى من معاني قول رسول الله ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ». كيف لا؟ وهم أهل الأرض المباركة التي بشر بها النبي ﷺ. لكن هذا الثبات الذي شهدناه في غزة ما هو إلا جزء من صورة أوسع، صورة لأمة آن لها أن تنهض رغم التحديات. فكما شهدنا الظلم والعدوان في غزة، فإننا أيضاً شهدنا في سوريا سقوط طاغية عاث في الأرض فساداً بلغ عنان السماء، وكأن الله سبحانه وتعالى قد أسقط هذا الظلم ليُعلِن أن ساعة التغيير قد حانت. قال الله عز وجل في كتابه: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، فالتغيير قادم مهما طال الزمن، وشاهدنا صورة مشرقة لمفهوم الأمة الواحدة، فرأينا المسلمين في كل مكان يتألمون لما يجري في فلسطين، رغم الحدود الوهمية والسدود المصطنعة. رأيناهم يطالبون بفتح الحدود ويهتفون للجهاد. إنها مشاعر أمة واحدة كما وصفها النبي ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

 

هذه الوقائع التي دارت أمام أعيننا لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل هي دلائل على حقيقة واضحة، ونتائج تدعو إلى التأمل العميق أن أمة الإسلام قد تمرض ولكن لا تموت، وأن موعد عزتها ونهضتها لقريب قريب ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.

 

أيها الإخوة: إن أمتنا هي عملاق يمتلك كل مقومات القوة، لكنها تحتاج إلى قيادة واحدة توحدها وتعيدها إلى مكانتها الطبيعية. هذا ما علمنا إياه تاريخنا، وأوجبه ديننا، وهذا ما ورثناه عن أئمتنا الماجدين، تذكرنا به أيام التاريخ وأرقامه! فقبل أكثر من مئة عام في مثل هذه الأيام من شهر رجب، وتحديداً في 28 رجب 1342هـ الموافق 3 آذار/مارس 1924م، ففي هذا التاريخ فجعت الأمة الإسلامية بفاجعة لم تفجع بمثلها منذ وفاة رسول الله ﷺ، فاجعة طالت الصرح العظيم الذي أسس بنيانه وشيده رسول الله ﷺ، وقام عليه أصحابه من بعده فكانوا خير من قام به، ثم لم تزل الأمة عزيزة مرهوبة الجانب ما دامت محافظة على ذلك البنيان، إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي تسلم فيه مقاليد الأمة شرارُها، وتمكن من أمرها أعداؤها، وصار المسلمون بعده كالأيتام على مأدبة اللئام!

 

ضَـجَّـتْ علـيـكِ مآذنٌ ومـنابرٌ      وبَـكتْ عليـكِ ممالـكٌ ونـَـــواحِ

الهـندُ والهـةٌ ومصــرُ حـزينة     تـَبْـكي عليـكِ بمَدمَـعٍ سَحّــــاحِ

والشّامُ تسْألُ والعِراقُ وفَارسٌ     أَمَحَا من الأرضِ الخلافةَ ماحِ؟

 

بهذه الأبيات خرجت حروف أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي تبكي صرح الخلافة الذي انهدم. في يوم لم تشهد الأمة بعد وفاة رسولها ﷺ يوماً مثله. لقد وقعت أكبر جريمة في حق المسلمين، حيث تمكنت الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا بواسطة عميلها المجرم مصطفى كمال من إلغاء دولة الخلافة الإسلامية، ولم تخرج الجيوش البريطانية المحتلة من مضيق البوسفور وإسطنبول العاصمة إلا بعد أن اطمأنت لإسقاط دولة الخلافة، وإقامة الجُـمهورية العلمانية على أنقاضها، وإخراج الخليفة من البلاد.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبإلغائها غاض الحكم بما أنزل الله وتحكيم شريعة الله، وحكمت الأمة بأنظمة وضعية وشرائع جاهلية.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبإلغائها غابت مفاهيم الدولة المبنية علي مبدأ الإسلام، وظهرت مفاهيم الدولة المدنية العلمانية والجمهورية والفيدرالية والحدود القطرية والكيانات الوطنية، صناعة اتفاقية سايكس بيكو.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبإلغائها فقدت الأمة الإسلامية القيادة والريادة والسيادة والتأثير في الموقف الدولي وساد الرويبضات وشذاذ الآفاق فملأوا الأرض شرورا وفتناً ومصائب.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبإلغائها غابت قيم العدل والخير وملئت الأرض ظلما وجورا وفقرا وجوعا وقتلا وتشريدا.

 

-      ألغيت دولة الخلافة الحارسة للدين، والحامية للأرض والعرض، والمحافظة على بيضة المسلمين، وبإلغائها تمزقت الأمة أرضا وإنسانا إلى دويلات هزيلة وأنظمة باطلة.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبإلغائها غابت آخر دولة خلافة للمسلمين، ولم يتبق للأمة الإسلامية كيان جامع ولا رئاسة عامة ولا دولة تمثلها، ولم تعد تحيا في جماعة المسلمين المنقادة بخليفة مبايع بيعة شرعية على العمل بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

 

-      ألغيت دولة الخلافة التي تقوم سياستها الخارجية على حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد وهداية البشرية إلى دين الله الحق.

 

-      ألغيت دولة الخلافة وبغيابها استبيحت بلاد المسلمين، وغزي المسلمون في عقر دارهم، ونهبت ثرواتهم، وتحولت دار الإسلام التي كانت تظل المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها إلى دار كفر وبلاد المسلمين إلى بلاد محتلة.

 

لقد كان إلغاء الخلافة نتيجة لمؤامرات كبرى حاكتها قوى الاستعمار، بالتعاون مع خونة من العرب والترك ضعفاء النفوس ممن ينتسبون لهذه الأمة، باعوا دينهم بدنيا غيرهم. وقد بدأ الاستعمار بزرع بذور القومية والفرقة بين المسلمين، وحرص على تمزيق روابط الأخوة الإسلامية التي كانت تجمعهم تحت راية واحدة. وكانت النتيجة أن تحول المسلمون من أمة واحدة تحكمها دولة واحدة قوية مرهوبة الجانب ترفل في مقدمة الركب... إلى دويلات ضعيفة متناحرة، تخضع للهيمنة الأجنبية سياسياً واقتصادياً وفي كافة مناحي الحياة.

 

ولكن لماذا الحديث عن هذه الذكرى؟! لم تكن ذكرى إلغاء الخلافة في يوم من الأيام ذكرى دينية بالمعنى الشرعي، وإن كانت تتعلق بأعظم واجبات الدين ألا وهو وجوب إقامة الدولة الإسلامية لتطبيق الشرع، ولا هي ذكرى احتفالية يرجى من ورائها أن نتجرع كأس الألم والحسرة. لكنها ذكرى أردنا من الحديث عنها:

 

أولا: تعريف السواد الأعظم من المسلمين بعظمة دولتهم، ووجوب العمل لإقامتها، وإثم القعود عن إقامة هذا الفرض العظيم الذي وصفه أبو العباس القلقشندي بأنه: "حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه، ومرتع سائمته، والتي بها يحفظ الدين ويُحمى، وبها تُصان بيضة الإسلام، وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتمنع المحارم عن الانتهاك، وتُحفظ الفروج فَتُصان الأنساب عن الاختلاط، وتُحصن الثغور فلا تطرق، ويُذاد عن الحُرَمِ فلا تُقرع". تلك المعاني التي افتُقدت فعلاً هذه الأيام واختفت بإلغاء دولة الخلافة.

 

ثانياً: تذكيراً للمسلمين بأن المكلفين بالفروض لا يستطيعون القيام بها على وجهها إلا بوجود دولة الخلافة، وأنهم لن يعيشوا الحياة الطيبة والمعيشة الكريمة التي يرضاها ربنا إلا بإقامة دولتهم دولة الخلافة الراشدة.

 

ثالثاً: تحذيراً للمتهاونين والغافلين والمستكبرين بعظم الإثم الذي سيلحق بهم، وكبر العذاب الذي سينزل عليهم إذا لم يلحقوا بالعاملين لإقامة دولة الخلافة.

 

 رابعاً: إزالة الغبار عن تاريخ عريق نُسي أو نُسِّي أو تنوسي أو زُوّر، فلها تاريخ عريق، تليد، مجيد، تفتخر به الأجيال فتعمل للحاضر وترنو نحو المستقبل لتقتعد مركز الصدارة بين الأمم، تاريخ الأمة الإسلامية الحافل بأعلى مراتب الرفعة وأسمى معاني الحضارة، لشحذ همتهم للعمل لإقامة هذه الدولة دولة الخلافة، لأن هذا التاريخ لا يرتبط فقط بعصر الصحابة وما تبعه، بل يجب علينا في العصر الحديث أن نعيده لنقتعد مكانة دولية لنقود العالم من جديد.

 

خامساً: ودعوة لنشر مفاهيم الإسلام وإيصالها لأهم فئة في الأمة وهم الشباب في المدارس والجامعات ومراكز العلم والمساجد، لحمل رسالة الإسلام لبناء النهضة وإقامة الحضارة على أساس مبدأ الإسلام.

 

سادساً: توعية الأمة بالثقافة الإسلامية ومنها الفقه السياسي المتشبع بالنظرة الشرعية للأمور، وبيان فساد النظام الرأسمالي بأفكاره الخاطئة الفاسدة من ديمقراطية، وحرية، وبيان خطأ الروابط التي ترعاها دويلات الضرار اليوم سواء الرابطة القومية الضيقة المقيتة، والوطنية المنحطة، واستبدال الرابطة المبدئية المبنية على العقيدة الإسلامية بها.

 

أيها المسلمون: إن الحديث عن الخلافة ليس مجرد اجترار لتاريخ مضى، بل هو حديث عن نظام إسلامي أصيل يضمن تحقيق العدل ونشر الرحمة وتطبيق شرع الله في الأرض. قال رسول الله ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» (رواه البخاري).

 

إن الخلافة ليست نظاماً سياسياً فحسب، بل هي دولة قد ملئت بها جنبات الدنيا وهي تجمع بين المسلمين؛ تجمع كلمتهم وتوحد صفوفهم، وتجعلهم أمة واحدة قوية مهابة الجانب. إن إقامة الخلافة تعني إقامة العدل بين الناس، ورد الحقوق إلى أصحابها، ورفع الظلم عن المظلومين، وإغاثة الملهوفين ونشر الخير للعالم وكنس النظام الرأسمالي الذي عاث في الأرض الفساد والإفساد.

 

ولقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذه الأهمية، فسارعوا بعد وفاة النبي ﷺ قبل أن يدفنوه ﷺ، إلى اختيار خليفة، إيماناً منهم بأن الخلافة فرض وضرورة لاستمرار حياة الأمة على منهج الإسلام.

 

نعم هكذا فهم الصحابة مكانة الخلافة في الإسلام، وأدركوا ألا قوام لهذا الدين إلا بها، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة" (أخرجه الإمام الدارمي).

 

عباد الله: لقد كان المسلمون الأوائل ينظرون إلى الخلافة باعتبارها تاج الفروض، لأنها تحفظ الدين والدنيا معاً. وقد أظهرت كتب التاريخ مواقف عظيمة تؤكد هذا التعظيم.

 

اللهم اجعلنا ممن يتدبر في تاريخ أمته ليأخذ العبر والعظات. اللهم وحد صفوف المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق، وأقم لنا دولة الإسلام دولة الخلافة التي تحكم بشرعك وتوحد أمتك، وترفع رايتك، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتجاهد في سبيلك، وتحرر المسجد الأقصى من دنس الصهاينة المحتلين... آمين.. آمين.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

=====


 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ناصر عباده المستضعفين، قاصم الجبارين وقاهر المتكبرين، من وعد عباده المؤمنين بالنصر والاستخلاف والتمكين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المجاهدين، المبشر بالفتح المبين، الصادق الأمين، الذي زويت له الأرض، فرأى بشارة ملك أمته سيبلغ ما بين المشرقين والمغربين، وعلى آله وصحبه أجمعين...

 

أيها المسلمون: بعد إلغاء الخلافة دخلت الأمة الإسلامية في مرحلة من التيه والضياع والضعف والهوان... لقد عانت الأمة من الفرقة والشتات، وتسلط عليها أعداؤها، فاحتلت أراضيها، وسُلبت خيراتها، وعُطلت شريعتها. ومن أبرز المآسي التي نتجت عن إلغاء الخلافة: احتلال فلسطين، وظهور كيان يهود الغاصب، واضطهاد المسلمين في كشمير وميانمار والصين والقرم والهند وغيرها من بلاد المسلمين، وما تتعرض له الأمة اليوم في اليمن والشام والسودان وليبيا ومصر وبلاد نجد والحجاز من محن وإحن وفتن؛ دماء تراق وأعراض تنتهك ومقدسات لا تحفظ تشيب لها الولدان، أما ما يحدث في غزة وحدها فلا يستطيع الإنسان وصفه من بشاعته، وأما القصص التي حدثت في سجون طاغية الشام فتجعلنا نقف وقفة المذهول من هول ما حصل، وأما بلاد نجد والحجاز فقد أصبحت في عهد حكام آل سعود مرتعاً للراقصات والماجنات والعاهرات وشذاذ الآفاق.

 

يا عباد الله: إن ما تعانيه الأمة ليس فقط بسبب ضعف المسلمين، بل لأننا فقدنا القيادة الموحدة، وفقدنا تلك العزيمة التي كانت ترفع من عزتنا وتوحد صفوفنا. وأعداء الأمة كانوا يدركون جيداً أن قوة الأمة تكمن في الخلافة، ولذلك كانت أولى خطواتهم لتدمير الخلافة هي تفريق الأمة وإضعافها عبر تقسيمها وإفقادها قوتها وقيادتها.

 

أيها المسلمون: إن الغرب الكافر يسعى بكل ما أوتي من قوة لإبقاء الأمة الإسلامية في حالة من الضعف والانقسام. ويخشى عودة الخلافة، لأنها تعني نهاية هيمنتهم وبداية نهضة إسلامية شاملة، ولا يخفى علينا جميعاً ما صرح بعض القادة الغربيون به علانية، حين قال اللورد كرزون، وزير خارجية بريطانيا عند توقيع اتفاقية لوزان مع المجرم مصطفى كمال والتي تقضي بإلغاء نظام الخلافة في تركيا واستبدال الدولة الجمهورية القومية العلمانية به: "لقد قضينا اليوم على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم، لأننا قضينا على سر قوتها المتمثل في أمرين: الإسلام والخلافة"، رغم هذه الحروب المعلنة ضدنا، إلا أن الأمة الإسلامية ما زالت تحمل في قلبها قوة لا تُقهر، عقيدتها ثابتة، وأهدافها سامية.

 

أيها المسلمون يا عباد الله: نواجه اليوم مرحلة مفصلية في تاريخ أمتنا، رغم كل المآسي، فأمة الإسلام لديها الإمكانيات والطاقات لتغيير واقعها، ولديها من العقيدة ما يعجز أعداؤها عن مواجهته. ولكننا بحاجة إلى قيادة تقودها إلى هدف واحد، هو إقامة الخلافة. فإذا كانت الأمة قد أُصيبت بالضعف والتشرذم، فإن الجيوش التي تمثلها هي آخر أمل في التغيير. إننا نعلم أن القوة في أيدينا، والجيوش على أهبة الاستعداد، والتي يجب عليها أن تتحرِّك في الاتجاه الصحيح لنصرة دينها.

 

أيها المسلمون، يا عباد الله: إننا اليوم نطالب أهل القوة في الأمة، الضباط والجنود، أن يتذكروا واجبهم الشرعي في نصرة الدين، وأن يتحركوا مع المخلصين العاملين لإقامة الخلافة. إنهم الآن أكثر من أي وقت مضى مدعوون لتحقيق هذا الواجب، لأن الجيوش إذا تحركت في سبيل الله، ورفعوا راية الإسلام، فسيكونون بمثابة الأنصار الذين نصروا رسول الله ﷺ، وسيسجل التاريخ أسماءهم بأحرف من نور.

 

عباد الله: من بين الأحداث التي شهدناها، يتضح لنا أن أزمتنا الكبرى هي أزمة قيادة، فحكام المسلمين اليوم اتضح للقاصي والداني أنهم وكلاء للكفار في بلادنا؛ فهم من يطبقون علينا أنظمة الغرب وهم من يحمون الكيان المسخ، فهم من يجب على الأمة كنسهم وإلقاؤهم في هاوية سحيقة، وتنصيب خليفة واحد قوي تقي بدلاً عنهم.

 

عباد الله: ويجب أن نعلم أن إقامة الخلافة هي واجب شرعي أجمع الصحابة على حرمة بقائه معطلاً أكثر من ثلاثة أيام! فعند انتقال رسول الله ﷺ إلى الرفيق الأعلى أجمع الصحابة على أمر تنصيب الخليفة، وأوقفوا سير الجيش الذي بعثه رسول الله لملاقاة الروم، ولم يتم دفن النبي ﷺ إلا بعد أن تم تنصيب الخليفة بعد ثلاثة أيام بلياليها، مع قدرتهم على الإسراع في الدفن أو إنكارهم على المنشغلين بتنصيب الخليفة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وهذا إنما يدل على وجوب انعقاد البيعة من المسلمين لخليفة يحكمهم بما أنزل وأنه لا يجوز مرور ثلاثة أيام والمسلمون بدون خليفة فكيف بنا وقد وصلنا قرابة ثمانية وثلاثين ألف يوم خلال هذه السنوات بدون خليفة؟!! ولكن، هل يمكن أن تعود الخلافة؟ نعم، فإن وعد الله حق، ولكن عودة الخلافة تحتاج إلى:

 

الثقة بوعد الله، والعمل الجماعي بين المسلمين، والثبات على فكرة الإسلام وطريقته، والوعي على الإسلام وأحكامه، وقيادة الأمة لإقامة هذا الفرض على مستوى العالم، بالعمل الجاد والمنظم على مستوى الأمة لتغيير الواقع وإعادة الإسلام إلى سدة الحكم، كما يلزم الوعي السياسي بإدراك الأمة لأهمية الخلافة ودورها في حياتها وإدراكها لمؤامرات الأعداء.

 

عباد الله، إن حالة التفرق التي تعيشها الأمة اليوم ليست هي الأصل، بل هي حالة استثنائية في تاريخها لن تلبث أن تزول وتعود الأمور إلى نصابها الصحيح، فقد روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، من حديث حذيفة، قال رسول الله ﷺ: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت». وبشرى رسول الله ﷺ لا بد كائنة طال الزمان أم قصر.

 

وأختم خطبتي بآيات الله وبشارات، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وقال ﷺ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». الراوي: ثوبان مولى رسول الله ﷺ.

 

اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربنا، إلى من تكلنا؟ إلى بعيد يتجهمنا، أم إلى عدو ملكته أمرنا؟ اللهم إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لنا. نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علينا غضبك، أو ينزل بنا سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

 

اللهم عليك بحكام الضرار العملاء. اللهم إنهم قد خذلوا المسلمين وناصروا أعداءهم وأعداءك، وطبّعوا معهم، وسكتوا عن طغيانهم وظلمهم للمسلمين. اللهم مكّنا منهم وخلصنا منهم ومن شرورهم.

 

اللهم أعـزّ الإسلام والمسلمين، ودمّـر أعـداء الدين، واخذل مَن خـذل المسلمين، اللهم يا قوي يا عزيز، يا قيوم السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام والفضل والإنعام، نسألك يا الله يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أن تُفرج بإقامة الخلافة كروبنا، وأن تشرح بها صدورنا، وأن تستعمل بها أبداننا، وتقر بها عيوننا، فإنه لا يعيننا على الحق غيرك، ولا يؤتيناه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلاَّ بك! اللهم أرد لنا إرادة التمكين والاستخلاف في الأرض، وأرد لنا أيام العزة والريادة! اللهم عجل لنا بقيام دولة الخلافة واجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفّنا مسلمين، اللهم ثبّتنا بأمرك وأيّدنا بنصرك، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السّماوات، وربّ الأرض، وربّ العرش الكريم، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. والحمد لله رب العالمين.

 

عباد الله، ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صل على محمد في الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع