- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا قدَّمنا ولاءنا لحُكَّام اليوم؟
(مترجم)
لقد مرَّ أكثر من عام على أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والعالم منذ ذلك الحين يُراقب في صدمة وصمت المجازر الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال، ومؤخراً، عندما أعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار، استبشر أهل غزة والعالم كله بهذا الخبر. لقد حصل أهل غزة أخيراً على فترة راحة مؤقتة من الفظائع التي يرتكبها يهود ضدهم، غير أن هذا الاتفاق لا يعني أن العنف والفظائع قد توقفت تماماً، فلا تزال التقارير تتوالى عن الجرائم المستمرة في الضفة الغربية، في ظل تصريحات دونالد ترامب وأفعال بنيامين نتنياهو، والتي تؤكد أن هذه الفظائع لن تتوقف.
طوال فترة هذه الإبادة الجماعية، أظهَر حكام المسلمين لامبالاة صادمة، فقد نادتهم الأمة وطالبتهم بإرسال الجيوش لتحرير فلسطين، أرضاً وشعباً، لكنهم لم يحركوا ساكناً، وبدلاً من ذلك، اكتفوا بإطلاق تصريحات هزيلة ومبهمة، ينددون فيها بجرائم الاحتلال، بينما استمروا في علاقاتهم التجارية والدبلوماسية معه، وبعد كل هذا، قبلوا بحلٍّ "قانوني" مع كيان لا يُلقي بالاً لأية قوانين أو أعراف دولية.
لقد تساءلنا مراراً: كيف يمكن لهؤلاء الحكام الصمت على تلك المجازر، في حين يعتصر الألم قلوبنا على ما يتعرض له أهلنا في فلسطين؟ لكن التطورات السياسية كشفت الحقيقة الصادمة المروعة، وهي أن هؤلاء الحكام لا يحرِّكهم سوى المصلحة، فجميعهم يستفيدون، بطريقة أو بأخرى، من استمرار هذه الفظائع، سواء بدعمهم المباشر لكيان يهود أو بتحالفهم مع أمريكا، أما السبب الآخر لهذا التخاذل، فهو أن هؤلاء الحكام مستعدون لارتكاب مثل هذه الجرائم إن كان ذلك يخدم مصالحهم.
في سوريا، على سبيل المثال، كشفت التقارير عن الفظائع التي ارتكبها النظام المجرم بحق شعبه، فقد كان الناس هناك يقولون: "الجدران لها آذان"، في إشارة إلى شبكة المراقبة الاستخباراتية الواسعة التابعة للنظام المعروفة باسم المخابرات، والتي جعلت أي انتقاد للنظام خطراً يهدد صاحبه بالاختفاء في أحد مراكز الاحتجاز العديدة أو أحد السجون السرية، إحدى هذه السجون هو سجن صيدنايا "الأحمر" الذي أُطلق عليه لقب "المسلخ البشري"، حيث كان موقعاً لممارسة التعذيب المنهجي والقتل، وقد كان يُستخدم لسحق المعارضة السياسية، خاصة بعد اندلاع الثورة في سوريا سنة 2011.
"من بين أساليب التعذيب المستخدمة ما يسمى بـ"الدولاب"، حيث يُجبر السجناء على الانحناء داخل إطار سيارة ضخمة ثم يتم جلدهم، فيما يعرف باسم "الفلَقة"، حيث يتم ضرب باطن أقدامهم بالكوابل، كما يتم تعليق السجناء من معصميهم أو أذرعهم لفترات طويلة، ما يؤدي إلى خلع مفاصلهم وإصابات دائمة، وأفاد المحتجزون بأنه تم استخدام التجويع المتعمد، أو إعطاؤهم كميات ضئيلة من الطعام غير الصالح للاستهلاك، وحرمانهم من ضوء الشمس الطبيعي، ما تسبب في سوء التغذية الحاد، والأمراض الجلدية، ومشكلات صحية خطيرة أخرى، لقد كانت الرعاية الطبية متوقفة بالكامل تقريباً، حتى في الحالات الشديدة، ما أدى إلى وفاة العديد نتيجة الإهمال الطبي، كما تم استخدام العنف الجنسي كوسيلة لإذلال المعتقلين والسيطرة عليهم". (الجزيرة)
"وتوجد أيضاً تقارير تفصّل كيفية مساعدة مصر لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، حيث كانت مصر بمثابة وجهة لـ"التعذيب بالوكالة" الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية". (تايم)
أما في الأردن، فقد فرضت السلطات تدابير صارمة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بحجة مكافحة الإرهاب، فقد وسّعت تعريف الإرهاب في القانون الأردني، وزادت عدد الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد، وقد قدّمت الحكومة مؤخراً مشروع قانون لمكافحة الإرهاب، معروض حالياً للنقاش أمام البرلمان الأردني، حيث سيؤدي إقراره إلى مزيد من التضييق على الحريات العامة وحقوق الإنسان.
كما تلقت منظمة العفو الدولية تقارير عديدة عن أفراد اعتُقلوا بسبب معتقداتهم الإسلامية، وتعرضوا للتعذيب والاحتجاز لفترات طويلة دون محاكمة، في الواقع، لا يقتصر استخدام التعذيب في الأردن على القضايا السياسية، بل يمتد ليشمل المشتبه بهم في الجرائم الجنائية العادية.
وقد صرّح مسؤول سابق رفيع المستوى في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بأن "الأردن يتصدر قائمة شركائنا الأجانب... فهم على استعداد لتقديم المساعدة بأية طريقة ممكنة". كما قال مسؤول آخر: "إذا أرسلت سجيناً إلى الأردن، فستحصل على استجواب أفضل". (منظمة العفو الدولية)
وفي تركيا، وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش انتهاكات وجرائم حرب من اختطاف واعتقالات تعسفية واحتجاز غير قانوني وعنف جنسي وتعذيب على يد الفصائل المدعومة من تركيا في شمال سوريا بل ومن عناصر الأمن التركية أنفسهم، كما كشفت المنظمة عن تورط القوات المسلحة التركية وأجهزة الاستخبارات في تنفيذ هذه الانتهاكات والإشراف عليها، وقد تضمنت هذه الانتهاكات مصادرة الممتلكات، والابتزاز، والسرقة، إضافة إلى الفشل في الحد من هذه الانتهاكات أو تقديم أي تعويض للضحايا.
قال آدم كوجل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: "ستستمر الانتهاكات لمن يعيشون تحت السلطة التركية في شمال سوريا، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري، ما لم تتحمل تركيا المسؤولية وتتخذ إجراءات لوقفها". وأضاف: "المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على هذه الانتهاكات، بل إنهم يتحملون المسؤولية بصفتهم القوة المحتلة، وقد تورطوا بشكل مباشر في ما يبدو أنها جرائم حرب". (هيومن رايتس ووتش)
أما في فلسطين، فلطالما مارست السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال، مستخدمة أساليب قمع مشابهة لتلك التي يمارسها الاحتلال، وقد ظهر ذلك جلياً في حملتها القمعية في جنين، حيث فرضت حصاراً خانقاً، وقطعت المياه والكهرباء، ومنعت دخول المواد الأساسية، كما نشرت قوات الأمن التابعة لها قناصة على أسطح المباني، وأقامت الحواجز لتقييد حركة المقاومين، إضافة إلى الاعتقالات والتعذيب الموثق بحق العديد من المعتقلين.
وفي السعودية، يعلم العالم كله بما ارتكبته في اليمن، فضلاً عن الجريمة البشعة التي استهدفت الصحفي جمال خاشقجي، والتي لا تزال حاضرة في الأذهان.
أما في باكستان، فقضت الدكتورة عافية صديقي أكثر من 20 عاماً في السجن بسبب جريمة لم ترتكبها، بعدما تخلت عنها باكستان بل وتواطأت في تسليمها إلى أمريكا، حيث تعرضت للتعذيب والسجن الظالم حتى يومنا هذا.
كل هذه الأمثلة تمثل نقطة في بحر الفظائع التي يرتكبها حكام اليوم. وهنا نقولها بوضوح وصراحة، ألا يدفعنا هذا الواقع للتساؤل عن سبب قبولنا بحكم هؤلاء الظلمة؟ لماذا نسمح لهم بفرض سلطتهم علينا وهم يرتكبون الفظائع ضد أبناء أمتنا رجالا ونساء وأطفالا؟ هل هو الخوف؟
إذا كان الأمر كذلك، فيجب أن نتذكر أن كل ما يصيبنا هو بأمر الله وهو ابتلاء منه سبحانه وتعالى، ويجب أن نوقن تماما بأن البلاء هو اختبار منه سبحانه ليجزي الصابرين بصبرهم درجات في أعلى عليين، قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، وقال أيضاً: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾.
كيف لنا إذاً أن نخافهم؟ أليس من المفترض أن نشعر بالغضب وبالاشمئزاز من هؤلاء عند رؤية هذه الجرائم تماما كما نشعر بالغضب عند رؤية جرائم الاحتلال في فلسطين؟
إذا كنا نشعر بالغضب، فلماذا لا يدفعنا ذلك إلى إزالة هؤلاء الحكام الذين يمنعوننا من حماية إخواننا وأخواتنا المسلمين؟ لماذا نسمح لهم بالمطالبة بولائنا؟ لماذا نقبل بهم حكاماً علينا؟
هذه كلها أسئلة يجب أن نتأملها، ومع تفكيرنا بها، علينا أن نسأل أنفسنا: متى سينفد الصبر ويفيض الكيل؟
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فاطمة مصعب
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير