- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ترامب وزيلينسكي... مشهدٌ لا يُقدر بثمن
مشادة كلامية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي شكلت صدمة كبيرة للأوساط السياسية العالمية وخاصة الأوروبية والأمريكية، وفي الوقت الذي وصفها قسم بقلة احترام وتقدير من الرئيس الأوكراني إلى أمريكا ورئيسها ونائب رئيسها، وقسم آخر وصفها بالفخ والمكيدة التي نصبها ترامب لزيلينسكي وخروج كبير عن اللياقة الدبلوماسية المعهودة لمثل هكذا لقاءات، وغير ذلك من التعليقات الكثيرة التي ضجت بها الأوساط السياسية والإعلامية، ولكن فيما حدث دروس وعبر كثيرة، نسلط الضوء على بعضها:
بداية لا بد من التأكيد على أن صراحة ترامب الزائدة وافتقاره إلى الحنكة واللباقة شكل فرصة كبيرة لكشف الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في العالم، فأكد ترامب أن أمريكا لم تكن تنظر إلى مسألة صراع أوكرانيا وروسيا على أنه صراع حق وباطل، أو قيم وأخلاق، بل صراع مصالح ومكتسبات واستعمار.
فبعد أن كانت أمريكا تتشدق بدعمها للحرية والديمقراطية ومعاداة الدكتاتورية والرجعية وأعداء الديمقراطية، أظهر ترامب أن تلك كانت مجرد شعارات كاذبة لا مكان لها في قاموس أمريكا، فبدأ يستعجل قطف ثمار الحرب التي كانت أمريكا السبب في اندلاعها، بعد مئات آلاف القتلى من الطرفين والدمار الكبير الذي لحق بالبلدين، بعد أن زجت بهما أمريكا في حرب طاحنة أحرقت الأخضر واليابس، دون أن تأسى عليهم أو تحزن على أولئك الضحايا الذي كانوا وقودا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير. جاء الآن ترامب ليتعامل مع المسألة على أنها صفقة تجارية، يبتز بها أوكرانيا لتوقع على عقد نهب أمريكا لأوكرانيا بقيمة 500 مليار دولار من المعادن النفيسة والاستراتيجية.
وابتزاز ترامب لأوكرانيا هذا جاء بشكل صارخ وفج، فهو يهددها بخسارة الحرب أمام روسيا من خلال إيقاف الدعم العسكري لها، ويهدد رئيسها نفسه بخسارة منصبه عند تخلي أمريكا عنه وعن بلاده، فيضعه أمام الإعلام والكاميرات والميكروفونات بين إما أن يوقع على تسليم ثروات أوكرانيا لأمريكا وقبوله أن تصبح أوكرانيا مستعمرة أمريكية بدون حتى ضمانات أمنية أمام روسيا، وإما أن تتركه أمريكا أمام الدب الروسي مكشوف الظهر والبطن ليلتهمه ويكون عبرة لمن بعده.
بهذه البساطة الوقحة تصرف ترامب ليظهر للعالم أجمع الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في العالم. وكيف أن أمريكا مستعدة لقتل الآلاف، بل الملايين، والزج بالشعوب والأمم والدول إلى حروب فتاكة ووحشية من أجل تحقيق أطماعها الاستعمارية ومصالحها المادية، فيا تعس وشقاء من يسير خلفها أو يتعلق بحبالها.
فها هو الغرب - أمريكا وأوروبا - قاتل روسيا بالشعب الأوكراني، تحقيقا لمصالحه، بينما مصالح أوكرانيا لا مكان لها في حساباتهم وهي آخر همومهم، وحتى أمنية الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي والتي كانت سبب الحرب، حتى هذه لم يعطوها لأوكرانيا رغم ما دفعته من أثمان بقتالها روسيا بالوكالة عنهم.
والشيء الأكيد أيضا أن غباء رئيس أوكرانيا شكل درسا بليغا لكل تابع، فهو بغبائه ووثوقه بالثعلب الأمريكي وبالأوروبيين، الذين ليسوا أحسن حالا من أمريكا، ولولا أنهم يجتمعون مع أوكرانيا في العداء لروسيا والخوف من تهديداتها لوجد منهم ما وجده من ترامب أو أشد، فزيلينسكي بغبائه هذا أورد بلده وشعبه المهالك، فقبل أن يكون هو الطعم الذي استدرجت به أمريكا روسيا لتحقيق مصالحها في أوراسيا، فدمر بلده وتسبب بموت مئات الآلاف من جنوده وشعبه، وكان وقودا للحرب الأمريكية الأوروبية الروسية، حتى أصبحت رقبته هو وشعبه بيد مصاصي الدماء، فأصبح بين وحشين، الأمريكي والأوروبي أو فك الدب الروسي. فأي قصر نظر هذا وأية مهلكة أورد فيها شعبه. ليكون ذلك درسا لكل من يتولى الحكم وهو ليس أهلا له، فقيادة الناس والشعوب تحتاج إلى شخصيات قيادية مبدئية وليس إلى هواة وقصيري نظر.
أما الشيء الوحيد الذي يحسب لزيلينسكي، فهو موقفه الأخير في البيت الأبيض، إذ رغم الضعف الذي هو فيه وشدة الحاجة التي وصل إليها، إلا أنه فاق من غيبوبته بعد أن ألقى ترامب على وجهه سطل ماء، فأدرك أنه بمطاوعته لترامب وخضوعه لما يريد يكون كمن يقتل نفسه بنفسه ويذهب لحتفه بقدميه، فرفض ذلك في موقف جريء أشعرنا بمدى بؤسنا بحكامنا العملاء أمثال ملك الأردن، الذي جلس قبل أسابيع على الكرسي ذاته ولكنه كان جلوس الذليل الخانع، جلوس التلميذ الفاشل أمام المعلم، فلم يفق مما هو فيه من ذل وهوان رغم شلال الماء الذي فتحه ترامب على وجهه، فزدنا حسرة على حسرتنا، وقلنا يا ويح حكامنا أعجزوا أن يكونوا مثل زيلينسكي؟!
إنّ العالم والمسلمين خصوصا، في أشد الحاجة إلى قادة أصحاب قيم ومبادئ يضعون حدا للمتغطرس ترامب وإدارته، ويخرجون الناس والعالم من ظلم الرأسمالية وفسادها وإفسادها.
ولن يقوى أحد على الوقوف في وجه أمريكا إلا دولة الخلافة القادمة، فلا أوروبا المتهالكة ولا روسيا الفاسدة ولا الصين المتقوقعة قادرين على التصدي لأمريكا وغطرستها، فقط الإسلام وخليفة المسلمين هما المؤهلان لذلك. ولذلك نقول لأمتنا بأن الأوان لاستعادة مكانتها وعزتها وريادتها قد آن.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير