- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانيون الجدد
يبدو أن المشهد الحاصل في أغلب بلادنا الإسلامية اليوم يتجسد في الفرق بين الحقبة المنصرمة (النظم الاستبدادية) والحاضر، حيث يحكم اليوم من يرفعون شعارات إسلامية، لكن الفارق بين الأمس واليوم قد لا يكون سوى اللحى، بناءً على تقييمات سطحية تعتمد على وجودها من عدمه.
وبعد أن تبيّنت ملامح النظام الحاكم اليوم في سوريا، خصوصاً مع تصريح رئيسها الجديد أحمد الشرع العلني عن رغبته في بناء دولة مدنية بأيديولوجية علمانية وتطبيق دستور وضعي، يبدو أن الحاكم الجديد لسوريا قد أضاع الفرصة التي كان أبناء هذا البلد يطمحون إليها لاستعادة دولتهم وعزتهم، فسياسة خلط الأوراق التي انتهجها هذا النظام، متراكمةً على ما خلفه نظام الأسد البائد، جعلت أحمد الشرع يُصاغ بصياغة غربية تهدف إلى تعطيل مشروع الطامحين لبناء سوريا دولةً إسلامية.
لذلك، نجده في بداية لقاءاته يحاول إنكار ماضيه، محاولاً تبرير الحاضر قدر الإمكان وتسليط الضوء على تحوّلاته، فهو يعيش حالة من التناقض بين ماضيه وطموحاته السابقة وبين الواقع الذي يحياه اليوم، هذا التناقض نادر الحدوث عند مقاتل لم يخرج بعدُ من غبار المعركة، فإذا به اليوم يرتدي لباساً علمانياً واضحاً.
لقد أصبحت سوريا، بكل تاريخها وحاضرها ومستقبلها، وبكل ما فيها من زخم ورمزية، وموقع وثقل، محشورة بين ماضٍ منصرم وحاضرٍ مخيف.
إن علمانية النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع هي علمانية غريبة، يمكن أن يُقال عنها كل شيء، لأنها تمثل مزيجاً من التوجهات الانتهازية، والإنسانية المعطوبة، والغرائز المقنّعة، والعمى الفكري، فسوريا التي كانت قلعةً للعلمانيين في ظل الأسد، لا تزال لم تخرج من بوتقة العلمانية حتى مع تغيّر الوجوه.
إن هذه التطورات التي أخرجت الشعب السوري من دهاليز الأسد المجرم أفرحتنا كثيراً، ولكن النتائج التي تمخضت عنها لا توازي التضحيات والدماء التي قدّمها أبناء البلد، فحال سوريا اليوم لا يختلف عن حال معظم بلادنا الإسلامية، إذ لا تزال تعيش في علمانية متستّرة تستقي من قواميسها، متجاهلةً أن مياهً كثيرة قد جرت من تحت الجسر، وأن ما تقوم به لا يعدو كونه علمانية مؤطرة.
ويبدو أن الطغاة في بلادنا يُستنسخون ليُجدَّدوا، فكلما هلك طاغية جاء آخر بلباس مختلف، فهل هذا هو قدر هذه الشعوب، أن تدفن ثوراتها، وتطمر تضحياتها، ليعود الاستبداد بوجه جديد؟!
ربما يسيطر الإحباط على غالبية المسلمين في سعيهم لاستعادة مجدهم المفقود، ولا يمكن تجاهل الدور الدولي والإقليمي في تصفية الثورات والإتيان بطغاة جدد لتنصيبهم على رقاب الشعوب، ولكن بين هذا وذاك، يبقى الدور المطلوب من جميع المسلمين الطامحين إلى العز والكرامة هو الطموح المشروع والعمل الجاد لتحقيق هذا الهدف، لأن الشعوب نفسها هي التي تساعد في صناعة الطغاة، بجهلها وعدم وعيها، وعندما تلجأ إلى الحلول الترقيعية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
أيها المسلمون: إن الواجب علينا جميعاً أن نسمو بمطامحنا، وألا نتخبط في أوحال الأهواء العابثة، والأهداف الهابطة، والمقاصد الرخيصة، فنحن أمةٌ أعزّها الله بالإسلام ولا عزّ لنا إلا به.
إن تاريخ أمتنا وأمجادها يدعونا إلى أن نشمّر عن سواعد الجد، لنحذو حذو أجدادنا العظام الذين حكموا العالم بأعظم وأنبل شريعة ودستور عرفته البشرية، عاش في ظلّها الجميع، لكلٍّ حقوقه وواجباته.
إن الاستعمار وأعوانه يتربصون بنا الدوائر، وإن الديمقراطية وأتباعها قد تواطؤوا على خنق حريات الشعوب وإفساد حياتهم الكريمة، وإن الإسلام هو وحده نصير الحق ورسول كل تجديد نافع، وهو الذي لا يزال يورث أشياعه قوة الروح، والاعتداد بالنفس، والثبات على المبدأ، والجهر بالحق.
أيها المسلمون: لا حياة لأمة لم تعرف عدوها من نافعها، ولم تميز بين الأمين والخائن، وإن هؤلاء المتزمتين بالحياة المدنية هم علة الشقاء الذي يسود بلادنا الإسلامية، وهم المصيبة العظمى والسبب المباشر لكل ما أصاب هذه الأمة.
أيها المسلمون: ليست الحرية هبةً يمنحها لنا أعداؤنا، وإنما هي كفاحٌ وجهاد، لا تُقدَّم إلا لمن يسعى إلى العزة والكرامة.
نعم، سينتصر الإسلام وسيسود نظامه على كل نظام، بإذن الله، وإن الرائد الذي لا يكذب أهله يدعوكم إلى العمل لاستئناف الحياة الإسلامية العزيزة، والتي فيها خلاصكم من عفونة الرأسمالية القذرة.
نسأل الله أن يعزّنا بعودة دولتنا، عزّنا وكرامتنا، وما ذلك على الله بعزيز.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤنس حميد – ولاية العراق